
زيارة د. كامل للسعودية.. لم تبق مزعة لحم لهم
صلاح شعيب
ما واجهه د. كامل إدريس في السعودية ليس إساءة فقط لشخصه، أو حكومته، وإنما لسائر شعبه الذي منحه الأمل الأخضر. ولو أنه من الصحيح أن الإدارة السعودية لم تقصد مباشرةً شملنا بإساءة هذا الاستقبال الفاتر، ولكن يحس المرء فينا أنه لم تبق مزعة لحم أمام سلطة بورتسودان المركزية، وهي امتداد لحكم الإسلاميين لتقيها من شر ما خلق العالم من استهزاء بها.
لقد تركز الهجوم، والسخرية، والاستهزاء، بالدور الذي ارتضاه د. كامل منذ تعيينه، سواءً من معارضي بورتسودان أو بعضاً من مؤيديها. ولكن كما يقول أهلنا، وآخرون: لا تطعن الفيل في ظله. دلالة هذا المثل أننا لا يمكن أن نسخر من كامل، أو قومه، دون مناقشة الأسباب، والظروف، التي أتت به ليمثل بنا، ويمثل لنا أمام الكاميرا، غارساً – مرة – فصيلةً من الجهنمية في أرض الخرطوم. وفي مرة أخرى تجده ينجز ما لم يأت به السابقون، موزعاً كيساً في متنه خمس رغيفات لا يقمن صلب جائع أمدرماني، ومرات لحظته زائراً صالون فنان هو ضد سلطته بما دلت أغنياته مثل “اضحكي”. وهكذا فقائمة التمثيل الكميالية ثرية بغسل صورة التزوير الدولي.
وبهذا المستوى وجد كامل نفسه أدعى ليكون الأراجوز الاقحواني لسلطة ماكرة أكثر منه إلى رئيس وزراء يستحق احتراماً من المملكة، والتي فيها وجد رئيس وزراء باكستان احتفاءً كبيراً في ذات اللحظة التي حط فيه طائره الميمون قادماً من إسلام أباد.
لم يشفع لنا أن دماءً غزيرةً لشبابنا خلقت لوحات سيريالية في شعاب جبال تعز، والمكلة، حتى تجد حكومتنا احتراما تستحقه، لو آمنا بما تقول إنها تعبر عن سوادنا الأعظم. والتعليل أن ما قدمه السودان لعاصفة الحزم لم تفعله باكستان التي سحبت جنودها، وتركت أولادنا للموت بعلم المملكة، وحصدت مادياً أكثر مما حصدنا من هذا الارتزاق الذي لا شك فيه.
إنها ليست ازمة كامل فحسب، وإنما أيضاً أزمة مجتمع رهن إرادته لفئة عديمة الأخلاق، والكياسة، والعنف، لتتسيد علينا بسلسلة من الاستبدادات التي خلقت هذا الذهن المشوه لداعمي سلطة بورتسودان تواً.
ما قبل د. كامل كان البشير يتمهذل في دول الإمارات، وقطر، والسعودية، التي تخترق البرتكول احتقاراً على وضح النهار. ذلك لدرجة أن مسؤولاً إماراتياً من الدرجة الثالثة تباحث معه رسمياً في حضور طفله الذي كان يتلاعب أمام الصورة الصحفية المسربة بالريموت كنترول.
قد لا يأبه مسؤولو بورتسودان بما تعرض له كامل الذي اتضح انه ليس مؤهلاً لتمثيلها في القمم العربية، والإسلامية من زاوية ان تعيينه تم لرد الأمر للمدنيين . فهؤلاء المسؤولون دخلوا حلبة السياسة بلا ورع، أو أخلاق، ولا تهمهم إساءة صورة البلاد بقدر اهتمامهم بحصد فرص النفوذ، والثروة، والسلطة. ولكننا رغم الاختلاف السياسي لا نتمنى أن يهان سودانيا واحداً لم يجرم ناهيك عن الذي صُدر إلى شعب السودان بأنه سيخرجهم من ظلمات الحرب إلى إشراق السلام بعد هزيمة الجنجويد.
أما ما قبل الرياض فقد زار د. كامل مصر في مهمة دبلوماسية صورية انتهت بمختطفات خبرية لم تغير في أمر “العلاقة الأزلية” شيئاً. ذلك لأن مصر تدرك أنه يأتي إليها خالي الوفاض لتجميل صورته أكثر من خدمة الشعبين. فلا هو يملك تاثيراً في القرار السياسي السوداني – مثل الجيش، والبراءيين – ولا هو أصلا مؤهل لأداء مهمة تدعيم هذه العلاقات في اتجاهات التطور الثنائي.
وفقاً لما قلنا قبلاً، د. كامل حسبه أن يقضي أجله المفوض في المهمة ليدخل التاريخ مثله مثل الإمام الراحل، على أن تُعلق صوره في المستقبل بجانب رؤساء الوزارة السابقين. ومنهم زعماء حازوا عليها بالتعيين، والانتخاب، وسواء مرمطوا به سمعة البلاد أو نجح لاحقاً خلاف توقعاتنا فإن هذا التاريخ سيلازم أحفاده، ويربطهم بمجد تليد لجد نزاع إلى رغد الحياة إن نجح، أو أخفق.
ولكن حسب الشعب السوداني – صاحب الكرامة، والدم الحار، والرافض للضيم، كما نقول – هو أن يصبر حتى يخرج من بين أبنائه رؤساء وزراء يجدون الاحترام، ويقدمونهم عربياً دون كل الوزراء العرب ليلقي فينا إنجليزي اسود جديد كلمتهم في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة – مرة أخرى – كما فعل المحجوب.
بخلاف ما تقدم فإن قصة د. كامل تصلح لرواية عنوانها “البعام”، وهو عند العازفين، والفنانين، ذلك الذي يخدم الجوقة لينال حضوره وسطهم لا غير. والحال كذلك فإنه يتوجب على الرواية أن تتضمن فصولاً من الحرص على تصدير الأمل للسودانيين مقروناً برمزية البدلة البنفسجية الغامقة.