(الحرب تبحث عن نصفها) نص شعري لصلاح الزين

شعر: صلاح الزين

أجلس، هكذا، مكوماً قبالة لا شيء
أتأمل نفسي
كما عشبة يسقيها السراب
أُحصي أنفاسي
وما يعبُرَ خاطري من ذباب
أمسحُ نظارتي لأَرى ما لا أرى
فأرى

بصبرِ غرابٍ غيور أُنحِّي ذكرى عابرة
لأرى ما لا يُرى
بكأسٍ من نبيذٍ فاترٍ أَغسِلُ أنفاسي
من نَمَشِ قُبلةٍ عابرة
حتى أرى

أغلقُ هاتفي لأسمع هسيس عظامي
وما يقولَهُ صمْتُ المرايا
عطرُ ملابسي
شجارُ النَمْلِ
فأرى ما لا يُرى
أرى نحلةً تفضُّ بكارة زهرة
والبستاني قد سهى
أقذِفُ بصنارةِ يومي، وقد علاها الصدأ،
لأغسلُ عورةَ شرشفٍ غفا من غير بيجاما
فأصطادُ مهرةً وصهيل، سرجاً ورسناً، أوتاداً وحبالاً وحقلاً كرضيع أضاع فطنة الرضاع والمنام

جانباً أُزيحُ مخدة الظهيرة لأسندَ قيلولة الصلوات
فيشكرني الإله
ويمسح جبيني
برغوةٍ من سحاب
عـلِّي أرى ما لا يُرى
فأرى حرباً وخوذاتٍ
وجنوداً يوزعون أشلاء السماء طعاماً للحمام
فيتساقط عش الهديل، كلاماً يتعثر وينظم حروفَهُ لثغةً تموت عند عتبة خروجها
فلا تقول،
لغةً يصوِّحها خادِمُها والقصيد،
حانةً تدخِّن روادَها، تبْذِلُ مفاتنها على قارعة الطريق
فينسهك الطريق،
امرأةً ترفو المرايا لتمشِّط خصلةَ أرقِها،
تنضو عنها قطراناً وليلاً مقيم،
محترفي أوشامٍ عاطلين
سنابكَ تجرُّ البحرَ نحو بحر السديم
شرفاتٍ تبحث عن مقيل
فالحرب بذرةٌ بأنفٍ من طين تبدو ولا تكون،
كرةُ ضوء وحاسةٌ بلا جوارب في الشتاء،
تُمدِّد رجليها كما تشاء،
تبصقُ حُلمَها فوق غربال النعاس وتصحو،
تهمزُ خاصرةَ الصباح ليفيق،
يتحسس جنباته وطفولة النهار

الحربُ تميمةٌ مدفونةٌ تحت شجرة الأرض
خطيئةُ الأبجدية وميلاد الكلام
صافرةٌ ترعى أيتام إبليس وقلقَ الوجود
قاطرةٌ بخطوطٍ مصكوكةٍ من هواء
نُدبةٌ أسفل القلب
حزنٌ بلا مُعزِّين
طفلةُ ريحٍ أضاعت نَسَبَها والطريق
لغةٌ تبحث عن عشيق
حَبَبُ كأسٍ يبحث عن وتر وصحاب
أبخرةُ حساءٍ بلا ملح وبهار
ذائقةٌ مبتورةُ اللسان
سيدةٌ تبطئ خطوها نحو الأربعين ورابعة النهار
قيلولةُ ظهيرةٍ بأرجلٍ من أرقٍ ونعال

الحربُ تخلعُ ثوبَها
تعفِّر زينتها
تغسِلُ كحلَ عينيها
شبقَ شفتيها
وتعصرُ حليبَ ثدييها
فوق إناء النهار
تحجلُ كغزالٍ بلا وسامةٍ وغدير
تبدو إذ تكون
برتقالة نصفها يبحث عن نصفه الآخر حتى تكون
فأَغلقُ شقاقَ البابَ حتى لا أرى ما أرى..
فلا أكون