‫الرئيسية‬ ثقافة شعر الكمنجات تَعقِدُ حاجبيها
شعر - 9 يونيو 2025, 23:49

الكمنجات تَعقِدُ حاجبيها

شعر : صلاح الزين

بثوب من ليلِ هذا الشتاء

ألُفُّ ما تبَقّى من أرقٍ وخطيئة
أُكَوِّرُهُ
أُعَلِّقهُ على ذيلِ رصاصةٍ عجلى
لا تخاف العصافير صفيرها

أُقطِّرُ كآبة يومي في قنينةٍ مثقوبة
شَرابًا لسرب الحمام
لا أستأذن أحدا
وأجلس إلى طاولة
عند كتف المعنى
والتباس الخيال
لأكتب لحبيبتي عن سر فتنتها
وقد تخطَّت الأربعين
كظهيرة بين غيمتين، تَخطَّتها
أصافح ما بعد أربعينها
ولنَخبِها أشرب كأسًا من نبيذ
أُغافل ذبابةً حطَّت فوق شفةِ
ما لم يقله الكلام

وبخفةِ دُورِيٍّ أمد يديْ
هكذا أمدُّها
كما لو كُنتُ
أمسح جبين الله
وبإصبعِي الوسطى
أزيحُ حبَبَ النبيذ
عن قمر شفتيها
وكمن يركل الكرةَ الأرضية
في هاويةِ مملكة الإله،
أُرجِعُ خصلتها، قليلاً،
إلى الوراء
بقبضتي أشدُّ خاصرة الحنين
أرفو رتقَهُ
أزمُّ شفتَيْهِ
أُخِيِطُهما بإبرٍ خيوطُها
من كرةِ العدم

لبُرهةٍ أريح تعبي،
بصحبة أمي،
استلُّ أصدقائي،
استلَّهُم كيرقاتٍ
لم يكتمل نموُّها
من هفواتِ خلودهم
استلَّهُم من خيباتهم
وما أخفوه خلف المساء
أُوقِظُهم من عورةِ موتِهم
ليَنقُضوا غَزْلَ العدم
عراة، هكذا
عراة كأنبياء،
شمس ظهيرة
وحقل قمح

وبِعُدَّةِ صيادِ أشباح
أسلَخُ الكلامَ من الصدى
أُعِدُّ مائدةً من هسيس السديم وغيومِ السراب
أُسوِّرُها بما يصدّ الايدولوجيا ونعال الكلام
أستلف مرايا حبيبتي
عُدَّةَ زينتِها
عطرَها
أمشاطَها
وخطابات الغرام
وما قاله عشاق سابقون
ووترِ ناي مكسور

والكمنجات تصدح
الكمنجات يرعبها
خَفَرُ السؤال
اصطفافُ الغمام
موتُ المُغنِّي وما لم يقال

الكمنجات تدلِقُ أوتارها
حليبًا للهواء
تطلي المرايا بلونِ النميمة
لتنام
تُهدهِدُ حروبًا مضت
حروبًا هنا وأخرى قيد الاكتمال

الكمنجات تَعقِدُ حاجبيها،
تزمُّ شفتيها:
كيف للحرب أن تنضو
فضة قمرٍ،
شهوة يراعة،
شبق وردة،
طنين نحلة،
رفة فراشة،
وسيدة تمتشق ما بعد الأربعين
تخبُّ كصحراءٍ ترتحلُ
من غير رمالِها
عواءِ ذئابِها،
أُنسِ واحاتها
ودروبٍ تسفوها الرياح

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 4.2 / 5. Total : 5

كن أول من يقيم هذا المقال

تعليقان

  1. “حروبًا هنا وأخرى قيد الاكتمال” بداية مشحونة بالتوتر ، وكأن الزمن ذاته صار مشروخًا . ثم تأتي الكمنجات كرمز للفن الرافض ، المتجهم، المتألم ، وهي “تَعقِدُ حاجبيها” و”تزمُّ شفتيها” في محاولة لأن تقول: هذا لا يُعزَف .

    السؤال “كيف للحرب أن تنضو…” يضع الحرب في مواجهة المستحيلات الجميلة:

    “فضة قمرٍ”

    “شهوة يراعة”

    “شبق وردة”

    “طنين نحلة”

    “رفة فراشة”

    كلها رموز لحياة خفيفة، دقيقة ، مُبهَجة… تُجهِضها الحرب .

    أما “سيدة تمتشق ما بعد الأربعين” فهي صورة مدهشة ، فيها تحدٍ للعمر، وللقوالب، كأنها صحراء تمشي بلا رمالها ولا ذئابها،

    1. العلاقات التشاركية في الأغنية السودانية: أضلاع الإبداع والنجاح ..

