
إدمون منير.. ريشة خالدة في وجدان السودان
مهدي داود الخليفة
رحل عن دنيانا الفنان السوداني الكبير إدمون منير، الرجل الذي لم نعرفه جميعاً معرفة شخصية، لكن من من أبناء جيلنا لم يعرفه من خلال رسوماته ولوحاته وشعاراته في شاشة تلفزيون السودان؟ لقد ارتبط اسمه بالشاشة القومية حتى صار اسمه بمثابة شعارها، ووجهها المضيء في زمن كانت فيه الشاشة السودانية بيتاً دافئاً لكل بيت.
إدمون منير لم يكن مجرد رسام أو مصمم شعارات، بل كان ضميراً فنياً ووجدانياً للسودانيين. هو من حمل ريشته ليحوّل القضايا الاجتماعية إلى لوحات ساخرة عميقة المعنى، ومن صنع أولى ملامح الهوية البصرية لتلفزيون السودان منذ تأسيسه عام 1963. يكفي أن نذكر برامجه وأعماله الخالدة مثل: جنة الأطفال، خد وهات، والشعارات المتحركة التي سبقت زمنها، لتدرك أنك أمام رائد حقيقي سبق الإعلام العربي والإفريقي بخطوات.
إدمون منير لم يكتفِ بالتلفزيون، بل جاب المدارس والجامعات والمعارض، حاملاً رسالة الفن والخلق والقيم. كان تواضعه سمة بارزة؛ تجد فيه الإنسان البسيط الذي يسكن قلوب الناس قبل أن يسكن شاشاتهم. حتى حين هاجر لاحقاً إلى أستراليا، ظل قلبه معلقاً بالوطن، فعاد ليكمل حياته فيه، وكأنه يقول: لا غربة لمن حمل السودان في داخله.
حصل علي كثير من الجوائز و الميداليات منها الميدالية الذهبية من حقوق الملكية الفكرية بجنيف، نوط الجدارة ، ووسام الآداب والفنون . لكن أعظم أوسمته لم تكن الرسمية، بل هي حب السودانيين وذكراهم الطيبة له. فلو سأل أي مواطن عن “شعارات التلفزيون القديمة”، سيستحضر مباشرة رقصة العروس السودانية، الطفل الصياد، أو نشرة الأخبار بتصميمها المتحرك الخالد.
رحل الفنان إدمون منير ، لكن بقيت أعماله تعيش في ذاكرة كل السودانيين ، تحكي عن زمن جميل وصوت ضمير حي. إن فقد إدمون ليس فقداً لأسرته أو معارفه وحدهم، بل فقد وطن بأسره لواحد من أعمدته الإبداعية النادرة.
وداعاً ابن بحري،
وداعاً يا من صنعت من الريشة رسالة،
ومن الخط رسالة وطن.
ستظل حاضراً في مدارسنا، في شوارعنا، وفي قلوب كل السودانيين.
رحمك الله رحمة واسعة، وجعل البركة في إرثك وذكراك.