‫الرئيسية‬ مقالات العمل القاعدي في مواجهة الكسل السياسي: الحزب الشيوعي بشندي نموذجاً
مقالات - 26 سبتمبر 2025, 7:00

العمل القاعدي في مواجهة الكسل السياسي: الحزب الشيوعي بشندي نموذجاً

عمار الباقر
استمراراً لخط الحزب الشيوعي السوداني المعلن في تنشيط العمل السياسي القاعدي من الداخل، تدخل اليوم مدينة شندي إلى قلب المعركة بعد عطبرة والخرطوم. فقد أصدر فرع الحزب الشيوعي السوداني بحي الديم ومربع 15 بشندي، أول أمس، تصريحاً صحفياً تناول فيه أوضاع الخدمات في المربعين السكنيين وما جاورهما من أحياء في أعقاب خريف هذا العام. وأوضح التصريح أن انتشار الحميات وحالات الحساسية التي ظهرت مؤخراً تمثل نتيجة مباشرة لتردي الخدمات التي تعاني منها المدينة، كما دعا إلى العمل مع مختلف المجموعات والإدارات المحلية للضغط على السلطات من أجل تجفيف مياه الأمطار الراكدة في الشوارع والميادين منذ أكثر من شهر.
هذا التصريح ذو قيمة عالية ودلالات مهمة. فهو أولاً صادر عن منظمة حزبية قاعدية داخل مدينة شندي، ما يشير بقوة إلى الاتجاه نحو العمل الجماهيري القاعدي الذي لطالما تحدث عنه الحزب الشيوعي. وثانياً، يعبر عن تمسك الجماهير داخل أحيائها وقراها بقضايا الخدمات والمعيشة اليومية، وهو المدخل الصحيح لوقف الحرب وفتح الطريق نحو التنمية.
يُعد هذا البيان رداً عملياً على الأصوات التي اعتادت ممارسة العمل السياسي الفوقي والسهل، مقابل النضال اليومي وسط الجماهير. هؤلاء انشغلوا بتوزيع الاتهامات المجانية للحزب الشيوعي بالتواطؤ مع سلطة الأمر الواقع و التحالف مع قوى الثورة المضادة، بينما غابوا عن ساحة العمل الداخلي واستسلموا للكسل السياسي، فقدموا بذلك أكبر خدمة لهذه القوى بتركها تعمل منفردة وسط الشعب.
كان الأجدر بمن أهرقوا المداد السخين في انتقاد خطوات الحزب الأخيرة أن يستثمروا وقتهم وجهدهم في تلمس قضايا الناس اليومية والعمل معهم لإبرازها والضغط من أجل وضعها في صدارة الأولويات. فحين تتقدم أجندة الخدمات والتنمية ستتراجع أجندة الحرب، وهذه معركة أعقد من قدرات الحزب الشيوعي منفرداً. وقد سجل التاريخ أن العمل السياسي الداخلي ووحدة الصف في الداخل هما الأساس في خلق التضامن الدولي الفعّال. فالحكومات لا تتحرك بفاعلية إلا بضغط من شعوبها، والشعوب لا تتحرك ما لم ينخرط أصحاب القضايا أنفسهم في حراك شعبي واسع.
لقد أدرك شعب جنوب أفريقيا ذلك فكانت انتفاضة سويتو 1976 ومسيرات “اجعلوا هذا البلد غير قابل للحكم” عام 1989، والتي عجّلت بسقوط نظام الفصل العنصري. وأدرك الشعب الفلسطيني أيضاً هذه الحقيقة، فكانت الانتفاضة الأولى (1987–1993) المعروفة بانتفاضة الحجارة والتي كانت نتيجتها اتفاق أوسلو، ثم الانتفاضة الثانية (2000–2005). هذه تجارب لشعوب واجهت تحديات أعظم مما نواجهه اليوم، لكنها أيقنت أن التعويل على تضامن الحكومات مضيعة للوقت، وأن التضامن الحقيقي هو تضامن الشعوب، الذي لا يتحقق إلا عبر التضحيات والعمل السياسي الدؤوب. فما كان للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تعترف بالدولة الفلسطينية بتلك الأغلبية الساحقة لولا صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته، ولولا خروج التظاهرات بعشرات الآلاف في لندن وباريس وبروكسل وعدد من المدن الأمريكية.
مع ذلك، فإن هذا الحراك الداخلي الذي انتظم في عطبرة والخرطوم وشندي لن يكتمل ما لم تلتحق به مدن دارفور: نيالا، الجنينة، زالنجي، والضعين. فدارفور تواجه اليوم خطر التفتيت والانقسام تحت سلطة انتهازية غير شرعية فرضتها ميليشيا الدعم السريع. والشرعية لن تُنزع عن هذه الحكومة بقرارات الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي، بل من الداخل على يد مواطن دارفور نفسه. لذا، فإن تركيز الجهود على العمل السياسي الداخلي في دارفور بات واجباً وطنياً، وهو عبء كبير يقع على عاتق القوى الثورية المؤمنة بالعمل القاعدي بتجاوز الخلافات الصغيرة فيما بينها والانخراط في عمل سياسي في الداخل علي الرغم من الصعاب التي يواجهونها في ظل سيطرة الميليشيات وقيادة عمل سياسي بيدأ بالبسيط ثم المعقد يتصدى لهموم الحياة اليومية والتحديات التي يواجهها المواطن.
ختاماً، تقول لنا شندي: لقد قضينا عامين ونصفاً نركض خلف المبادرات الدولية والإقليمية والمقابلات المكوكية من أجل وقف الحرب بلا جدوى. فلنجرب إذن أن نبذل بعض الوقت والجهد في العمل من الداخل، ولنرَ كيف ستكون النتيجة.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 3 / 5. Total : 1

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *