‫الرئيسية‬ مقالات الاصرار على العمل السياسي من الداخل .. مسالة دار الحزب الشيوعي بالعاصمة نموذجاً
مقالات - 20 سبتمبر 2025, 6:35

الاصرار على العمل السياسي من الداخل .. مسالة دار الحزب الشيوعي بالعاصمة نموذجاً

عمار الباقر
برزت على صفحات التواصل الاجتماعي قضية الطلب الذي قدّمه السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني بالعاصمة القومية إلى المدير التنفيذي لمحلية أم درمان، والذي يطلب فيه تسليمه دار الحزب الشيوعي بالعاصمة القومية الكائن بمنطقة العباسية، والذي تتواجد فيه قوات عسكرية عقب اندلاع الحرب.
تتمثل أهمية هذه الخطوة في أنها إجراء عملي لرفض مظاهر عسكرة الحياة العامة وفرض واقع سياسي جديد قائم على إلغاء حكم القانون وهيمنة الأجهزة الأمنية والميليشيات على العاصمة وبقية أطراف السودان بمنطق القوة. وهو هدف اتفقت عليه جميع أطراف الحرب منذ يومها الأول، وقد عبّر عنه البرهان بوضوح في مقولته: “المجد للبندقية.”
كذلك تعكس هذه الخطوة إصرار الحزب الشيوعي على مواصلة العمل السياسي المدني والجماهيري من داخل السودان، ومقاومة أشكال التهجير القسري التي فرضتها الحرب على شعبنا، بل وحتى على القوى السياسية التي أصبح قسم مقدر منها يتخذ من عواصم الدول المجاورة مركزاً لأنشطته. وقد أدى ذلك إلى تعاظم الدور الخارجي – بتدخلاته الحميدة أحياناً والخبيثة أحياناً أخرى – في السياسة السودانية، بحيث أصبح جل خطاب هذه القوى موجهاً إنحو الخارج، وتحوّل العمل السياسي وسط فئات الشعب بالداخل إلى نشاط ثانوي غير ذي بال. وهذه بدورها واحدة من أهداف الحرب، التي سعت إلى تصوير المواطن السوداني وقواه السياسية بمظهر رجل افريقيا المريض الذي هو في حاجة إلى قوى إقليمية ودولية لحل مشكلاته المستعصية.
النتيجة الكارثية لهذا الوضع تمثّلت في انحراف الصراع من صراع بين قوي الثورة والثورة المضادة إلى صراع متخلف بين ميليشيات ذات طبيعة إثنية وجهوية من جهة، وتمكين عناصر الحركة الإسلامية عبر سيطرتها على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وميليشياتها الإرهابية كفاعلين رئيسين في رسم مستقبل البلاد .
خطورة هذا الوضع تتمثل في أن استمراريتة هذا الانحراف سوف يؤدي الي ردة خطيرة تعيد البلاد إلى حقب سحيقة هيمنت فيها النزاعات العشائرية والقبلية وأبعدتها عن ركب الحداثة والتطور، وكل ذلك سوف يجري تحت دعوات حرب “حرب الكرامة” و*”الحرب الوجودية”* وغيرها من الشعارات الجوفاء والمخاتلة.
لذلك، لا ينبغي الاستهانة بالخطوات التي اتخذها الحزب الشيوعي في العاصمة لاستعادة داره؛ فاستعادة الدار تعني استعادة مركز داخلي مهم للاستنارة والنشاط السياسي المدني الحديث، كما تُعد خطوة نحو استعادة الثورة وشعاراتها. ومن غير المتوقع أن تكون معركة استعادة الدار من سلطات الأمر الواقع سهلة، بل ستكون معركة شرسة تحتاج إلى تضامن واسع وعمل سياسي مكثف.
إن النجاح في استعادة دار الحزب بالعاصمة وإعادة فتحه أمام الجماهير ينبغي أن يكون خطوة في اتجاه استعادة جميع دور الحزب في العاصمة وبقية ولايات السودان، وعلى رأسها ولايات دارفور التي هي في أمسّ الحاجة إلى حراك سياسي مماثل ينظم الجماهير لمواجهة مخططات عزل الإقليم وقطع الطريق أمام أجندة الحرب والانقسام الإثني والعشائري، التي تقودها حكومة الأمر الواقع المعيَّنة بأمر ميليشيا الدعم السريع في مدينة نيالا.
إن مواجهة هذا المخطط تتطلب المساعدة في تجميع وتنظيم القوى السياسية في دارفور، وعلى رأسها القوى الثورية، لخوض معارك تبدأ بالمطالب البسيطة كما حدث في عطبرة وفي الخرطوم، ثم تتجه نحو المعارك الأكبر لمواجهة مشروع تقسيم البلاد وإعادتها إلى أزمنة الإقطاع والجهل والتخلف.
كذلك ينبغي التمييز بين التعامل مع سلطات الأمر الواقع في القضايا المطلبية المتعلقة بالحقوق، وبين الاعتراف السياسي بهذه السلطات. فالحزب الشيوعي السوداني بالعاصمة القومية له حق ثابت ومشروع في داره، وهو حق لا تسقطه ولا تسقط حق المطالبة به طبيعة السلطة القائمة ولا موقف الحزب منها.
ختاماً، فإن خطوة الحزب الشيوعي بالعاصمة القومية تُعد في تقديرنا خطوة في اتجاه إثبات الحقوق التي سعى أطراف الحرب إلى مصادرتها، وخطوة في اتجاه استعادتها، كما أنها تمثل أيضاً خطوة واسعة نحو استعادة الحياة المدنية والحريات في العاصمة القومية، واستعادة شعارات ثورة ديسمبر المجيدة. وهي خطوة نحتاج الي المزيد منها في مختلف ولايات ومدن السودان ,اخص بالذكر هنا ولايات دارفور.
قد تكون صورة ‏نص‏

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *