
تلك الرائحة
شعر : صلاح الزين
الرائحةُ تلك
تلك الرائحة لا تَعنيكَ في شيء
لا تَعنيكَ، كَرِيحٍ عَجْلَى لامَسَتْ جُرْفًا يُطِلُّ على هاوِيَة
أو ذُبابَةٍ حَطَّتْ على حَجَر
غَيْمَةٍ غَفَتْ فَأمْطَرَتْ
فَوْقَ ما لَمْ تَوَدَّ
بِلادٍ لَمْ تَزُرْها
سَيِّدَةٌ ما أَحْبَبْتَها
حَصاةً تَتَقاذَفُها حَوافِرُ الخيول
شَمْسًا تَجُرُّ الغُبارَ نَحْوَ الغُروب
لا تَعنيكَ في شيء تلك الرائحة
الرائحةُ تلك جَوْرَبُ نَعْلِ الماء
نَمْلٌ يَقْتَفِي دَرْبَ صِغارِهِ ولا يَتُوه
لكِنَّها –أَي تِلْكَ الرّائِحَةُ– تُرْشِدُ النَّحْلَةَ لِمُغافَلَةِ عَصا البُسْتانِيِّ
الفَراشَةَ لأَثَرِها الغامض البعيد
المَلائِكَةَ لِتَنْشُرَ جَناحَيْها فَتَصْعَدَ نحوَ سُرَّةِ السماء
خِصْرَها حين يَدْنُو مِن شَفَةِ الكلام
أو لَوْنٍ غافَلَ الرسام
هذي الرّائِحَةُ ليسَتْ لَوْنَ بَشَرَتِك لِتَعنيكَ في شيء
لكنها تَتَسَلَّقُك
كَلِصٍّ مِن هَواءٍ
تَصْعَدُ دَرَجَ نُعاسِكَ
لا تَسْتَأْذِنُكَ
تَغْسِلُكَ
تُدَلِّكُكَ
تَدْهُنُكَ
بِغَيْرِ خُفٍّ، حتى، تَعْبُرَك
مِن غيرِ أَنْ تستأذِنَك
مِن بَنَفْسَجِ بَخورِها تَفُوِّحُكَ
وتَنْثُرُ قليلًا مِن رَذاذِ عِطْرِها فَتُعَطِّرَك
تَفْرِشُ لكَ سَجّادةَ صَلاةٍ
مِن وَبَرِ الغَمام
وإلَهًا يُرْشِدُك
تَصُدُّ عَنْكَ جَحافِلَ إبليسَ
بِطَرْفِها تَغْمِزُ للخطيئَةِ أَنْ لا تَتَسَوَّرَك
قليلًا، كَلَمْعَةِ بَرْقٍ، تُمهِلُك
لِتَعودَ وَتُهْمِلُك
الرائحةُ تِلكَ لا تَعنيكَ في شيء
تَزْدَرِيكَ
تَسْرِقُ الماءَ مِن واحَةِ عَطَشِ الحَرازِ
تَسْقِي مَوْجَةً عند شاطئِ السَّرابِ
فَتَسْرِقُكَ وَتُظْمِئُك
لِعِطرِها شالٌ
نَوْلُهُ مِن خُيُوطِ المَرايا
كَعْبُهُ مِن هَسيسِ القمر
تُطارِدُكَ وَتُفْزِعُك
هَرْجُها لا يُجْفِلُ سِرْبَ الحَمام
على مِخَدَّةِ النُّعاسِ
تَحْلِبُ ثَدْيَ الغَمام
فَتَنامُ الظهيرةُ وتَصْحو الظِّباء
بِقَدَمِها تَحُكُّ خاصِرَةَ النَّبْعِ
تَغْسِلُ عَوْرَةَ نَمِيمَةِ الغابَةِ وَما سَهَتْ عَنهُ الظِّلال
تَخِيطُ ثَوْبًا غَزْلُهُ مِن سَحاب، الرّائِحَةُ تِلْك،
وَتَمْسَحُ نُدُوبَاتِ الحنينِ
بِزَيْتٍ مِن عُرُوقِ السَّدِيمِ
تُطْعِمُ الأَرَقَ نَعْناعًا لِيَغْفُوَ
فَلا تَنْسَى طعامَ الهَدِيل
الرّائِحَةُ تِلْكَ تَصْحو
عَلى مَهْلٍ تُعِدُّ قَهْوَتَها
قُرْبَ سَرِيرِ الصباحِ
جَلَبَةُ مَوْقِدِها تُوقِظُهُ،
بُخارُ هَيْلِها يَعْتَرِيهِ فَيَسْتَفِيقُ
لِيَسْتَفِيقَ صِغارُ الحَمامِ
كَقَمَرٍ يُقَشِّرُ سَحابَةً تَلْبَسُ زِينَتَها
تُصْلِحُ خُصْلَتَها وَتُرْجِعُها قليلًا لِلْوَراءِ
ثُمَّ تَخْطُو
تَخْطُو كَأَمِيرَةٍ هِدْمُها ما وَهَنَ مِن شعاع،
وصيفاتُها خَفَرُ الكمنجات
أَنامِلُ وَتَرٍ لا تُلامِسُ بعْضَها فَتُعَكِّر ما سَكَتَ عَنهُ الكلام..
ما انْفَلَتَ مِن خِدْنِ القَصِيدِ وَتَقاصَرَ عَنهُ المَلام
الرائحةُ تلك
تلك الرائحةُ لا تَعنيكَ في شَيء
فهِيَ ليست لك
بِإبَرِها تَخِيطُ الهواءَ إِسْفِنْجَةً تَرْتَدِيكَ
تَمُصُّ نَسْغَكَ، تَقْتُلُك
وتَنْثُرُكَ طعامًا لِلغَمامِ
فَما أَنْبَلَك!
التعليقات مغلقة.
هل لعنوان النص صلة بقصة صنع الله إبراهيم “تلك الرائحة” ؟
إحتفاء أم إقتباس أو هي محض مصادفة ؟