(كِبِرْتي وليكْ 19 سنة).. و عظمة قضاة السودان
يا سلام على الوعي والفهم المُتقدِّم جدَّاً لقضاة السودان، في ذلك الزمان، قبل أن يعرف العالم اتفاقية حقوق الطفل، وحتى قبل أن يُصدِرَ الاتحاد الأفريقي الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته، وينص على منع زواج الأطفال دون سن الـ(18) سنة، لآثاره الصحية والنفسية والاجتماعية والتعليمية الضارّة والمُدمّرة على الطفلة والمجتمع. يحكي الفنان وردي: (الشاعر حسن عبد الوهاب كان مُعلِّماً في بورتسودان، وقد قدم لي أغنية “ما تخجلي” عام 1963، وكنتُ وقتذاك أقوم بجولة في أسمرا مع الفنان الكبير إبراهيم عوض. وبعد الفراغ من جولتنا تلك، قمتُ بزيارة لندن، وسجلت عدداً من أغنياتي للقسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية. أذكر أنني صادفتُ في لندن من أصدقائي القاضيَيْن صلاح عووضة وصلاح حسن، وأسمعتُهما في جلسة خاصة أغنيتي الجديدة “ما تخجلي”، وكان منها هذا البيت:
خلاص كِبرتي.. وليك ستاشر سنة
عمر الزهور عمر الغرام
عمر المنى
فصاح فيَّ القاضيان: إنت مجنون؟ 16 سنة؟ ده اغتصاب!! فقرَّرتُ أن أرفعها إلى 19 سنة. (حوار بين معاوية يس ومحمد وردي، 12 أبريل 2010، سودانايل).
(شوف الكلام ده كيف؟! استنارة وفهم ووعي.. استنكار كبير.. وغضبة مضرية لمُجرَّد التغنِّي بذلك! وكان ما جيت من زي ديل وأسفاي وا مأساتي وا ذُّلي.. فكيف لو عرفوا أنو بعدهم جوا ناس ختوا قانون عديل وسمح بزواج الطفلات) !!
أتخيَّل عذاب ومعاناة الطفلة المُتزوِّجة، وعدم الانتباه لمأساتها كطفلة الحزن القديم مع وردي والدوش، الطفلة التي ترفع صوتها ولا يلتفت إليها أحد في زحام أولويات وأنانية الكبار (بتطلعي انتي من صوت طفلة وسط اللمة منسية).. أتخيَّل هذه الطفلة داخل كلمات محجوب شريف (لطفلة جميلة.. تنفست قليلاً.. تمددت قتيلة).. وكذلك تُذكِّرنا بها أغنية (خواطر فيل) للنور الجيلاني، وكلمات حسن بارا، ومُطابقتها لواقع الطفلة المرير.. طفلة تحتاج لرعاية ومطلوب منها رعاية أسرة قبل أن تُكمل طفولتها !!!
قبضوني ليه جابوني ليه.. عاوزني أعمل إيه هنا
ختوني في قفص كبير.. جابوني مسجون ليه أنا
أنا ما عملت هناك شيء.. بيه أستحق هذا العنا
ما عرفت قط في دنيتي.. غير اللعب والشيطنة
قبضوني ليه جابوني ليه.. حرموني من طعم الهنا
فعلا.. قمة الحرمان من الهناء والحياة لهؤلاء الطفلات !
أظهرت المسوحات التي أُجريت في السودان، أن نسبة الممارسة عالية، فقد أشار المسح الصحي الأسري 2010 إلى أن نسبة زواج الأطفال في السودان على المستوى القومي قد بلغت (37.6%). ووفقاً لنتائج المسح العنقودي مُتعدِّد المؤشرات MICS 2014 ، فإن النسبة هي (38%)، كما أظهرت دراسة المعرفة والسلوك والممارسات المتعلقة بزواج الأطفال التي أُجريت في ست ولايات (جنوب وشرق وغرب ووسط دارفور والقضارف والخرطوم) 2013 أن النسبة هي (54%) والتي هدفت إلى معرفة المعتقدات والأعراف والمفاهيم الاجتماعية للأسر والمجتمعات حول زواج الأطفال، وأظهرت الإجابات المتعلقة بالمعرفة أن 24% من الإناث اللائي تزوجن تحت 18 سنة قد تركن المدرسة بلا عودة، بسبب بعد المسافة (8%) (التكلفة المادية 15%) وبسبب الزواج كانت النسبة (32,6%).
عندما أنظر إلى قوانيننا، أشعر كأن الطفلات المتزوجات يهتفن: يا أعدل الناس إلا في معاملتي.. يُعرَّف الطفل في قانون الطفل لسنة 2010 بأنه أي شخص لم يتجاوز 18 سنة عشان، ويحتاج إلى الحماية والرعاية لأن نمو الأطفال الجسمي والعقلي والنفسي لم يكتمل، وإذا ارتكبوا أي مخالفة لا يدخلون مع الكبار في السجن، بل الإصلاحية المُخصَّصة لتأهيل الأطفال، كما منعت وزارة الداخلية إخراج رخصة قيادة للأطفال.. فالقانون يمنع حصول الأقل من 18 سنة على رخصة لأنهم لا يتحملون المسؤولية ولأن نضجهم لم يكتمل، ولا يحق لهم العمل في الداخلية، وكذلك في القوات المسلحة السودانية. وفي العام 2007 صدر قانون بمنع من هم دون 18 عاماً من الانضمام إلى القوات القوات المسلحة لعدم اكتمال نضجهم ونموهم، وهم ممنوعون بالقانون من الترشيح أو التصويت في الانتخابات للأعمار دون 18 سنة لأن نموهم لم يكتمل.
طيب.. هل مسؤولية الزواج أقل من ذلك؟ كيف يمكن لطفلة انتو قلتو نموها لم يكتمل أن تكون مسؤولة عن أسرة بأكملها؟ ليه بتسمحوا بزواج الأقل من 18 سنة في قانونكم بتاع الأحوال الشخصية؟.. ما بتخجلوا تكتبوا فيهو نص زي ده: ( تنص المادة 40 على: ۱- زواج المعتوه أو المجنون أو المميز إلا من وليه بعد ظهور مصلحة راجحة وبإذن القاضي ۲- يكون التمييز ببلوغ سن العاشرة ۳- لا يعقد ولي المميزة عقد زواجها إلا بإذن القاضي لمصلحة راجحة بشرط كفاءة الزوج ومهر المثل) !!!
هنالك عشرات الدراسات التي تُظهر الآثار الضارة لزواج الطفلات من مشكلات صحية ونفسية وجسدية وحرمان من عيش مرحلة الطفولة والذي يؤدي عند تعرضها لضغوط إلى ارتداد لهذه المرحلة في صورة أمراض نفسية واضطرابات في العلاقات الجنسية بين الزوجين ناتجة من عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة ما ينتج منه ارتفاع نسب الطلاق؛ هذا بجانب عدم اكتمال النضج الذهني فيما يخص اتخاذ القرارات وحرمان حقها في التعليم هنالك أضرار أخرى لا تُحصى. لا يمكن تجاهل هذه الآثار باعتبارها أن طفلة تحتاج هي نفسها للرعاية كما أنها لا تدرك معنى الزواج وتبعاته.
وعليه لا بد من تعديل سن الزواج إلى 18 سنة وفقاً لتعريف الطفل الذي نص عليه قانوننا للطفل لسنة 2010، وكما هو سائد في العديد من الدول الإسلامية نتيجة لاجتهادات فقهية حظرت زواج الطفلات، فنجد سن الزواج 18 سنة مثل مصر والمغرب وعمان والأردن والإمارات وجيبوتي ونجد في الجزائر 19 سنة أما في ليبيا فـ 20 سنة.
التعليقات مغلقة.
شكرااا استاذ ياسر للمناصره الدائمة لقضايا الطفولة
ماشالله دائما نظرتك عميقه للأمور
حقيقه مقال يستحق النشر والاهتمام
أضيف الزواج في سن صغير يؤدي إلى السلوك الشاذ وعدم الالتزام بشريك واحد
كلام جميل تتواصل فيه ذكريات مضت لمشاعر نبيلة نحو أطفالنا مع امال صادقة لمستقبل واعد بأن تتحقق كل حقوق أطفالنا في الحماية والتنمية والرعاية، شكرا صديقي يلسر.
التحية للأستاذ ياسر سليم لمناصرتك لقضايا الأطفال وحقيقة تناولت موضوع زواج الأطفال بمعلومات تمت من خلالها قراءة ما يدور في أذهان فئات مختلفة من المجتمع السودانى بجانب الاحصائيات الدقيقة. حقيقة استمتعت جدا بقراءة هذا المقال الذى كتبه عالم من علماء حماية الطفولة نسأل الله ان يذيدك علما
متعك الله بالصحة والعافية الاخ الفاضل/ ياسر سليم عبر تناولك هذا المقال الشيق،متمنياا إن بجد الاهتمام الكبير من كل فئات المجتمع السوداني في توصيل رسالتكم لقضية حقوق الطفل وسدد الله خطاكم من اجل الاطفال.
شكرا استاذ ياسر هكذا عرفناك مناصرا وداعما للأطفال بكل ما تؤتي من قوة ولا تخاف لومة لائم برؤية عميقة ومنطق سديد أدام الله عطاءكم وانتم تبذلون عصارة خبرتكم من أجل الأطفال وحقوقهم
التحية والاحترام للأستاذ ياسر سليم للتناول الراقي والايجابي المتفرد واستخدام لغة مرنة لدفع جهود التوعية والمناصرة ومخاطبة الجميع بلغة يحبونها.
متعك الله بالصحة والعافية.
السلام عليكم أ. ياسر سليم كما عهدناك دوما تطرق الابواب المغلقة وكل ما هو مسكوت عنه فيما يختص بقضايا وخقوق الأطفال بالرغم من معرفة الجميع بها وبأهميتها، وهذا طريق لا يسلكه الا قويا في سبيل إظهار وإقتلاع الحق لهذه الفئة الضعيفة من المجتمع.
شكرا جميلا أستاذنا فيما قدمت وتقدم إن شاء الله من أجل طفولة تعرف حقوقها ومجتمع يعرف هذه الحقوق ويدافع عنها وشكرا علي ما قدمته للشباب والشيب من تدريب في هذا المجال مما كان له أثر واضح في المجتمع.
الاستاذ العزيز ياسر
نقاب معن و جاء في وقته. بجب علينا جميعا المساندة في قضايا الطفلات و خاصة ما يؤيدة الاعراف و العادات و المفاهيم الدينية الخاطئة
دمت بخير!
ما شاء الله مقال جميل من استاذنا ياسر سليم مناصر قضايا الاطفال
ربنا يوفقك دوما لمناصرة حقوق الاطفال وقضاياهم.
متعك الله بالصحة والعافية الاخ الفاضل/ ياسر سليم عبر تناولك هذا المقال الشيق،متمنياا إن بجد الاهتمام الكبير من كل فئات المجتمع السوداني في توصيل رسالتكم لقضية حقوق الطفل وسدد الله خطاكم من اجل الاطفال.