‫الرئيسية‬ مفكرة الحرب في أن تكون “أخو مسلم” أو في الإنمساخ
مفكرة الحرب - 22 أكتوبر 2024, 13:29

في أن تكون “أخو مسلم” أو في الإنمساخ

صلاح الزين

( الي ايهاب خيري و ذاك الزمن !! )

هو الذهاب عكس الخطاب، خطاب البِنْية الشخصي أيضاً، بمعنى خَلْع الخطاب بسبب شدة البصيرة والبلادة. انخلاعٌ هو ومعاكسةُ الصهيل بإخصاء الحقول.
وأنت حرٌ في الجلوس على الشرفة أو الانكسار في السهوم. ولك، أيضاً، أن تختار ما بين حرق اللفافة أو أصابعك، فالتاريخ رمادٌ نَذْروهُ في صمت المسافة ونذهب لننام على نهايات الخطاب والشرود الجميل.

أنْ تكون إسلامانياً/إسلاموياً هو هو الركض في مفازات الرغائب المغموسة في اللذةالسادية وحَوَل الانتعاظ.
أن لا تَرى من الطريق إلا ما هو قبل الطريق، فتُقاتِل الما-قبلات وتسرق فحيح الأرض والبذار من سرير الماء.
هو أنْ لا ترى من الإنسان إلا المتعفِّن الصدئ فتراهن على انتضاء الخطاب في بَريةٍ تُصادِي العفن، وأتفه في أن تكون، وأتفه تخطيب هذا التكَوُّن المستقِر.

إنجازيٌّ هذا الإسلاماني ومخبول. لا يَرى من الصخرة إلا ما أنجزَتَهُ سنواتُ المد والجزر البحري، وذهب البحر يجلس على شاطئه بسببٍ من تعبِهِ من مدٍ وجزرٍ بدونهما لا يكون، لا مكان للمراوغة واختلاف الذهاب، لا مكان للشرود، والمجد للبلاغة، بلاغة الصمت والوثن. خارج رنين البلاغة إذن أنت خلافيٌّ، خليع، كافر، ووجهك لوحةٌ تُثير شهوة الاغتيال.

فاشيست هذا الإسلامي وأحْوَل. أنْ اختلف معك هو أن أحبك أكثر، هذا ما لا يفهمه ذاك الإسلاماني، فذاكرته مؤسسةٌ على كسلِ التشابه واستحالة تمييز الماء عن الماء، لكنه يميز أكثر بين ماء الحياة ومَخْرِ عباب هذا الماء بإبحار الموت فيه.
ولأنه لا يَرى من الصخرة إلا الصخرة يعجل بالإبحار نحو تصخُّر الإنجاز وصخريته.

فاشستي هذا الكائن ومُثْمَلٌ بالانتعاظ في غياب الجسد. أقول الجسد؟ حسناً، جسد الجسد، جسد الكتابة، جسد الغروب، تاريخ الجسد وجسد التاريخ، جسدٌ إذن، جسدٌ يذهب في أسطورته حدَّ اِنثيال الآلهة من مسامِه والصعود على الأولمب ونذْرِ العمر للتموقع في فضاء الرؤية، رؤية الجسد والنوم في منتصف الإستاطيقا.

وبعضٌ من الآلهة شرير أيضاً، ولا يَرى من السفوح إلا السفوح. يعشق هذا الإسلاماني، هذا الكائنُ العجيب، الجلوسَ على حد الجرح وجرح الحد حتى تتعدد الحدود، حدود الجروح، فيتعدد كائناتٍ كائناتٍ تُوَسِّعُ جروح إستاطيقا الجسد وجسد الإستاطيقا. قبيحٌ هو هذا الكائن ومرهَقٌ بذهاب الجمال من جنَباته.

للإسلاماني، كائِنُنا الغروتسكي، شبَقٌ يُشظِّي موضوعَهُ حدَّ موتِ الموضوع. بالمالِ شبِقٌ، بالسلطة شبِقٌ، ويُجاهد أن يؤسس خطاباً للشبق فينشَبِقُ الخطاب. ماذا تفعل به، تُرى؟؟ بالأحرى، هو ماذا يفعل بك أنت الذي يسطو على فروقات الخطاب ويفضح سرية ذاك الشبق وبنية خطابه؟؟

لا شيء يَفعل بك بما أنك كائنٌ آخر اِنتخبَ أمكنتَهُ خارج سرية الخطاب وانْتذَرَ للوضوح، لا الأمام أمامك ولا الوراء، أنت الواضح موضوع ذاك الواضح الغامض، موضوع للشبق أنت. يكمل نسفك استدارة القرش وخشخشة تراكم الدولار على الدولار فتعيد صياغة هذا الفحيح والنسغ الذاهب في رحلة تنقِيدِهِ وتَتْجيرِهِ.
خطابٌ يموضِعُ تمايزَ الجليد والشموس.

ولأنه وَحدانيٌّ في شبَقِهِ، كائِنُنا هذا لا يفهم ضرورة الثنائية تلك، مدهش هذا الكائن، و”ترانس ناشونالي”، أي فوق حدودي. يذهب بشبَقِهِ البليد المحمول على سِرِّية الخطاب إلى العروش والقصور والخوذات. هناك يجلس ويُرِيحُ مؤخرته من تعب البلادة، فيتهافت أكثر لعجزه عن القبض في السِرِّي في هذه الرحلة، أعني رِحْمية القرش.

عَماءٌ عماء، انسدادٌ انسداد وجنونٌ يجن بجنونه، يزيح كائننا فضاء الجنون هذا ويعجَزُ عن إزاحة جنون السؤال. لا يُرتجّ عليه ولا يعتكر، هذا الترانسدنتالي، واليعرف أنه دَبِقٌ وعَطِنٌ أكثر بنهايات شهيق التاريخ فيذهب في تواريخَ مصابةٍ بداء الحبسة، وهناك يقبُع.

كيف العثور على هذا العاشق، الساكن خارج أمكنة وأزمنة تشع بضوء السؤال. يسعلُ من قَبعِهِ هناك. يسعل، ويأتينا مسلولاً.
يأتي هذا الكائن، مسلولاً بمرض البلاغة، الفصاحة، تعدد المؤتمرات، أنيميا الجمال، عارياً يركض في جنبات جنونه، لا نقابة تستر أعلى الجسم، لا صحيفة تغطي العورات فيه، ولا برلمان تورِف جنباته وترفل في شساعة التعدد.

ديمقراطيٌّ جداً يأتينا إذن هذا الكائن الذي يحيِّرنا ويغتالنا تحت ضوء القمر، فهو لا يعرف لوركا، ولا ما انسبلت عليه عينا (علي فضل) في اغتياله الذي أسس لجماليات الموت وفواتح النشيد. وبما أنه كائن ائتلاقي، واحدٌ أحد، يُقِيمُ ضرورات وجوده في تماهي الإيدولوجيا والأنطولوجيا وإيدو-إنطولوجي التماهي.

هو الخارج والداخل في الوقت نفسه، هو هنا وهناك، أيضاً خارج النص هو وداخله، هو النشيد والحنجرة والشاعر وصخب المنبر أيضاً، هو هو، جوهراني، جوهر يتجوهر، الصائر والصيرورة هو، الكائن المتكوِّن أو المتكوِّن الكائن، هو ما كان وما سيكون، الفراشةُ والوردة، سياميُّ الموقف والسؤالات، بدايةُ النشيد وخِتامه، الشُرفةُ هو وغابات النخيل، هو أنت وأنت هو، هو عجيب، مُحيِّر، مخاتلٌ وله مقدرة تعدُّدِ التواجد حتى في سحر البياض.
تُرى، ما مصيرك لو حاولت أن تكون هامشاً لهذا النَص أو حواشياً لذاك الكائن؟ كافرٌ وداعرٌ أنت، خليعٌ، مُشرِكٌ وتزرع الشيطان في حقول الرحلة للصلاة.

لا عليك، سنهديك وردةً للصمت، ميتاً أو حياً لا فرق.

من رحلة الكذب ورائحة الدم اِنبنى كائِنُنا اللغزي هذا، هذا الذي يُحيُّرنا. على الشمس يكذب، على الناس يكذب، على الكذب يكذب فيتعب الكذب من كذبه. فلماذا يمط حبل الكذب المنبني على قِصَرٍ له؟ هو يكذب لاستحالة أن لا يكذب. يستوجب الكذب والكذب يستوجبه، متلازمان هُما ولا انفكاك لأحدهما من الآخر، جليدٌ وسطحٌ صخري هو والكذب. ببساطة لأنه إحدى كذبات التاريخ التي استقامت حقيقةً في وعيٍ ينهض وينبني على استحالة أن يكون الحقيقي حقيقياً.
لذا، هو وعي الوعي المزيف مُزيَفاً، المنقوش على جدار إيديولوجيا انحسر ظلها بسببٍ من تعامد شمس التاريخ الذاهب لما يحققه تاريخياً في إيديولوجيا هي هي الوعي بزيف إيديولوجيا الوعي.

أزْمِيٌّ هذا الفكر مختلِجٌ بخروج الروح من الجسد ودخول الجسد في الروح. هو فكرُ مَن لا روحَ له ومَن يستمرئ خواء الروح هذا. فاشستي، ظلامي، مستبد، قروسطي وبليد أيضاً، لكنه، بما هو كذلك، لا يعقِل هذا، فبلاغته الفاسدة والمزنَّرة بإبدالات هي هي الدوران في المكان خارج زمان المكان. كأن يقول هذا الفكر “الريتوريكي” البلاغي المشحوب بغياب الراهن. أقول: أن يقول بالفجوة لا المجاعة. والغريب، الغريب جداً أنه يطالبنا ويطالب العالم أن نصدق هذا الإبدال، هو الفكر السعيد بامتياز، السعيد بتشاكل السيميولوجيا وإبلاغية الخطاب. له الفصاحة، والبداهة، وله التناضد وتعب انتظار الذهاب في ذهاب الفكر ومحموله وحامله.

مرعِبٌ هذا الكائن الذي نرى ولا نرى؟ يتكوكب كائنُنا في اِنبناءٍ تنظيمِيٍّ له انضباط الفاشيست وانفلاشهم، أو قل، إنْ شئت، تنظيمه هو هو إشاعة بلاهة القطيع فيه، الأرضيُّ فيه منفِيٌ، السماويُّ فيه حاضر. تعفير السؤال فيه بغبار التاريخ والمعيش مطرود من البقاء.

نصاعة السؤال المقدود من زرقة السماء والشعاع فيه حاضرٌ ملئ بالحضور فلا سؤال ولا سائل، لا ديكارت ولا ناظم حكمت، فقد سُئلَ السؤال ومنذ الأزل كان الجوابْ، جوابٌ أبديٌّ يقتل أبدية السؤال، لا مكانَ لسؤالٍ في صيرورة الإجابة أبداً سرمدياً، حُبِّرت الصحف وتلاشى البياض وانغلق الغلافُ على الغلافِ: فمن أين لك أيها السائل الغبي بمساحةِ قليلِ بياضٍ يُغري بتطريزه بالسؤال؟ لا سؤال بعد أن نَفى السؤال-الأب كل احتمالات السؤال، مدى للإجابة والإجابة، عمَّ  تبحث؟

عمًّ تبحث إذن؟ أبحث عن أكون شاةً في قطيع، هناك، اِذهب، إذن، لا ديكارت يصطحبك ولا المعرِّي ينحت معرفة البوطيقا فيك، بلا سؤالٍ اِذهب، عارياً من تقطيبة الوجه في صهد الحقول الشراقي، اِذهب وكن هذا الكائن الذي يحيرنا.
الطاعةُ مفتاح الجنان، طاعةُ الطاعةِ مفتاحُ الخلود، طاعةُ القائدِ تقْرَبُ من أن تكون مقاماً ربوبيًّا. ماذا ترى لو دَلَقَ التاريخ سطلَ ماءٍ بارد على هذا الجرح المتعفن؟ ماذا لو تَسيَّدَ الوعيُ على الوعيِ الغريزي في هذا القطيع ورَشَقَ مفاصلَهُ بما يعيد حرارة الركض فيه خروجاً من القطيع؟

هو الواحد، الواحد المجبول على الانشطار إلى تعددٍ لا يكون إلا واحداً متعدداً، هو الخلوي المنقسم والمُرهَق بالانشطار، أصلٌ لا فرعَ له وفرعٌ لا أصل له. هو تشتُّتُ الأصل على الفروع وتضامُمُ الفروع لتصير أصلاً. أصلُ الفرع هو وفرعُ الأصل هو، ولكَ أن تذهب في فضاء التناسل هذا حتى حدود الوقوف على مكتبات بيولوجيا التناسل وبروفيسورات البايولوجيا.

ماذا تقول؟ ستقول إنه طفيلي. نعم، وأكثر، هو الطفيلي عندما يمتطي شهوةَ دولارٍ يتشظَّى بسببٍ من استحالة وجودِهِ دولاراً لا يتشظى.

حماسيٌّ مغوارٌ وعنيد كائنُنا هذا. عندما تنرَضُّ البِنْية وتنسربُ، كغزال بَرِّيٍّ، في منطق صيرورتِها بنيةٌ تاريخُها هو هو تاريخ تفككها المقروء بخطاب يتفكك. يُشظِّيها وتُشظِّيهِ، البنيةُ تلك، فيتفكك القول والخطاب وينزعُ نحو استحواذية تصطاد ما هو خارج خطاب التفكك حتى لو احتمى بسؤالٍ محددٍ بغياب الإجابة أو عُمْرٍ تطَرَّزَ وانجرح وتَطَلَّل (أي صار طللاً) برحيل الزمن والشهوة.

كضفدع، يَمُطُّ خطاب التفكك، خطابُ كائنِنا أعني، آليات الاقتناص، فيصطاد، بحنكةٍ يصطاد، يصطادُ الشيخَ والصبي، الشيخ المتوفر على أسبابِ ما يجعله قابلاً للاصطياد، طريدةً، غزالاً، بعد أن فشل في موضَعة المرآة لاصطياد صورة “رأس المال” وهو يصطاد ما يطرُد فيه آلية تراكم الدولار على الدولار، يستعلنه لصاً لا وطنَ له وكل الأوطان له، كَسَرَ المرايا وبقيت الصورة تنعى رحيل رائيها إلى خطاب التفكك. ويصطاد الصبي المفتون بسحر العلاقة بين المنبر والخطيب، الصبية والقصيدة واحتمالات العمر المشدودة على مقاعد الدرس والحلم المشروع.

هو خطاب يتفكك، يذهب في تفكُّكِهِ حد التماسك المخضوض لكنه لا يمل الاصطياد والاقتناص، مزيداً من المرايا والمرايا والضوء الجميل لاصطياد هذا الذي يصطادنا.

جدليٌّ جداً، كائنُنا هذا، وبما هو كذلك أيضاً يطردُ الشيخَ والصبي، يطرد الأول عندما يتفق معه على ضرورة صعود جبل عرفة ويختلف معه في توقيت المطر والحصاد.
هو لا يفهم، أعني كائننا هذا، أن بيروت احترقت بخطواتِ وتبختراتِ العاملين في شارع الحمراء.
والثاني، الصبي، أيضاً يطرده، عندما يقول بحقِهِ في الحوار وضرورة رجوع المعلم تلميذاً على مقاعد الدرس حتى تنكسر الرسالة والنبي على جرح البلادة والإقامة في الهواء.

بيننا وبين هذا الذي يحيرنا بوضوحه الغامض وغموضه الواضح، تاريخٌ نذهب به إلى البعيد، البعيد لنُجْلِسُهُ على سؤالٍ به نُذْهِبُ طَرْحَ السؤال فيه في صياغته الإسلامانية.
————-
هذه الكتابة مسلولة من ذاكرة الطالبات والطلاب السودانيين في مدينة الرباط/المغرب ومهداة لهم.
فقد كانت ندوة نظمَتْها الجبهة الديمقراطية للسودانيين في إحدى دور الحزب الشيوعي المغربي بمدينة الرباط، بمشاركة المرحوم محمد طه محمد أحمد، أحد ابرز قيادات الاخوان المسلمين، آنذاك، لدى زيارته للمغرب واستضافتِهِ من قِبَل السفارة السودانية هناك.

نُشِرت هذه الكتابة في العدد الأول من مجلة “كتابات سودانية” الصادرة عن مركز الدراسات السودانية في القاهرة (١٩٩٢) وكنت وقتها سكرتير تحرير المجلة التي كان دكتور حيدر إبراهيم رئيسا لها.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 3.7 / 5. Total : 7

كن أول من يقيم هذا المقال