
سلسلة المُهمَلات ….المنديل (7)
سلسلة المُهمَلات
هذه النصوص هي مشروع كتابة، قيد التنفيذ بعنوان “المهملات”، عن أشياء تبدو لا قيمة لها من فرط تواجدها وبداهتها وعاديتها، رغم انها اكتسبت جدارتها من فرط وجودها! لا أحد يساءل لون بشرته ببساطة لأنها هناك كصبح وصلاة تتكرر فنغفر لها ترددها مثلما نغفر للشمس مغبيها وطلوعها !!اقصد مؤانسة المكرور والذي به أدمنا الحياة والوجود من غير ان نقول ليهو شكراً من فرط تكراره!! هي كتابة تحاول ان تقول ما نجهله عن العادي الذي أوجَدَ الأساسي فينا!! سأنشر هذه النصوص في حلقات عن العادي لأهبُ شهادةً للأساسِ اليتيم!
المنديل (7)
صلاح الزين
المنديل..
لثغة الأبجدية وشرفة الأناقة. شرطيُّ مرور الانسياب مِنْ وإلى.
هو المنديلُ رسالةٌ حِبرُها من هسيس الغمام وما يهمسُ به النهار آن انسحاب الشمس إلى وكرها بتعب وتعب.
لا أحد يدري لماذا الأبيض دهانه ولا حتى السحابة التي أنجبته. أبيضٌ، أبيضٌ وكأنه يتربص بقوس قزح ويغفو تحت ظل الله الواحد الأحد ويسبح في رحيق قيلولة من عرق حواء!!
المنديل لا يُعرَّف بغير أنه قطعة قماش بيضاء بمساحة سنتمترات محدودة إذ تعريفه ينفي صفة خلوده. فالأبد والسرمد لا يخلدان للتعريف حتى يكون لِعِلم الإشارة والسيميولوجيا معنىً تمهد لصناعة الدبابة وسكِّين القاتل!! فيه من مكر الثعالب وخفة إبليس ما يجعله لغةَ إشارةٍ أبجديتُها من عطرٍ وشارعِ غرام. وكمان فيه جسارةُ الأنثى وهي تتحدى بيدرَ الذكورة ببياض لا يحجب حتى ضوء نجمة. ليس شارةً بيضاء للاستسلام في الحروب بل استعلان حرب أخرى لا تبقي ولا تذر!!
لا أحد يدري كيفيات انتقاله من وإلى وإلا كنا فضحنا ما يهمسُ بهِ الوترُ لوترِ مجاورٍ.
مقدودٌ، مقدودٌ فقط من الذهاب كجندي في حربٍ خاسرة.
وليس كما الجندي الذي تبتلعه الحرب فلا يرجع، للمنديل رجوعات وإياب كإسراء الأنبياء ومعراجهم بين السماء والأرض.
ولأنه من عطر وأسرار لا ذرية معلومة له كضحكة أضاعها الهتاف. فيمشي بين الناس بغمطِ النميمةِ، النميمة المفضوح صدقها وإن صوَّحتها غائظة الظهيرة.
ما أجمله من نمّام ذميم !! ومن صدق ما يقول سبق تقنية ال decoding وما كان بصاصًا مأجورا!!
المنديلُ سرًا مرتوقٌ من لونِ الغسق يُرشِدُ إليه عِطْرُه كفريسة يُرشِدُ إليها دمُها. وككلِ الأسرار يمشي من غير رجلين ولكنه يصل، يصل كموت محتوم.
ولأنه كذلك كَنِيَّةِ صلاةٍ تقاصرت عن مقام الخشوع، يستعيض عن الأبجدية بصمت الكلام. المنديل لا يتكلم ولكنه، كبذرة، يقول. يسمع الصمت ويعرض عن العلن فيكون قوله كما قال جبريل لمحمد وهضاب الأبدية والسكون. إنْ تكلَّمَ اِنفضحَ وتَعرَّف، وإن قالَ انبهمْ وفاضَ المعنى كنزوة غيمة محمولة على ريحين.
ضدًا لمن يسير بالوشاية بين خصمين، المنديلُ ناقلٌ لا يسهو للوشاية بين وَتَريْن يسندان الطرب وسكراته لتكتمل فاكهة الوجد وتنضج.
به شيءٌ من صفاتِ الهَدايا وهو أبعد ما يكون عن الهدية
كدرب يطول ويطول ولا يصل إلى رام الله !!
لا يُهدى بل يهدى إلى شراك بطعم من عشبة الخلود.
كالهواء ليس من صفاته الفناء. لا يفنى من كان العطرُ أناملَهُ وقليل من غناء.