
العقلية الكيزانية في القضاء
بقلم: عثمان صالح
قاضي يفكر بعقلية وفهم الكيزان وطريقتهم في التحليل لا يرجي منه تحقيق العدالة.
القضاء من المؤسسات العدلية التي تعتبر صمام أمان في المجتمع ، فهي المؤسسة التي توزن الأمور بميزان الذهب أو أدق من ذلك ومعيارها هو العدل والإنصاف ، ولذلك فإن شعارها هو الميزان.
يجب علي القضاة النظر في كل النزاعات بتجرد وإستقلالية ونزاهة وحيادية، وألا يتأثروا بمكانة الخصوم أو وضعهم الإجتماعي أو ثراءهم أو مسئولياتهم في الدولة، وعليهم ألا يتأثروا بالإعلام والحديث العام ، عليهم فقط النظر للوقائع والتطبيق السليم للقانون وروح القانون من أجل الوصول للحقيقة ومن ثم إصدار الحكم العادل والمنصف.
السبب في تناول هذا الموضوع هو حيثيات حكم صدر حديثاً ويبدو أن عقلية القاضي المتأثرة بوجهة نظر سياسية محددة ولتيار سياسي مشارك في الحرب لهو فهم غريب وشاذ في القضاء. ونري أن يصل التسبيب القضائي بأن (وكما هو معلوم أن قوات الدعم السريع تمردت علي الدولة وشنت حرب شاملة في كل ربوع السودان.. وكان المواطن الصالح يهرب من أمامها إلي المناطق الآمنه وهي التي لا توجد بها قوات المليشيا المتمردة وقد نزح المواطنين من منازلهم ومدنهم وقراهم ، ولم يتبقي في غالب الأحوال في المناطق التي تم الإعتداء عليها إلا من تعاون معها وكل هذا الذي ذكر بمثابة علم قضائي ولا يحتاج لإثبات عملاً بأحكام المادة (١٤) من قانون الإثبات ١٩٩٤م) أن يصل التسبيب لهذه الدرجة وبهذه الكيفية لأمر خطير ووجهة نظر منحازة وغير محايدة وغير عادلة ولا تتسق مع الأخلاق والعدالة والوجدان السليم.
إن هذا الحكم يعتبر كارثة، وهو مذهب معيب ويخالف القانون والوجدان السليم. لأن الحرب أتت للناس في مناطقهم، ومن خرج منهم خرج بحثاً عن الأمان وهذا ليس له علاقه بصلاح المواطن من عدمه. ومن تبقي منهم له أسبابه وليس له أيضاً علاقة بعدم الصلاح أو التعاون. وكم سمعنا من الروايات أن بعض الأشخاص رفضوا الخروج من أرضهم مهما حدث وأنه من الأفضل لهم الموت داخل أرضهم من تركها للمعتدين. وهنالك من الأشخاص من لا يملك ما يسعفه من المال للتحرك لأي مكان ولذلك بقي مكرهاً تحت وابل الرصاص والإعتداء والإرهاب ، هل بعد هذا كله أن يوصف هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص بعدم الصلاح أو التعاون مع القوات المتمردة؟ ما لكم كيف تحكمون.
أي حديث عن تعاون أي شخص مع قوات الدعم السريع يجب أن يثبت أمام المحكمة فوق مرحلة الشك المعقول ، ووجود المواطن في تلك المناطق وهي أرضه ومكان سكنه الأصلي لا يعتبر متعاون وأن ذلك لا يتعتبر في مصاف العلم القضائي والمعني به المجري العادي للأمور ومناصب المسئولين في الدولة والعطلات الرسمية وأن الأسبوع سبعة أيام وأن هذه السنة بسيطة أو كبيسة. ولكن أن يضع هذا القاضي مسألة خطيرة مثل هذه ويجعلها علم قضائي لا يحتاج إلي إثبات فهذه هي الكارثة بعينها !!! وهذا المذهب للأسف رأي تيار سياسي موتور ورأي اللايفاتية الذين ينشرون خطاب الكراهية ويؤججون الصراعات والنزاعات في أي مكان !!! وكان الله في عون القضاء في السودان.
تسييس القضاء في السودان أصبح واضح للعيان. القضاء ينفذ ما تريده السلطة التنفيذية، وبالتالي فقد القضاء إستقلاله ونزاهته وحياده . هنالك من القضاة من هو متمسك بالسلوك المهني الرفيع ويحافظ علي إستقلال ونزاهة وحياد القضاء وللأسف فإنهم أقلية وهم إشراقات في عتمة المشهد العدلي في السودان.
نعم لإستقلال ونزاهة وحياد القضاء.
لا لتسييس القضاء وكل الأجهزة العدلية.
*محامي ومدافع عن حقوق الإنسان