‫الرئيسية‬ مقالات الطبيعة البنيوية لتناسل خطاب حرب أبريل 2023: انشطار رأسَيْ الإله “جانيوس” “الفلولي” و”الجنجويدي” وبقاء الجسد كما هو !
مقالات - 6 مايو 2025, 3:25

الطبيعة البنيوية لتناسل خطاب حرب أبريل 2023: انشطار رأسَيْ الإله “جانيوس” “الفلولي” و”الجنجويدي” وبقاء الجسد كما هو !

صلاح الزين

كما البشر، ولأنهم روافِعُهُ وسقالاتُهُ، يوجَد الخطاب، أياً كان نوعه، جوارَ خطابات أخرى، سابقة ولاحقة. الخطاب دوماً معني بالتالي، القادم والمحايث، لا الماثل والهناك. إذ إنه تبدٍ وتمثُّلٍ سيروري غير معنيٍّ بما صار واستقر. فالأخير دوما هو حاضر بعباءة ماض لا يمضي وحاضرٍ بغير قَدمٍ ونعال. فيه من صفات الإله وحدانية الجوهر والمقدس. لا يخطو، فقط يكتفي بالنظر فوق كتفيه ولا يرى أبعد منهما.

ولأنه، أعني الخطاب، ليس فيه مزعة من وجه الإله وصِفاته، فهو مرهق بالسيرورة التي لا تسلِّم عنقها للنحر والفناء حتى يصير ويستقر تحت شجرةٍ لا تَرى في التاريخ غير ماضٍ كان واندثر لا ماضٍ يحضر بثياب المستقبل وفوح عطره. هكذا أوجَدَ الإله جانيوس نفسه برأسين: فلولي وجنجويدي. إنْ انحتف أحد الرأسَيْن يُنبِتُ الرأس الآخر ما يعين الإله أن يكُون إلهاً كامل الربوبية، سرمدي يستل ديمومته من لعابه وما تعفن من جنباته.

للخطاب صنارة خطابية تصطاد ما يجاورها من خطابات حولها لها ذات الدم والميسم الطبقي والثقافي وقرابة حتى في النَسَب النصوصي إنْ كان دِيناً أو ما تقوله الحكامات وأهازيج الرعاة والقوافل. وإنْ عَدِمَت، وحتى لا تنكشف عورة التاريخ، يَستلُّ الخطاب من ضلعه ما يعينه على الخطو والتمدد. هكذا استلَّ الخطاب الفلولي من جنباته المتعفنة طرفاً جنجويديًا ببندقية تستأجر ما يسنده في صد ما يتربص به، إنْ كان شعاراً، حرباً أو حلماً مغايراً لا يتوسَّد مخدة ذات الخطاب.
فكانت حرب أبريل 2023 حتم ضرورة اقتضت إلتقاء الرأسَيْن للجم الاحتمال الديسمبري (انتفاضة ديسمبر 2018) ووعوده.

والخطاب بطبيعته البنيوية لا يكف عن إعادة إنتاج نفسه إنْ كان بتوسيع أطرافه أو استقطاب ما يجاوره من خطابات تمده بأدوات السيطرة والاشتغال الخطابي. تتبادل مستويات بنية الخطاب مواقعها من غير الخروج عن سلطة بنية الخطاب وإنْ اقتضت الضرورة البنيوية أن تخرج بعض المستويات عن مدارها في بنية الخطاب لتؤسس خطابًا موازيًا تتقاطع مصالحُهُ مع ذات الخطاب لتأبيد سلطة فضائه الخطابي وروافعه الطبقية والسياسية والفكرية.

بهذه العين والمرتكز المنهجي يسهل مقاربة تناسلات خطاب حرب أبريل 2023 وهي تنتقل من مستوىً إلى آخر داخل بنية الخطاب: تَستلُّ وتَستحدِثُ كل ما من شأنه أن يجدِّد فتوة الخطاب وسلطته. أُلقيَتْ مرساة النظر إلى حرب أبريل كحربٍ بين رأسَيْ الإله جانيوس، الفلولي والجنجويدي، ومكَثَت هناك، هناك في شاطئِ غفلتِها ذاك من غير أن توسع النظر لترى إلى ماء الخطاب مثله ومثل ما للماء من تماثلٍ وانعدامِ طعمٍ.

عَمَّرَ الخطاب واستنفع في رؤيته المفارقة تلك ليرى ويكون شهودًا على ميلاد خطابات أخرى، تتقاطع ولا تتوازى، من بنيته التي تضيق وتختنق بتناقضاتها من غير أن تخلع عباءة الخطاب، خطاب حرب أبريل، وفضاء سلطته اللازم لبنيوية طبيعة الخطاب عبر كل انتقالاته، جغرافيةً ونَصاً، شخوصاً وهياكل وما يراه من ابتداعِ تحالفاتٍ لا تخرج عن سلطة خطاب الحرب في الماثل والمنظور.

