
بروف شيني.. وتشفّي الإخوان المسلمين
بثينة تروس
والبلاد تدخل الفصل الجديد في تدمير البنية التحتية من قصف الكباري وحرب الجسور، توافدت جموع السودانيين من الذين شردتهم حكومة الإخوان المسلمين في بداية التسعينيات، وعقب سياسات التمكين الإسلامي، حروب جبال النوبة، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، ودارفور، تجمعوا في دار الجالية السودانية بمدينة كالقرى، في ذكرى هدنة الحرب العالمية والتي قادت للسلام، في 11 نوفمبر من أجل تكريم أما شيني التي تعود أصولها إلى غانا الافريقية، زوجة عالم الآثار بروفيسور بيتر شيني، بقلوب يعتصرها الحزن، إذ تزامنت المناسبة وتصريحات فلول الإخوان المسلمين بمسؤوليته الجيش في قصف كبري شمبات، ذلك الكبري الحيوي الذي يربط وجدان إنسان بحري وأم درمان، واليوم تترى الأخبار عن تكسير جسر خزان جبل الأولياء وهو بطول 19 مترا ونصف، ويتواصل مسلسل اتهامات تدمير الجسور في حرب (المكبراتية) مع عجز الجيش المفضوح عن حمايته تلك الجسور والكباري.
حقاً كانت مفارقات، إذ حكى ليلتها زميله بروفيسور جون روبنسون كيف حينها، تعلقت أفئدتهم بالسودان، وجهود العالم بيتر شيني في تأسيس قسم الآثار بجامعة الخرطوم، والتعريف بعظمة (كوش) والحضارة النوبية وتعريف العالم والكنديين بقدم تراث وحضارة السودان، بإصداراته العلمية وكتبه المشهورة، عن صيت تلك الحضارة وسبقها في المعمار، والزراعة، وشهرتها في صهر الحديد، وقوة جيشها الذي أعجز امبراطورية الفرس.. وعندما خضع ملوك الرومان للملكة أماني ريناس. مقابل خضوع قادة الجيش اليوم لمخططات الفلول وكتائب الدفاع الشعبي، ومرضي الهوس الديني من أمثال كتائب البراء بن مالك، وذلك منذ معركة (مروي) الحديثة.. تلك الكتائب التي أصبحت المتحدث الرسمي للجيش، بل أعطت نفسها الحق في توجيه المعارك على الأرض، باستعلاء وهيمنة كهنوت ديني مقدس، وتسببت في الجحيم الذي يعيشه السودانيون اليوم، في حربهم مع الدعم السريع، لقمع السودانيين، ولذلهم اخضاعهم وقهرهم.. ولأن عهدنا بالإخوان المسلمين انهم لا يستحون تجدهم ينددون بسوء الدعم السريع متغافلين عن حقيقة ان هذا هو مظهر سوءتهم التي تعهدوها بالرعاية والدعم حتى خرجت عن الطوق.
ذكر روبنسون، في سرد سيرة شيني، ما يؤكد اليقين في ان الحرب في الخرطوم ما هي إلا معركة تشفٍّ للإسلاميين من إنسان السودان، حاضرة وماضية وعراقته! (ذهب شيني الي أكسفورد وأكمل البكالوريوس والماجستير، وحين جاءت الحرب العالمية الثانية، التحق بنادي للطيران وتعلم قيادة الطائرات الصغيرة، وشهد تدمير المناطق التاريخية والاثرية اثناء الحرب، فوثق مشاهداته واسس لخطورة جرائم الحرب من تدمير للقصور وتفجير المستشفيات وتلك المباني المهمة، ونجح في تأسيس قانون لتحريم تلك الممارسات).. وحكى كيف أسس بروف شيني قانون للحفاظ على مقتنيات الآثار والحرص على اقتصاد السودان منذ زمان باكر، بالاعتراض علي مقاسمة الاكتشافات والمقتنيات الأثرية للحضارة الكوشية وانها تذهب بكاملها السودان، حيث يمكن مشاركة البحوث العلمية.. على أي حال يحمد لهم حسن النوايا، حين اجتهد الإخوان المسلمون في العداء والبغض لهذه البلاد، خصصوا للمؤسسة العسكرية من ميزانية الدولة 82% استعدادا لإبادة الشعب، وميزانية 2% للتعليم وبناء المستقبل والحفاظ على حضارته.. بل فشلوا في الحفاظ على أرض البلاد، وأهدروا اقتصادها، ورفعوا شعار الموت (يا نحكمكم يا نقتلكم) (ولترق كل الدماء). لذلك لا يهمهم ان ساقوا جميع الشباب مستنفرين للموت (فطايس)، وللأسف استدار الزمان وفقدت كل أسرة شاب عزيز، بيد أن قناة (طيبة) الخبيثة عجزت عن بث برامج أعراس الشهيد، إذ أن خزينة الدولة خاوية، وليس فيها ما يدعم تلك الأسر المكلومة بجوالات السكر والدقيق، وتعويض الآباء بعمرة وحج عن أبنائهم الذين فقدوهم في هذه الحرب العبثية..
وسيسجل التاريخ أنهم لم ينتصروا في أي معركة خاضوها، حتي قبل ان ينفضح ضعف الجيش وسوء اداراته وضعف جنرالاته، الذين سوقوا لبطولات الدعم السريع، قبل أن يفعلوا هم ذلك، أخرجوهم من (رحمهم) لدحر الحركات المسلحة (المتمردين سابقاً)، من الذين استخدموا اتفاقية جوبا عقب ثورة ديسمبر (حصان طروادة)، وانقلبوا علي الانتقال الديموقراطي، ورجع بعضهم أمثال جبريل إبراهيم رئيس العدل والمساواة السابق، الي نسبهم الحقيقي في الانتماء للحركة الإسلاموية، طائعين للجيش يستخدمهم لدحر الدعم السريع بنفس ذريعة التمرد.
والسؤال الذي يلح هو هل نحتاج إلى أطول من ثمانية أشهر لكل يجتمع أبناء السودان حول مطلب إيقاف الحرب، والتوافق حول رؤية بشأنها؟!ّ ونحن نشهد هذا الدمار الذي لم يبق على أي معلم في الخرطوم، والمواطنون حيرى ما بين تصريحات الدعامة في حث من تبقي منهم لمغادرة الخرطوم، وخطتهم أن تصبح (رماد)، وجيش كتائب البراء الذي يكايد الدعم السريع بنسف كل الكباري والجسور، وازهاق الأرواح.. وهل من سبيل اَخر غير وقف الحرب والعودة للمسار الديموقراطي, وتفويت الفرصة على تشفّي الإخوان المسلمين، في الإبادة الجماعية الممنهجة، وحصار المواطنين في بيئة مميتة بانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة، وتعويق إيصال المساعدات الإنسانية.
ثم كيف لنا أن نستنهض حضارتنا التي نقلها العلماء أمثال بيتر شيني، ويتفاخر بمعرفتها أجانب هم أكثر حزنا واشفاقا على ذلك البلد الذي أوجد لنفسه موطئ قدم بين الحضارات العريقة، ولأهله نسب ضارب في السماحة وقبول الآخر، فهم على التحقيق أحن عليه من هؤلاء المتشفّين بلا موجدة غير مصالحهم الذاتية.