‫الرئيسية‬ مقالات وقفة “طوفان الأقصى” في أم درمان.. قراءة في جذور الخطر ومآلاته
مقالات - 8 أكتوبر 2025, 8:01

وقفة “طوفان الأقصى” في أم درمان.. قراءة في جذور الخطر ومآلاته

بقلم: عاطف عبدالله
رابط الفيديو المرفق يوثّق التجمّع الذي شهدته إحدى مناطق أم درمان مؤخراً، وكان دافعاً لإعداد هذا التحليل حول جذور الظاهرة ومخاطرها.
خلال اليومين الماضيين انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يُظهر مجموعة من الصبية في أم درمان يهتفون بشعارات ذات طابع داعشي، احتفاءً بما سُمّي بـ”طوفان الأقصى”. لم يكن المشهد مجرد لقطة عابرة، بل نافذة تكشف عن خطرٍ أكبر يتربّص بعقول جيلٍ نشأ وسط الفوضى والحرب.
في مشهد أثار قلقاً واسعاً، تجمّع عدد من الصبية في أحد أحياء أم درمان لإحياء ذكرى ما سُمّي بـ”طوفان الأقصى”، وهم يرفعون شعارات ذات طابع ديني متشدّد يذكّر بخطاب التنظيمات الإرهابية. قد يبدو الحدث في ظاهره بسيطاً أو مجرّد تعاطف مع قضية عادلة حظيت بتضامن واسع حول العالم – بما في ذلك في إسرائيل وأمريكا – لكنّ الأمر هنا مختلف؛ فالتظاهرة حملت طابعاً أيديولوجياً متطرفاً وإرهابياً مرفوضاً تماماً كمنهجٍ لمعالجة القضايا السياسية.
في عمقه، شكّل المشهد جرس إنذارٍ خطيراً، إذ يكشف عن محاولةٍ جديدة لاختراق المجتمع السوداني عبر بوابة الأطفال والمراهقين، مستغلاً لحظة ضعف وفوضى يعيشها الوطن منذ اندلاع الحرب.
لقد فتحت الحرب، التي دمّرت البنية التحتية وأفقدت الأسر أمنها وتعليمها وأرزاقها، الباب واسعاً أمام قوى الظلام للتسلل إلى العقول الصغيرة. ففي غياب المدارس، وانهيار الخدمات الاجتماعية، وتراجع دور المؤسسات الدينية الرصينة، يجد دعاة التطرف بيئة خصبة لتجنيد المهمّشين واليتامى والمشرّدين، وحتى أبناء الأسر المستقرة، تحت شعارات “الدفاع عن الدين” أو “نصرة القضية”.
من المهم التذكير بأن المجتمع السوداني، بطبعه وتكوينه الثقافي والديني، يرفض الغلو والتكفير والإرهاب بالفطرة. فقد كان التصوف، بتسامحه الروحي وعمقه الإنساني، ولا يزال السدّ الذي حمى السودان من الانزلاق إلى الفكر المتطرف. غير أنّ هذا التماسك مهدَّد اليوم إذا لم تُتخذ خطوات جادة لمعالجة هذه الظواهر في مهدها.
إنّ التعامل مع هؤلاء الصبية يجب ألا يقتصر على القبضة الأمنية وحدها. (ولا أعني هنا سلطة الأمر الواقع، فهي في الحقيقة توظّف هؤلاء وتستغلهم أسوأ استغلال لخدمة أجندتها ضد ثوار ديسمبر، ويمكنها – إذا حوصرت خصوصاً من المجتمع الدولي – أن تتخلّص منهم كما تخلّصت من آخرين من أمثالهم من قبل). فمعظم هؤلاء الصبية ضحايا أكثر منهم جناة. لذا ينبغي حصرهم، ودراسة خلفياتهم الاجتماعية والنفسية، ووضع برامج لإعادة تأهيلهم فكرياً ونفسياً تعيدهم إلى المسار الطبيعي للحياة، عبر جلسات توعية يشارك فيها علماء دين معتدلون، وأنشطة تعليمية وترفيهية تعيد ربطهم بالمجتمع، مع تقديم دعم نفسي واجتماعي لأسرهم التي فقدت السيطرة عليهم بفعل الحرب.
إنّ مسؤولية مواجهة هذا الخطر لا تقع على الدولة وحدها – إن عادت الدولة دولة – بل تمتد إلى المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية. فالمطلوب رصدٌ مبكر لكل نشاط ذي طابع ديني متطرف في المدن والمخيّمات، وإطلاق حملات توعية في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام توضّح مخاطر الفكر الداعشي، وتمويل برامج لإعادة دمج الأطفال المتأثرين بالحرب أو الخطاب المتشدّد.
ما حدث في أم درمان ليس حادثة معزولة، بل مؤشرٌ على تصدّعٍ قيمي خطير يتسرّب إلى جيل نشأ في ظل القصف والنزوح والحرمان. إن ترك هؤلاء الصبية دون رعاية يعني أننا نزرع اليوم بذور حربٍ جديدة – حربٍ داخل العقول.
ولذلك، فإنّ المعركة الحقيقية بعد وقف القتال ستكون معركة الوعي: معركة استعادة الإنسان السوداني إلى فطرته الأولى؛ إنساناً حرّاً، مسالماً، منفتحاً على الحياة.

رابط الفيديو
https://www.facebook.com/share/19jKEA4s5g/

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *