‫الرئيسية‬ مقالات الحرية والتغيير: العجز البنيوي لقراءة خطاب الحرب
مقالات - 1 أبريل 2024, 18:41

الحرية والتغيير: العجز البنيوي لقراءة خطاب الحرب

صلاح الزين

ينهجِسُ خطابُ الحرية والتغيير بعطالةِ التمييز بين “الكيزان أو الفلول” من ناحية ومليشيا الجنجويد من الناحية الأخرى. فيَرَى -بسببٍ من تلك العطالة وعجزِ التمييز- إلى خطاب الحرب لا في كُليَّتِهِ بل في انشطاره كخطابٍ محمولٍ على سقالةٍ طبقية وفكرية خطابية وبنيوية يسنِدُ الأولُ رأسَ السقالة بينما الاخير أرجُلَها، ومن ثم غموض المحمول ومقابر الدفن !!
فكان ولادةُ تسميَةِ الحربِ بالعبثية من غير إدراك للعبث كفعل خَلّاق ومقصود مثلما في مسرح العبث والرواية !!

سقطَ خطابُ الحرية والتغيير في بئر العدم، عدم قراءة تماثل “الفلول والجنجويد” في اندراجِهما كخطابٍ واحدٍ ينهض على تبادل المواقع في ذات بنية الخطاب ورَضْعِ ذات الثدي !! فكانت القراءة -قراءة الحرية والتغيير- لخطاب الحرب هو العبث بينما الحربُ السيناريو والمُخرِج وجمهور الفرجة.

بسببِ تلك العطالة الفكرية ومن ثم عجز التحليل والمتاوقة غطّى خطابُ الحرية والتغيير عجزَهُ بثوب “فوبيا الكيزان” كما كتب صديقي معتصم الأقرع فبانت عورتان: عورةُ الفلول بمعزلٍ عن الجنجويد والعكس بالعكس مع ثبات لون وهيئة ذات الزي والسروال !!
إنه حوَلُ القراءة والرؤية والعياذ بالتاريخ و الله !!

يصبح منطقًا ونتيجةَ هذه الرؤية الضامرة التي ترى إلى الخطاب في انفلاقه إلى خطابين بحاضنتين، فكرية واقتصادية، أنْ ينخفض سقف الخطاب إلى مستوى أدنى به يكون خروج الجنجويد من بنية ذات الخطاب وتموقعه كخطاب موازٍ ونافٍ لخطاب الكيزان !!

وبذلك تتوزع الممارسة السياسية ونضالات السودانيين بين أن تكون ضد أو مع الجنجويد أو الكيزان في النظر إليهما كخصمين لا توأمين سياميين يلفهما ذات القمط ويرضعان من ذات الثدي !! فيكون انتصار “الفوبيا” على صحة الأطروحة التي ترى إليهما في وحدة الخطاب وتبادل المواقع في بنية الخطاب المسيطر لا الانشطار وقسمة الصكوك !!

خطاب الحرية والتغيير لا يرى وحدة خطاب الجنرالين لعجز في عقله القارئ والفاحص لجهله أو إغفاله بالتعالقات الخطابية بالمرتكزات الطبقية والفكرية لحاضنة الخطاب. ومن ثم يتماهى مع الخطاب الجنجويدي في تمييزه عن الخطاب الفلولي كخطابين بمشروعين وطنيين وتاريخيين لا تملك إلا الاصطفاف النظري والسياسي مع أحدهما حتى تكون في الموقع الصحيح للنظر لكيف يمضي التاريخ وسيروراته أسفل الشرفة !!

تأمُّلُ المشهد السياسي السوداني قبل وأثناء الحرب ينوَسِم بموران الكتابات والأطروحات التي تميّز بين خطابين: الحرية والتغيير والجنجويد في جانب والكيزان والفلول في الجانب الآخر. مشهدٌ يثير الشفقةَ في بُهُوتِهِ وهوان عقله.

عمدًا وبوعيٍ حصيف يتمُّ تغافل الوافد الجديد إلى خيمة الخطاب السياسي السوداني: لجان المقاومة كضيوف جدد على مائدة الخطاب المكرور منذ أبد دولة الاستقلال. اِنشغلَ الخطابُ المسيطر عنهم، فانشغلوا عنه بقراءة ما فيه من تلفٍ وانعطابٍ مديد. غرزوا خِيَمَ حلمهم وصبواتهم في شارع الله أكبر وجَمَّلوا الشارع بجَمالهم ودماء شبابهم حتى تكون صباحات حلمهم مثلما يريد التاريخ وعدالة الآلهة.

كان لهم سبقٌ تاريخي في فضاء الخطاب السياسي السوداني في تأسيس أطروحةٍ نظريةٍ وأدبٍ ومواثيق سياسية تضَمَّنها “الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب” كإنجيلٍ معنيٍّ بقضايا الأرض لا بما يتساقط من السماء.

كحتمِ ضرورةٍ جاءت الحربُ أو جِيءَ بها لقطعِ إكمالِ حُلم لجان المقاومة نحو وطن الحرية والسلام والعدالة كمقابلٍ وخِصمٍ تاريخيٍّ وأنطولوجيٍّ لخطاب الحرب وسقالاته الاقتصادية والفكرية وهويته الطبقية والاجتماعية.

ولضرورة استمرارية ذات الخطاب المسيطر بآلياته المعرفية والمفاهيمية حتى تكون الحرب حربًا على كل ما يمكن أن يحقق شعارات لجان المقاومة ومواثيق خطابها، أقول لا بد من استمرار نفس الجارقون jargon وفراغ القول الذي يحتفي بالإبلاغ والتوصيف فتنحجِب عنه رؤيةُ بنْيةِ الخطاب وأجهزته المعرفية والإبستيمية وتبادل المواقع في بنيته الطبقية والفكرية كوشْمٍ وتمييزٍ تاريخيٍّ بدونه استحالة أن يكون.

في هذا الفضاء والمدى المفتوح للأعداء والنسيان يُطرَّزُ المشهد، مشهدُ الحرب والفناء، بِدِينٍ جديدٍ قوامُهُ التخوين، أيًا كان، والذي هوَ هوَ جدارةُ العاطلِ في إعفاء نفسه من مسؤولية عطالته ومن ثم اللجوء إلى التجريب في السياسة عِوضًا عن التجريب في كتابة القصيدة ومسرح اللامعقول والعبث !!!

ولتمضي الجهالات المعرفية، بوعي أو بدونه، فستظل السياسة صراعًا حول المعاش وكبرياء الحلم والجمال.

وتبقى الحرب، من قبل وأثناء وبعد، حرب خطاباتٍ محمولةٍ على أكتافٍ فكرية وطبقية فيها يموِّهُ الخطابُ المسيطر هويتَهُ كحربٍ طرفاها الجنجويد من جانب مقابل الإسلاميين من الجانب الآخر. فيجدر بنا الرثاء على رؤية “الإطاريين” لعجزهم عن تمييز الغموض في عنفوان وضوحه !!

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 2.5 / 5. Total : 4

كن أول من يقيم هذا المقال

5 تعليقات

  1. مقال صلاح الزين متحامل شديد علي قحت. وتناسي اس البلاء والشر الا وهو الجيش المختطف من قبل الفلول والكيزان. ولم ترد ما يدعم ان قحت مصطفه مع الجنجويد. ولكن اختطاف الفلول والكيزان للجيش لا بحتاج لدليل وأصبح اكبر داجن ومفرح للمليشيات

  2. نوع الخطاب الذي لا يقول ، يرهق المتلقي لفك شفرته فضلا عن أنه خطاب نخبوي بالرغم من أن أكثر المتضررين من الحرب هم عامة الشعب.

‫التعليقات مغلقة.‬