
المواطنة كعب أخيل الحركة الإسلامية!
بثينة تروس
بفضل ثورة الديسمبريين الباسلة، ونبل مطالب الشباب المرابط حول لاءاته الثلاث، لا تفاوض لا شراكة لا مساومة، في الحرية والسلام والعدالة، ظل غربال الثورة السودانية دقيقاً في غربلة كل الذين أجحفوا وخانوا عهد تلك المطالب، إن كانوا من المنقلبين عليها أو من الذين تضامنوا مع الانقلابيين وأسهبوا في تبرير الأسباب. ولعل محاولة المفكر السياسي الدكتور حسن مكي في مناصحة الحركة الإسلامية وتخصيصاً شبابها هي من باب دعوة لهم للتعلم من المتساقطين من ثقوب ذلك الغربال قبل فوات الأوان! فلقد صرح لصحيفة السوداني بقوله “إنّ الإسلاميين يحتاجون لمراجعات كبيرة وقراءة للواقع وعمل وسط الشباب ورؤية للحركة الإسلامية في بلد يقوم على المواطنة وليس على العالمية” 12 ديسمبر.. فهي مناصحة تضع على عاتق شباب الحركة الإسلامية مطلوباً فوق طاقاتها! اذ العمل بموجبها يعني الانعتاق من الفكر الإسلاموي المتحجر، ومعارضة توجه الحركة السياسي والديني، والثورة علي مرشدي ومفكري الحركة، مما يحتم إعادة (صياغة الإنسان الإخواني)! بديلاً لمنهجية آبائهم الذين حاولوا ولمدة ثلاثة عقود من الزمان (إعادة صياغة الإنسان السوداني) لإخضاعه لدولة (المشروع الحضاري).
والشاهد أن مفهوم الوطن لديهم ليس هو السودان! وإنما هو حركة الإخوان المسلمين العالمية، وهي التي تدير شؤون التنظيم وشؤون تلك البلدان، وتتعامل معها كأمصار إسلامية هم ولاتها، لا تقبل الثورات ولا التغيير السياسي، يستبيحون الفساد فيها بفقه التحلل وبالثراء الحرام، يستعدون التجديد بإرهاب الخصوم بتهم الانتماء للغرب والعمالة ومعاداة الدين! وجاءت ثورة ديسمبر، موجعة أذلت ذلك الطغيان، وقَضَّت مضاجعه في كل البلدان. وما نصيحة دكتور حسن مكي إلا تأكيد لما هو معلوم في أصل الحركة الإسلامية بالضرورة “ضرورة أن تكون قيادة الحركة الإسلامية جماعية، لأنّ لها أموالاً كبيرة وأسراراً كثيرة وعلاقات دولية كبيرة، حتى لا يبيعها أحدٌ، ولا ينفرد بقراراتها أحدٌ” المصدر السابق.. بمعنى آخر إنها مفاهيم الحاكمية وشيطنة المدنية، التي قادت البلاد لحركات الجهاد الإسلامي، والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وفصل الجنوب حتى تصير البلاد خالصة العروبة والأسلمة، ونجحوا في إثارة النعرات القبلية والعنصرية، وقمط جيل الشباب حقهم في المنافسة في الحياة الكريمة بسياسة التمكين الإسلامي، ومصر والإمارات وتركيا، أقرب رحماً لديهم من دارفور والفشقة وحلايب وشلاتين.
والدعوة لشباب الحركة الإسلامية (بالمراجعات الكبيرة وقراءة للواقع) و(أن تعود كحركة شبابية) تعمل وسط الشباب المجد في اللحاق بركب الحضارة العالمية، تلزمهم باشتراطات الوعي الثوري الشبابي، الذي هو سمة مميزة أدهشت كل المراقبين لأدب وتعريف الثورات المشهورة، والإسهام بتحريض عقول شباب الإسلاميين على الفكر النقدي الحر الذي بدوره سيفضي إلى أن الواقع وحكم الوقت لا يتناسب والدستور الإسلامي الذي تنادي به جموع الحركات الإسلامية، إذ لا توجد فيه فرصة للديموقراطية والحقوق الأساسية للأفراد.. فهو لا يوفر فرصة المواطنة المتساوية في بلد مثل السودان متعدد الأديان، والإثنيات، واللغات، والثقافات، ولا يحقق مطلوبات ثورة ديسمبر، ولا يحقق المساواة التامة بين الرجل والمرأة..
بل شهدنا كيف وقف هذا الفهم الإسلاموي سداً منيعاً، حين جدت الحركة الإسلامية في حشد كل الطاقات المناوئة من رجال الدين والفقهاء في عرقلة مشروع رفع كافة أشكال التمييز بين الرجال والنساء، كما عوَّقتهن تجذر قوانين سياسة (التمكين) من الإبداع في مجالاتهن، وحرمتهن من عزيز مكتسباتهن، بالصورة التي أعجزت الشق المدني في الحكومة الانتقالية من منح المرأة حقها في أن تنال المناصفة السياسية العادلة.. النساء اللائي لا تزال شراكتهن في ثورة ديسمبر المجيدة محط أنظار العالم، صاحبات الحق الأصيل في عدم تكرار تجربة الحركة الإسلامية وتسلمها لمقاليد السلطة، فلقد تعرَّضن لأحلك فترة في تاريخهن، إذ وقع عليهن إذلال غير مسبوق، كان نصيبهن السوط والإهانة..
ومن أوضح تجارب مؤامرات الحركة الإسلامية عجز الحكومة الانتقالية في تلبية أشواق الشعب في تمهيد السبيل أمام دولة المواطنة حين انتصرت أصوات (اقتسام السلطة والثروة) على أصوات تحقيق العدالة وتوطين النازحين وتعويض المتضررين من الحروب العرقية، وتعثرت اتفاقية السلام الشامل، واضحت ضرباً من الأماني، وظل المسخ المسمى (اتفاقية سلام جوبا) محنة أعجزت الصناع.
ولمصلحة المراجعات الإسلامية لشبابها أن جوهر القضية ليس في (ألا تراهن على الشيوخ، فكثير منهم هربوا إلى تركيا وقطر تجنباً للاعتقالات) انتهى.. وأن نقول لشيوخ الحركة اذهبوا أنتم الطلقاء! بل بحمل الإخوان المسلمين على شرف التطهير السياسي، وأن يكونوا شجعاناً أمام الشعب السوداني، في نقد تجربتهم الفاشلة، وتحمل مسؤولية جرم ما اقترفوه في حقه، وليس بالتمادي في طلب السلطة بالانقلاب على الحكم المدني! والتهرب من العقوبات والأحكام القانونية. وبالكف عن الفتنة والعنف، في وقت تمر فيه البلد بأخطر منعطف في تاريخها، تكالبت فيه الأطماع الدولية الخارجية وأطماع العسكر والمليشيات وتحالفت فيه الحركات المسلحة الانقلابية.
تحية ليك يا شارعاً سوى البدع * أذهلت أسماع الملا * كالبحر داوي الجلجلة * فتحت شبابيك المدن * سداً منيعاً يا وطن **