
صلاح الزين يكتب في “خروج” البرهان: الخروج من المكان لا الخطاب
صلاح الزين
مثلما انشغلتْ بعض الأقلام والصحف والرأي العام المحلي بسؤال: مَن أطلق الطلقة الأولى في الخامس عشر من أبريل (وقد كتبتُ عن ذلك في مقاربة منشورة في صحيفة مداميك بعنوان “قراءة في مقاربة سؤال الحرب، بتاريخ السابع والعشرين من يونيو)، أقول أدارَ ذاتُ التخت جانبَهُ الآخر لسؤال: كيف خرج البرهان ؟!!
في كلتا الحالتين صعد sublimated سؤالَيْ مَن بدأ الحرب وكيف خرج البرهان، إلى مقام الأسطورة وسؤال الفلسفة وما تلى ذلك من سرديات أدخَلُ في كتابة نصٍّ قصصي أو رواية قصيرة novella منه سؤالٌ معنيٌّ بالمعيَّن والماثل.
ومن ثم يصبح السؤال بالأحرى عن كيفية رؤية العقل الناظر/الكاتب لكلا السؤالين/الدهشتين أكثر منه لموضوع المقاربة: من أطلق الطلقة الأولى وملابسات خروج البرهان.
استطرادًا ضرورة انزياح هذا العقل الرائي من حيز الأسطورة وأسطرة موضوعه إلى كشف غموض المتعين والمبذول، إنْ كان من ثمة غموض هناك!!
وبالضبط هنا ضرورة مراجعة العقل الرائي والفاحص لمنظومة ما أطمئن إليه من عدته المفاهيمية وأجهزته الابستيمية والمعرفية في مقاربة موضوعاته. وبذلك نجُرُّ المقاربة بِرَسَنِ المعرفة من حقلِ علفِ البداهات إلى علف السؤال القلق وكأن الريح تحته !!
موت حميدتي (؟) وخروجه من الدنيا هُوَ هُوَ ذات خروج البرهان من مخبأه: خروجٌ من المكان كحيزات معلومة من غير أنْ يكون خروجًا عن الخطاب كممارسة سياسية.
انشغلت الأقلام بالخروج الأول، الخروج من المكان، فسقطت في شراك العقل الذي لا يقارب موضوعَهُ وإنما يصيِرَهُ ويتماثل معه ومن ثم يرى لأطروحة “الخروج” ليس فقط كتبديل حيزٍ بحيزٍ من غير الخروج عن سياق الخطاب السياسي وإنما الخروج عن الخطاب السياسي وحيِّزهِ وسياقاته !! وبذلك يتقاصر عن إنتاج معرفة بموضوعهِ إذ صارَهُ وكانَهُ وأصبح موضوع المقاربة هو هو ذات العقل المقارب.
خطاب الحرب بطرفَيْه، الجنرالان حميدتي والبرهان، هو خطاب واحد في مواجهة خطاب آخر طرفه خطاب لجان المقاومة ك “ضيوف” جدد على مائدة الخطاب السياسي السوداني.
وكأي خطابين وما يمثلانه من مصالح سقالاتهما الاجتماعية والطبقية لهما ما للخطاب من حنكةِ تبديلِ مواقِعهِ من غير الخروج عن معطفه وتموضعه التاريخي المنسول من أشواق رافعاته الاجتماعية.
وبذلك يكون موت (؟) حميدتي و”خروج” البرهان مجرد تبديلِ مواقعٍ في بنية الخطاب وماكنيزماته لاستحالة انفكاك ذات الخطاب، كامتداد لما سبَقهُ من خطابٍ في الثلاثين عاما الأخيرة وما قبل ذلك، مِن جُبلَتِهِ التاريخية المشروطة بسؤال الثروة والسلطة.
وبذات المنطق نهض قبالة ذاك الخطاب خطابٌ آخر بلغَ ذروتَهُ وحنكته السياسية والمعرفية في ما صاغته لجان المقاومة من أدبيات سياسية، (الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب)، كُتِبتْ بأجسادهم والنشيد وأبجدية الحلم والقصيدة.
وبمثلما أشعَلَ الخطاب الأول حربًا في جوهرها حربٌ ضد الخطاب الثاني، وعِيَ خطاب لجان المقاومة ومواثيقها بضرورة التغيير مقابل مَن يرى إلى التغيير كزلة قدم يُمكن جَبرُها لتعاود الخطو وإن بعرَجٍ خفيف. وفي ذلك تستوي خفة العرج إنْ كانت لمن “مات” أو “خرج” !!
التعليقات مغلقة.
سلامٌ سلاما يا د. صلاح الزين يا زينة الكتاب … حقيقي ترفع لك القبعات وأنت تتحف هذه الصحيفة بالمثابرة علي الكتابة وتوالي النصوص المتقاربة لتعكس رؤيتك فيما يدور في رقعة أرضنا التي تزرف الدموع في رحى حربٍ لعينةٍ لا ناقة لها فيها ولا جمل. لك الشكر والتقدير كله.
شكرا يا صديقي الكتابة الفكرية الشوّافة التي ترصد الغابة من جهة وأشجارها من جهة أخري.
لا خلاص للثوار إلا بتضمين واستضافة الافق الكبير القدّامي حتي يتناغم الثوري مع مطاولات التغيير.
كتابة محفزة للتفكير و التامل و البكاء و الضحك في هذا الواقع اللئيم .. و الله بخت حمتي و البرهان ان يدخلوا في حروف عميقة كهذة