      محمد ميرغني شاطر

      مقدمة:

      تمثّل الأغنية السودانية عملاً إبداعياً متكاملاً يعتمد على أربعة أضلاع رئيسية: الشاعر، الملحن، المغني، والجمهور المتلقي، بالإضافة الى الوسائط الإعلامية المتعددة، لأنه وعلى الرغم من أن لكل طرف من الأطراف الأربعة دوره الأساسي في صياغة الأغنية، إلا أن نجاحها أو فشلها يعتمد بشكل كبير على هذه الوسائط لتحديد مدى وصولها وانتشارها. في الماضي، كانت العلاقات بين الأطراف الثلاثة الأولى (الشاعر والملحق والمغني) تحكمها العفوية دون الحاجة إلى توثيق أو اتفاقات رسمية، لكن مع تطور الزمن وظهور حقوق الملكية الفكرية، تغيّرت طبيعة هذه العلاقات، وأصبحت الوسائط الإعلامية ضلعاً رئيساً في صناعة الأغنية السودانية.

      النص:

      تُعد العملية الإبداعية في الأغنية شراكةً متكاملة، حيث يشكّل الشاعر، الملحن، المغني، و الجمهور المتلقي أربعة أركان رئيسة لنجاح العمل الفني. غير أن العلاقة التي تربط بين هذه الأطراف لم تكن دائماً واضحة المعالم في الماضي، وربما لم تكن الحاجة مُلحّةً لتوثيقها، نظراً لطبيعة المرحلة. هذا الغموض شمل العلاقة بين الملحن والشاعر، وبين المغني والملحن، وأحيانًا بين الأطراف الثلاثة عندما يجتمعون في عمل واحد. لكن مع تطور المشهد الفني، برزت الجمهور المتلقي كعنصر رابع لا يقل أهمية عن باقي الأطراف.

      يمكن القول، إجمالًا، إن كل ضلع في هذه العملية الفنية له أهميته، ومن الصعب تفضيل أحدهم على الآخر. ومع ذلك، ظل المغني هو الأكثر حضوراً وتأثيراً، بحكم تفاعله المباشر مع الجمهور. ومع دخول الوسائط الإعلامية كعامل رئيسي، أصبح للإذاعات، القنوات التلفزيونية، والمنصات الرقمية دور كبير في تسويق الأغاني، وتحديد مدى انتشارها، وأحيانًا حتى في توجيه ذائقة المستمعين.

      لم يكن الأمر في السابق خاضعاً لاعتبارات الحقوق المادية كما هو الحال اليوم، حيث لم يكن الشعراء والملحنون يعتمدون على العائد المادي من الأغاني. فقد كان العرف السائد أن يقدم الشاعر قصيدته للملحن أو المغني بلا اتفاق مسبق، إيمانًا بأن الأهم هو وصول الأغنية للمستمع. لكن هذا الواقع تبدل مع تطور حقوق الملكية الفكرية، ودخول الشركات في عملية إنتاج الأغنية. ومع ذلك، فإن الدور الأبرز اليوم تلعبه الوسائط الإعلامية والجمهور المتلقي، حيث لم يعد نجاح الأغنية مرتبطاً بجودتها الإبداعية فقط، بل أيضاً بمدى دعمها إعلامياً، وزيادة انتشارها بين الجمهور.

      قوانيم المصنفات الفنية وحقوق الملكية الفكرية:

      إنطلاقا من هذا، ينبغي أن تأخذ قوانين المصنفات الفنية وحقوق الملكية الفكرية في اعتبارها أيضاً تأثير الجمهور والمتلقي عند الحكم على قضايا حقوق الملكية. فغالباً ما تكون الأغنية السودانية محط أنظار المستمعين والنقاد على حد سواء. وعليه، عندما يتم أخذ لحن أو قصيدة من قبل أصحابها، يجب أن يؤخذ في الاعتبار جميع الأطراف المعنية، وليس فقط حقوق الشاعر أو الملحن. ففي النهاية، الجمهور هو من يحدّد مدى نجاح العمل الفني، ويشكل جزءاً أساسياً من عملية التقييم. لذا، يجب أن تضمن القوانين أن حقوق الجمهور في الاستماع إلى أغنية جديدة أو حصرية ليست في خطر بسبب انتهاك حقوق الملكية.

      سحب الملكية الفكرية من الأعمال التي شكلت وجداننا:

      من جهة أخرى، يجب أن يتم التعامل مع فكرة منع حق الإنتفاع القانوني بالمصنف الفني لبعض الأعمال التي شكلت جزءاً أساسياً من وجداننا بعناية. في بعض الأحيان، قد يقرر الشاعر أو الملحن أو الفنان سحب هذا الحق في أعمال فنية قديمة، والتي قد تكون قد شكّلت ذاكرة ووجدان الجمهور السوداني. هذه الأعمال التي أضافت للهوية الثقافية ولذاكرة الناس منذ الصغر قد تحمل خصوصية لدى المتلقين.

      في مثل هذه الحالات، ينبغي أن يتم التعامل مع هذه القرارات بحذر شديد. ففي حين أن الحقوق القانونية تتيح لأصحاب الحقوق إجراء تغييرات على ملكياتهم، يجب أن يتم مراعاة التاريخ العاطفي الذي يرتبط بتلك الأغاني لدى الجمهور المتلقي. سحب حق الانتفاع أو منح الأذن لاستخدام أعمال فنية قديمة قد يؤثر بشكل غير مباشر على القيمة الرمزية التي تحملها تلك الأعمال في قلوب الناس. لذا، من المهم أن تتم هذه القرارات بروح من الشفافية والاحترام للجمهور الذي نشأ على هذه الأغاني، ومراعاة الأبعاد الثقافية لهذه الأعمال الفنية.

      امثلة على سحب الملكية:
      على سبيل المثال، قام الشاعر هاشم صديق بسحب بعض من أشعاره التي قدمها لفنانين معينين، رغم أن هذه الأشعار قد شكلت جزءًا من الوجدان السوداني لعقود. ومن أبرز هذه الحالات، سحب الشاعر لقصيدته الشهيرة “اضحكي” التي غناها الفنان أبو عركي البخيت. ورغم أن الأغنية تظل من بين أشهر الأعمال في الأغنية السودانية، إلا أن الشاعر قرر عدم السماح بأدائها على الرغم من نجاحها الكبير، خاصة أنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة الجمهور السوداني منذ الصغر.
      وكذلك تعرّض الفنان محمد الأمين، الذي يعتبر من أبرز رموز الأغنية السودانية وأحد أكثر المجددين في التلحين، فقد ظل ركناً أساسياً في قمة الإبداع الغنائي السوداني حتى وفاته، لهذا الموقف من نفس الشاعر عندما منعه من ترديد أغانيه لفترة طويلة مثل الملحمة وبعض الاكتوبريات الأخرى، وأغنية حروف إسمك، وكلها كانت اعملاً إرتبطت بها، ولا يزال، قطاعات كثيرة من جمهور المتلقين.
      اتذكر في سياق هذا الموضوع موقفا للفنان المصري الكبير عبدالحليم حافظ والشاعر الجميل عبدالرحمن الأبنودي. فقد كتب الأبنودي قصيدة “التوبة”، بناء على طلب من حليم، الذي أعجب بالنص، وبالمقابل أعجب الأبنودي باللحن. ولكن قبل التسجيل عرض الموسيقار “علي اسماعيل” على عبدالحليم عمل توزيع موسيقي للأغنية. وعند إذاعة الأغنية غضب الأبنودي من التوزيع واعتبره أضرّ بالأغنية، وطالب بإعادة التسجيل، ولكن حليم رفض، وحدثت قطيعة بينهما، وبعد فترة ذهب عبدالحليم إلى الأبنودي وقال له: إن الأغنية بعد أن بعد أن تظهر للعلن للجمهور تصبح ملكاً له ولا يمكن تغييرها، وتم الصلح بينهما. أعتقد أن هذا الفهم الراقي والسليم هو الذي يجب أن نتعامل به في كل تراثنا الغنائي بأن نجعل العمل الفني بعد ظهوره للعلن هو من حق الجمهور بالأساس، أو على الأقل وضعه في الاعتبار في اي قرارات قد يتم اتخاذها.
      في النهاية، لا بد من الإشارة إلى أن الأغنية السودانية ليست مجرد نتاج تعاون بين الشاعر، الملحن، والمغني، بل هي عملية إبداعية تتكامل مع دور الجمهور المتلقي، التي تتحكم في مدى وصول الأغنية إلى الجمهور، وتسهم في نجاحها أو اندثارها. لذا، فإن الحفاظ على حقوق جميع الأطراف، مع الأخذ في الاعتبار تطور وسائل النشر والتوزيع، يعد مفتاحاً أساسياً لاستمرار الإبداع الغنائي السوداني في التألق والانتشار.

      محمد ميرغني شاطر

      مارس/ 2025

‫التعليقات مغلقة.‬