‫الرئيسية‬ مقالات استعادة دار الحزب الشيوعي.. بين حق البقاء في الداخل وخطورة هجرة القيادات الحزبية إلى الخارج
مقالات - 26 سبتمبر 2025, 7:02

استعادة دار الحزب الشيوعي.. بين حق البقاء في الداخل وخطورة هجرة القيادات الحزبية إلى الخارج

مهدي داود الخليفة
برزت في الأيام الماضية قضية مطالبة الحزب الشيوعي السوداني بالعاصمة القومية السلطات المحلية في أم درمان باستعادة داره الكائن بالعباسية، والذي استولت عليه إحدى الوحدات النظامية أثناء الحرب. وقد تقدّم الحزب بطلب رسمي لاسترداد مقره، مشيراً إلى أنه اضطر لإخلائه بسبب الظروف الأمنية، تاركاً خلفه ممتلكات ومعدات وإذاعة متكاملة، ومؤكداً عزمه على العودة لممارسة نشاطه من داخل الوطن.
هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً، حيث تناولها البعض بسطحية أو بروح إدانة، متجاهلين جوهرها السياسي العميق. فالأمر لا يتعلق بمقر أو ممتلكات بقدر ما يرتبط بمبدأ أساسي: ضرورة وجود الحزب وسط جماهيره، وممارسة العمل السياسي من الداخل لا من الخارج.
أول هذه الدلالات الوطنية والسياسية لمطلب الحزب تتمثل في: رفض عسكرة الحياة العامة اذ ان استعادة دار الحزب تعني رفض تحويل مؤسسات المجتمع المدني إلى ثكنات عسكرية، ومواجهة نزعة فرض الأمر الواقع بقوة السلاح.
كذلك إثبات حق العمل السياسي، هذا الموقف يؤكد أن العمل المدني ليس ترفاً، بل حقاً أصيلاً لا تسقطه ظروف الحرب ولا تغيّبه الهيمنة العسكرية.
استعادة مركز داخلي للحراك الجماهيري، الدار ليست جدراناً وأثاثاً، بل منصة سياسية وثقافية ومجتمعية لمخاطبة الشعب، وتثبيت وجود القوى المدنية في قلب العاصمة.
لقد أدّت الحرب إلى أزمة غياب القيادات الحزبية عن الداخل، وهي أزمة تعكس مأساة وطنية عميقة. فمعظم الأحزاب السياسية، بما في ذلك تلك التي طالما تباهت بثقلها الجماهيري، إمّا غادرت البلاد إلى المنافي، أو احتمت بثكنات الجيش في بورتسودان، تاركةً جماهيرها نهباً لطرفي الحرب.
فكيف يمكن لقوى سياسية أن تدّعي تمثيل الشعب وهي بعيدة عنه؟ وكيف لها أن تزعم امتلاك قاعدة جماهيرية وهي قد تخلّت عن هذه الجماهير وتركتها فريسة لطرفي الصراع، يفعلان بها ما يشاءان؟
إن غياب القيادات عن الداخل جعل الخطاب السياسي موجهاً إلى الخارج أكثر منه إلى الشعب في الداخل. والنتيجة أن الفعل السياسي تحوّل إلى بيانات من عواصم إقليمية، بينما فقدت القوى الوطنية قدرتها على حماية الجماهير أو التعبير المباشر عن همومها. هذا الوضع يفتح الباب واسعاً أمام التدخلات الخارجية، ويكرّس صورة “السوداني العاجز” الذي يحتاج إلى وصاية إقليمية ودولية.
وتتمثل المخاطر الاستراتيجية في غياب قيادات الأحزاب في استمرار تغييب القوى السياسية عن الداخل، الأمر الذي يترك الساحة خالية لقوى الحرب كي تفرض شعاراتها المضللة مثل “حرب الكرامة” و*“الحرب الوجودية”*.
غياب الأحزاب عن الشارع يعمّق الانقسام الإثني والقبلي، ويمنح القوى الإسلامية العسكرية والميليشياوية مساحة أكبر لإعادة إنتاج سلطتها.
التخلّي عن المقرات و الدور السياسية يهدد بتحويل السياسة السودانية إلى نشاط خارجي بلا جماهير، أي إلى “سياسة بلا شعب”.
المطلوب اليوم من كل القوي السياسية:
* دعم مطلب الحزب الشيوعي باستعادة داره باعتباره معركة وطنية ضد عسكرة المجتمع، لا قضية حزبية ضيقة.
* عودة الأحزاب إلى الداخل وفتح مقراتها في العاصمة والولايات، خاصة في دارفور التي تواجه خطر العزلة والتقسيم.
* إعادة بناء الصلة بالجماهير عبر النشاط المباشر داخل الوطن، بدلاً من الاكتفاء بالمخاطبة الإعلامية من الخارج.
* التمييز بين الحقوق والاعتراف السياسي: فالمطالبة بالدار لا تعني الاعتراف بسلطات الأمر الواقع، بل انتزاع الحقوق منها رغم طبيعتها غير الشرعية.
إن معركة استعادة دار الحزب الشيوعي في العباسية ليست معركة ملكية عقار، بل معركة على حق الشعب في السياسة المدنية، ومعركة على حق الداخل في أن يكون مركز الفعل الوطني. هي أيضاً جرس إنذار لبقية القوى السياسية: لن تحافظوا على ثقلكم الجماهيري ما لم تعودوا إلى جماهيركم، ولن تنجحوا في حماية السودان من خطر التقسيم والرجوع إلى العصور القبلية إلا إذا صنعتم السياسة من الداخل.
وعليه، فإن هذه الخطوة يجب أن تُقرأ كبداية لإعادة الروح لشعارات ثورة ديسمبر المجيدة، وبناء جبهة وطنية تعيد السياسة إلى الشارع وتقطع الطريق أمام من يريدون للسودان أن يظل رهينة البندقية والميليشيا.

 

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 2 / 5. Total : 1

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *