صلاح الزين
‫الرئيسية‬ مقالات صلاح الزين يكتب:لجان المقاومة .. جدلية الافتراضي والملموس (Virtual vs Real)
مقالات - 8 سبتمبر 2023, 14:24

صلاح الزين يكتب:لجان المقاومة .. جدلية الافتراضي والملموس (Virtual vs Real)

 

صلاح الزين

ثمة اختلال حيزي حملته الثورة الرقمية مقروناً بانزياحات مقابلة في المشهد النظري والمفاهيمي كمقابل لتلك الحيزات، مما استدعى إعادة النظر فيما استقر وتكَوَّنَ حتى لا يختنق المتعارف عليه ويصير التاريخ صنواً للمتبدِّه والمكرور، فينسد.

انرفد المشهد والخطاب السياسي/الجماهيري/الحركي في السودان، خلال انتفاضة ديسمبر 2019 بوافد جديد على مائدة ذاك المشهد وخطابه، مما يقتضي النظر إليه بمقولة ماركس: “التاريخ يتقدم من جانبه المتعفن”.

أتت اللجان من حواف ما سبقها من خطابات، إنْ تعفنت أو تشافت، لفض استغلاقات تلك الخطابات واختناق سيروراتها التاريخية. من شرفة تلك السيرورة أطلّت حتى توسِّع النظر إلى تبدلات المشهد السياسي ببذَخِ احتمالات التغيير في غير ما خطٍّ واحدٍ منتهاه يُنجب خيباتَ أوَّلِهِ.

ما أتوا من شرفات العدم ولا منحنى الرغبة، بل أتوا من رغبة التاريخ ان يرغب. من الربيع العربي (2011)، الثورات البنفسجية (purple revolution) في أقاليم الاتحاد السوفيتي سابقاً، السترات الصفراء (yellow vest)، صدامات الوول استريت، ومن قبل ومن بعد، من حلم الإنسانية وهي تنشد الندى وفك أسر الجمال.

اصطَفوا أو اصطفى لهم السري في التاريخ جغرافية وجودهم، وتخَلُّق بوطيقا حلمهم وشعرية حوافه. فكانت جغرافيتهم افتراضية وحُلمُهم مرقمن يصادي ذات الحلم الواقعي المحمول على سقالات لا تفترض منطق الإحلال، وإنَّما تعدد المسارات للوصول لذات الحلم بذينك الخطابين: الافتراضي والواقعي، وهنا مكر التاريخ وفوح عطره.

كتابة شاشية (من الشاشة) من على تلفون تُناظِر كتابةً على ورق، مجموعات واتسابية تناظر جمعيات ثقافية أو سياسية، فيسبوك يناظر أندية في الأحياء، تغريدات تكمل عرضحالات، … إلخ. فضاءات تتناسل وتتناظر ولا تحل أو تنفي حتى لا ينشطر الحلم وأشواقه.

ولأنَّ الحلم يُخلَق ولا يتخلَّق، كيف له أن يستضيف ذينك الواقعين حول نفس المائدة وذات الطعام؟!
بكلام آخر، كيف نُلبِس الافتراضي والرقمي لبوسَ الواقعي ورائحة البلولة والتراب، ونهِبُ التاريخَ فسحةَ ركضٍ مؤقت من غير لجام؟! أي كيف نجلب ذات الشخوص في انوجادهم الواقعي والرقمي لشرفة يطلون منها على ذات الحلم، حلمهما الذي يتمرأى على مرايا واحدة لا تنكر تعدد المنظور إليه في جوفها.

تفترض هذه المقاربة مقاربة الفضاء الرقمي وشخوصه من ذات بوابة دخولهم لما ارتضوه من فضاء بجغرافيا لا تعرف المطر وتبدلات الفصول، فقد ارتضوا مناخات أخرى ليس من بينها تصحر المناخ، وإنْ وُجِدْ، بدرجات أقل مقابل نظيره الواقعي!

بكلام آخر، كيف يمكن تنظيم هذا الموزيك في هيئات من لحم ودم إسفيري تتنفس ذات هواء نظيرها الواقعي كوَتَرٍ يُطرِبهُ رنين وترٍ مجاور؟!

تقترح المقاربة: تخييل الفضاء الملموس وموجوداته وإزاحته من هيولية وجوده الكثيف إلى فضاء متخيل. بكلام آخر، رقمنته (digitalization) والتي هي هي تصعيد الملموس إلى حيزٍ آخر ليعمل عمل ذات الملموس بطرائق مغايرة، مثل أن تكون دور الحزب السياسية والثقافية، وأمكنة تجمعات الشباب، ومنصات الحوار، ودوائر التثاقف، وقضايا معاش العباد، وبناء التحالفات ووووو ذات وجود رقمي أكثر تنظيماً وبنائياً ويخضع للمساءلة والمتابعة وروح عمل الفريق. لا يقتضي هذا إزاحة أو تعطيب ما يناظره في الواقع والملموس، وإنَّما فتح مسارب جديدة تخاطب طرائق حياة وأمزجة عمرية استعاضت عن الملموس وتتوسله في ومضات الشاشات الإلكترونية.

يترافق ذلك مع سطوة الشاشة وسيادة الصورة وانفلات المكان وكائناته من سطوة الجغرافيات وسيامية الفصول وطبوغرافيا المزاج وسيادة نظام التفاهة، كما يقول (ألان دونو).
فقد أصبحت الشاشة بما يحمل جوفها أشبه بقدرات الآلهة وهدهد النبي سليمان. انهار ملكوت الأسرار والمحايث إلا من سري في التاريخ يرشدنا إلى المطلق المكتمل بنقصانه.

بداهةً لا تقول هذه المقاربة بانعدام ما تقترحه، وإنَّما تقترح نوافذ أخرى للنظر إلى ذات الموضوع بما يستحقه من نظر حتى يكون المرقمن بأرجل ملموسة والملموس بشوق افتراضي به، أصلاً، لا يكون!!

مقترح لردف السياسة وأشواق العباد في ما غير سرج دابة النية والمستقر ووثنية المتعارف عليه وتقرحات المأمول وثقوبات قمطه حتى لا يتضاءل الحلم إلى رائحة خبز بلا عطر يرشد إليه.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 3.8 / 5. Total : 4

كن أول من يقيم هذا المقال