
الرئيسية مقالات زيارة الرياض بين ضعف البرتوكول ورسائل في طيات بيان الناطق الرسمي لمجلس الوزراء السعودي
زيارة الرياض بين ضعف البرتوكول ورسائل في طيات بيان الناطق الرسمي لمجلس الوزراء السعودي
مهدي داود الخليفة
في بيان الناطق الرسمي لمجلس الوزراء السعودي حول لقاء رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في مقر إقامته بالرياض، يمكن للمتابع المدقق أن يقرأ بين السطور ما يفوق النص الرسمي المُعلن. فالزيارة، بحسب المعطيات المتاحة، لم تكن مُدرجة في برنامج بروتوكولي مُعدّ سلفاً، إذ غاب عنها الإعلان عن جدول زمني محدد أو مراسم استقبال دبلوماسية تقليدية، على عكس ما اعتاد عليه المرء في زيارات رؤساء الوزراء السودانيين إلى دول الخليج. ولم تمر هذه الزيارة مرور الكرام، بل إن تفاصيلها—إضافة إلى صياغة البيان الرسمي نفسه—كشفت عن ثغرات واضحة في الأداء الدبلوماسي السوداني.
أول ما يلفت النظر هو أن الزيارة لم تكن مبرمجة وفق الأعراف الدبلوماسية المعروفة، إذ لم يسبقها إعداد رسمي من جانب الحكومة السودانية أو سفارتها في الرياض. من المألوف أن يُستقبل رؤساء وزراء السودان في دول الخليج استقبالاً يليق برمزية السودان التاريخية ومكانة أبنائه الذين أسهموا في نهضة هذه البلدان، غير أن ما حدث هذه المرة بدا أقرب إلى لقاء عابر فرضته الظروف، لا إلى زيارة بروتوكولية متكاملة.
هذا الخلل لا يقع على عاتق الطرف السعودي بقدر ما يعكس ضعف الحكومة السودانية وسفارتها، التي قصرت في القيام بواجبها في تنسيق وترتيب الزيارة. فالدبلوماسية ليست مجرد لقاءات، بل منظومة متكاملة من الإعداد والبروتوكول الذي يكرّس هيبة الدولة ويحمي صورتها.
تزامنت هذه الزيارة مع ارتباك واضح في خطاب وزارة الخارجية السودانية، التي أصدرت بياناً انتقادياً لمخرجات بيان “الرباعية” (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) قبل أن تسحبه سريعاً. هذه الحادثة أكدت مرة أخرى أن الحكومة السودانية تفتقر إلى وضوح الرؤية وتماسك الرسائل، وأنها تُدار بردود أفعال متسرعة أكثر مما تُدار باستراتيجية دبلوماسية متماسكة.
ولعل هذا الارتباك أنعكس علي الموقف السعودي الذي بدأ اكثر تحفظا و قلل من اهمية اللقاء.
رغم ذلك، لا يمكن إنكار أن البيان الصادر عن مجلس الوزراء أظهر جانباً إيجابياً تمثل في التأكيد على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، والإعلان عن إعادة جدولة زيارة رسمية لرئيس الوزراء السوداني. لكن ذلك جاء في سياق رمزي أكثر من كونه خطوة عملية.
على الحكومة السودانية أن تتذكر أن دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، لطالما مدت يد العون في اللحظات الحرجة، سواء في الدعم الاقتصادي أو الإغاثي أو في احتضان مئات الآلاف من السودانيين الذين فروا اليها من ويلات الحرب في السودان.
المطلوب اليوم أن تتحرر الحكومة السودانية من ارتباكها، وأن تدرك أن العلاقات مع السعودية ودول الخليج ليست مجالاً للاجتهاد العشوائي. المطلوب سفارات فاعلة تواكب المعايير الدبلوماسية، وخطاب رسمي منضبط يعكس جدية الدولة لا ارتباكها. أما ترك الأمور للصدف والمفاجآت، فهو ما يضعف صورة السودان ويعطي انطباعات سلبية في لحظة سياسية لا تحتمل الهشاشة.
إن ضعف البروتوكول، والارتباك في الخطاب الدبلوماسي، وسحب بيانات متسرعة بعد نشرها، كلها مؤشرات على أزمة إدارة داخلية أكثر من كونها أزمة علاقات خارجية. ورغم مكانة السودان التاريخية عند أشقائه في الخليج، فإن استمرار هذا النمط قد يضعف الثقة والرصيد المتراكم عبر عقود. ومن هنا، فإن تصحيح المسار يبدأ من الخرطوم قبل أن يُنتظر من الرياض أو غيرها.
إن العلاقات بين السودان والمملكة العربية السعودية، تقوم على وشائج تاريخية وروابط أخوية لا تنكسر بظرف عابر. وفي الوقت الذي يحتاج فيه السودان أكثر من أي وقت مضى إلى دعم إقليمي ودولي، تبقى المملكة ودول الخليج ركيزة أساسية في أي جهد لإخراجه من محنته، وهو ما يوجب على القيادة السودانية التعامل مع هذه العلاقات بما يليق بعمقها الاستراتيجي ورمزيتها العربية والإسلامية.