تكاثرت الذُرِّيّة، وككل ذُرِّية، تغايرت المسميات من غير أنْ تبارح شجرة نَسَب الجد وحِمضِهِ النووي DNA: الحرية والتغيير (قحت)، المجلس المركزي، الإطاري، تقدُّم، وصولاً إلى شرفة وعرش ذات الإله جانيوس برأسَيْن واِسمين: “قمم/تأسيس” و”صمود”. والدم ذات الدم إذ للخطاب من مهارات تُمكِّنُهُ من قنص شعاع!! يستبدل نَعلَهُ إنْ بُلِيَتْ، يستل قَدَماً إنْ وهُنَت إحدى قدميه، يبدّل عطرَهُ وزيَهُ، من غير الخروج من جلباب الخطاب وخيوط منشأِهِ: حتى رسى عند بحيرة ما أسميته في كتابات سابقة بـ”التغريبة النيروبية” المعقودة حبالها على أشرعة مركب أوديسة جديد بمسمى “تأسيس” تعد بتأسيس مجرىً لنهرٍ بماءٍ يوازي مجرى وماء رأس جانيوس الفلولي. إنها حيَلُ الخطاب ومهاراته التي يتقاصر حتى جانيوس وعرش ربوبيته عن إدراكها وتمثُّلِها!!

من طبيعة الخطاب، أي خطاب، وكما ذُكِر عاليه، أن لا تَبقَى أطرافُهُ أطرافًا بغير طموحٍ ونزوعٍ نحو استقلاليةٍ لا تَهدم أو تَجرف بنيوية تماسك ذات الخطاب وإنْ انزاحت نحو حيزٍ آخر فيما يملكه الخطاب من فضاءات ومسارات وتحالفاتٍ بآجالٍ معلومة ومردوداتٍ محسوبة.

هكذا كان ميلاد “التغريبة النيروبية” بإعلان “تأسيس/قمم” هو هو شهادة ميلاد الرأس الجنجويدي للإله جانيوس للبحث عن مملكة ربوبيته الخاصة بعيداً عن توأمه الفلولي. فالآلهة، كما نِصفَيْ البرتقالة، تنشطرُ لكنها لا تتخاصم، تتفارق وتتنازع من غير تفريط في ثدي رضاعتها وعسل الحليب، تُولّي ظهرها للآخر ولا تنسى حبل المشيمة الطبقي الملفوف حول وسطها وخاصرة الروح، الاحتياز على السلطة والموارد إسفنجة حنينها التي لا تنضب ولا تجف. بل حتى يمكن القول إنّ انشطار “تقدُّم” إلى “صمود” و”قمم” ما هو إلا انشطار ذات الإله إلى نصفين بينهما ما بين البلولة والبذرة من الطين وغموض أسراره. والسِرِّي في ذاك الغموض ما قالت به “صمود” في قولها بحقِ “قمم” أنْ تختار دربها وما تراه من وسائل من غير اختلاف في الأهداف. بقول آخر، لتذهب “قمم” وتَعلن “تأسيس” لتأسيس حكومة موازية والتي هي هي ذات الهدف الذي نسعى إليه ونعضده بالصمت والقول الذي لا يقول وإنْ قالَ وصرّحَ، فقط نُسلِّفهم لسان صمْتِنا ليقولوا قولنا، همساً أو زعيقاً!! مجرد انقسام أميبي لا يفتك بجسد حامله.

هكذا هي طبيعة الإله جانيوس الذي لا يحيد عن رفقة الآلهة وسمَرِها وغزارة منجمها من الأسماء: خلَعَ مسمى “قمم/تأسيس” على رأس الإله الجنجويدي من غير تغيير جسم الإله وقوامه إذ ماذا يضير الآلهة إنْ تسَمَّتْ بمسمىً آخر وهي جالسة على ذات عرش ربوبيتها؟؟!!

تتعدد الرؤوس وتتغاير الأسماء وتُوُلَد التحالفات وتنفَضُّ لتغزل تحالفات أخرى ويبقى الإله جانيوس هو هو معقودةٌ سُرَّتُهُ بحبالِ مصالحٍ إقليمية ودولية، بدورها، مربوطة على أوتاد عولمة الرأسمال وفِخاخِهِ.

إنه ذاك الحبل السري بدِرْبَتِهِ ومهارته التي لا تَرى ضيرًا في أن تتغير الأسماء والمسميات وما تقتضيه من تحالفات من غير أن تخرج عن زريبة الخطاب وقوله لتقول ما لم يَهمِس به وصمَتَ عنه. ولَهُ من سعة الكتفين ووسعهما ما يُمكِّنه من هدهدة وحمل آخر ما رست عليه أوديسة المركب وهي تُلقي مرساتها وترخي ساريتها وأشرعتها وصولاً إلى شواطئ “التغريبة النيروبية” وما استجد من تحالفات لا تخرج عن تبديل وتغيير اقتضاه ما أصاب كتفَي وقدمَي جانيوس من رهقٍ ووهنٍ.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 3.6 / 5. Total : 7

كن أول من يقيم هذا المقال

تعليقان

  1. تتعدد الرؤوس وتتغاير الأسماء وتُوُلَد التحالفات وتنفَضُّ لتغزل تحالفات أخرى ويبقى الإله جانيوس هو هو معقودةٌ سُرَّتُهُ بحبالِ مصالحٍ إقليمية ودولية، بدورها، مربوطة على أوتاد عولمة الرأسمال وفِخاخِهِ.

    جميع الحقوق محفوظة لصحيفة مداميك، لقراءة المزيد قم بزيارة… https://www.medameek.com/?p=174126 .

  2. هناك في شاطئِ غفلتِها ذاك من غير أن توسع النظر لترى إلى ماء الخطاب مثله ومثل ما للماء من تماثلٍ وانعدامِ طعمٍ.

‫التعليقات مغلقة.‬