
سفاهة الخطاب وعطالة السياسي.. السفيه والعاطل والحرب
صلاح الزين
السفاهة كفعلِ تعدٍ على ثبات اللون والمعنى، مطلق معنىً ومبنىً، المنقوع في التكرار والتماثل يُرتجَى سفيهُها بخيرٍ منه أكثر من العاطل: (أرجى سفيه وما ترجى عاطل). أفصَحَتْ حكمة الأهالي ولم تتعلم السياسة!
ولأنّ الخطاب هو مجموع تَمثُّلاتٍ وأشواقٍ اجتماعية بمفاصل طبقية وفكرية وجمالية حول ما يجب أن تكون عليه طرائق العيش والجمال وميلاد الحلم وحتفه، بناء القصيدة والمعمار، احتياز الله وظله وصولًا للمسموح به من العشق والنبيذ ومنابر الشيوخ والفتاوى، أقول، لكلِ خطابٍ سفاهته وسفهاؤه وعطالته والعاملون عليها.
ويستنقَع الخطاب ويغدو جذعًا برأسين: عاطل يتأمل عطالته ويفتتن بها، فيتعطّل، ويظل هناك، هناك كجرفٍ يتأمل نفسه ولا ينفك كذلك، وسفيه يغامر ولا ينفك كذلك من فرط لعنة السفاهة (السفيه يهمِّز أُمه) فتزداد سفاهته، وبين وَتَدَيْ السفاهة والعطالة ينشرُ الخطاب غسيلَهُ تحت حبال الشمس والهواء وأعين المارة.
وبحكم منطق بِنْيَتهِ، أعني بِنْية خطاب السفاهة، فقد تهزمه ذات السفاهة والسفهاء وتكون انتصارًا له في ذات الآن والمنحنى، إذ للخطاب مقدرة بنيوية لتبديل حوامله وروافعه: إنْ تعِبَتْ قدمٌ وانعطبت اِستَلَّ قدمًا أخرى بنجاعة نار المجوس!!
استطرادًا يتساوى ظِل كتفَي العاطل والسفيه تحت شمس ما بعد الظهيرة. فالاثنان، السفيه والعاطل، يختلفان ويتشاجران من غير أن يُفنِيا بعضهما (القرش الأبيض لليوم الأسود) فيكتمل قوس التفاهة ويعلو عزف كمنجاتها!! فالوتر للوتر رحمة وشفاء.
سفاهةُ الخطاب لها خاصية التمدد في المكان إنْ كان جغرافيا الداخل أو الخارج بما يسمح بتأبيد الخطاب وتوسيع دائرة نفوذه ومقبوليته التاريخية. ويمتلك الخطاب قدرات بنيوية إستراتيجية تُعينُهُ على تجاوز انسدادات سيرورته: فكانت انتقالاته من (قحت) المجلس المركزي إلى قحت الإطاري وصولًا إلى سدرة منتهاه قحت (تقدُّم) جارًّا من خلفِهِ مقطورةً تتمحور حول ذات الأطروحة السياسية وصبوات الحاضنة مع تبديلٍ في الأسماء ولون ربطات العنق وتغايرات النزوع والشبق السلطوي.
وفي انتقالاته تلك أيضًا تُبدِّلُ ذاكرةُ الخطاب مِعطفَها ولونَهُ فيكون الاتفاق السابق هو صفة ومدلول معنيٌّ فقط بتقادم الزمن وتتاليِهِ، لكل أولٍ ثانٍ ولكل ثانٍ ثالث يليه: قحت المركزي أنجبت قحت الإطاري لتنجب الأخيرة قحت (تقدُّم). تحوُّرٌ سُلالي من غير اختلافِ القول والممارسة التي غدت ممارسةً نَصيّةً تُعنَى بتبديل الوصف والمفردة والشخوص الجالسين حول مائدة النَص ومن ثم صيرورة الممارسة السياسية اشتغال على النَص/الاتفاق المكتوب لا على مآلاته السياسية المعنية بمعاش العباد وحلم الديسمبريين.
بالضبط مثلما كانت إستراتيجية نظام الإنقاذ في سعيها لمقاربة سؤال طروحات الهامش وحركاته المسلحة. فقد بلغت الاتفاقات حوالي ثمانية وأربعين اتفاقية بِلَوْحٍ نصيٍّ تتغاير فقط مفرداته وترتيب أولوياته والشخوص الممسكة بقلم الامضاء!! فكانت الخيبة خيبتان: لا أصبح صباح السودان على حلم الديسمبريين ولا تَوَفَّرْنا على قُرَّاءِ نصوصٍ يفضحون مسكوت النَص ومكرَهُ !!
لم يُبدِّل الخطاب معطفهُ الممدود من يد الخطاب السابق، خطاب الإنقاذيين، فكان ميلاد الشراكة، شراكة الدم، مع الخطاب الأخير: القفز فوق ذات النَص رجوعًا إليه. فأصبح الخطاب متلفعًا بمعطفٍ جديد بإبهامٍ مفضوحٍ أسماه محمد جلال هاشم بالكوزفوبيا !!
إنه مكر الخطاب في حالة صيرورته ما هو عليه وما كانه منذ البدء: جنجويد/كيزان. فقط اِلتحقَت بالخطاب رِجْلٌ وسِقالةٌ أخرى تُعِينُ في حَمْل ذات الخطاب بإضافة كتفٍ ورافع آخر لا يغيِّر من طبيعة المحمول شيئًا. فكانت قحت بتناسلاتها وتحوراتها، المذكورة آنفًا، تلك القدم وذاك الكتف.
خطاب واحد بثلاثة رؤوس لتكتمل أقصى مهارات الخطاب في التلوُّن ليرسو عند ضفة شاطئٍ وعتبة بوابة أصلاً لم يغادرها: الشراكة مرة أخرى!! ولنا في مكوكيات (تقدُّم) صحو للذاكرة وإبر لا توفِّر سباتها.
وقبلئذ وبعدئذ كانت حرب الخامس عشر من أبريل حتم ضرورة.
والحرب مرآة الخطاب وموشورُهُ، تعيد إنتاج ما هو ماثل وسائد من بنية تناقضات الدولة الكولونيالية في موازاة خطابٍ آخر يقول بعكس ذلك.
بنىً تتهالك وتندثر وأخرى تنهض من فوق ذات الركام حتى يكون حلم الديسمبريين وميثاقهم، (الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب)، جلوسًا حول موقدِ شاي صباحِ حلمهم.
التعليقات مغلقة.
تسلم يا أبو صلاح .. مقال أكثر من رائع .
هذا والله فصل الخطاب فيا اشتجر فيه الناس. هذه لعمري بمثابة قصيدة فكرية، وليست مجرد مقال. ولولا معرفتنا لما يقرب من نصف قرن من الزمان على هذا الإبداعات الاستثنائية من صديقنا صلاح الزين، لكنا قد طرنا بها في الآفاق مبشرين ومهللين، لكنه الاعتياد على الجمال في معجزة طلوع الشمس وغروبها، إلا بئسنا!
مقال جعلني اشك في مقدراتي اللغوية!
بما يحملها من ثراء لغوي عميق،وعمقها
الأدبي التي يفوق الوصف،
للكلام شجو و شجون
و لم يغادر صلاح الزين من متردم
و ما ضهب عن الباب و ما توهم
و هو يدرك ضحالة فكرة الكؤوس المدارة
ك رجع صدى
و ما انفكت قحط و هي تواري سؤتها الإطار
في عِب عِبء ما فعلته ( هي لله) من مداراة طبعها في انتقالها من اسم الى مسمى و جميعها تفارق المعنى و المبنى و يبقى الفعل الشائه ، و تبدل قحط اسمائها و تقدِم آخر عروضها ، رجع صدى إنغلق امامه المدى .
عندما اتفق الناس على تعريف ان السياسه هي فن الممكن كان لقناعتهم ان رمال السياسه المتحركه ومتغيراتها تجعل من اتخاذ الموقف الواحد الملتزم بقواعد النظريات السياسيه باشكالها المختلفه بحجة المبدئية يشل من قدرة الباحثين عن حلول لبعض هذه المشكلات.والذين يعتقدون ان تجميل السياسه بأدب اللغات كالذين يجتهدون في تحليلاتهم وتغريداتهم فهاؤلاء هم ((السفيسطاىون) الذين يفتقدون خيارات الحلول وبعضهم قد ينجح في تقبيش بعض الناس وكسبهم الى مايرمي اليه وتحياتي
مقال جيد وهذا قليل من سؤات قحت التى دمرت البلد مع عساكرهم الذين كانو يتناغمون معهم فى الحكم … هذا البؤس الذي فيه قحت حتى وان غيرت جلدها بتقزم دى اخر الجرى وراء اليانكى للحصول على مقاعد مرهلة لم تبقيهم فى الكرسي طويلا
هذا جهدهم ومقدرتهم ومعرفتهم …. قالوا المرقة التودر جملك ولا القعدة ام بوم …. ينطاحون الجهل والتعصب واللادولة والانهيار المؤسسي …. قحت جهد بشري … لكلنا أخطاء واخفاقات بدلا الفرجة والتندر امسكوا بأيديهم… انا متأكد انهم وطنيين ويحبون بلدهم … وضرب قحت يقوي العساكر والكيزان … أكيد…. الحفر الذي أضاع جهد الانتلجنسيا ومكن دولة الكيزان ….
لقد حور المقال المقولتين اللتين استهدى بهما في الطريق إلى نتائجه وهما:
1. ارجى سفيه وما ترجى باطل، وحولها الى:
ارجى سفيه وما ترجى عاطل.
2. الفايق يهمز امه، وحولها الى:
السفيه يهمز امه.
وهذا كفيل بقلقلة وارباك النتائج التي توصل اليها ان لم يخطئها تماما