قصة قصيرة - 5 يوليو 2025, 23:45

الغَنيمة كُتب

قصة :إقبال صالح بانقا

جَلس في جَزع مُتأملاً ما حَوله… فشهر يونيو كعادته عِز الحَر و الكهرباء تقطع كعادتها منذ أعواماً متتالية لأسباب لا تُدرك . فهي بالنِسبة للجميع و لِلِعالم أساس أي وكل شيء عزيزة وغالية وتمثل الروح أو عودة الروح حين تقطع وتعود . تَلوح بضع ساعات في اليوم لتنقطع أكثره خاصة في وسط النهار والشمس عمودية عن قصد على أي كائن حي. الصيف لا يُجامل …. حر… حر…..حر وصَهد مع بوادر خريف و رُطوبة عالية و تَقلب مَزاج لِلِجو حَسب ما يَرغب و يُريد.. فَتارة عَاصفة ترابية و تارة كَتمة نَفس أو كَتمة هواء وأخرى ريح سَموم تُرافق الحَر و عِندما يَسخو الجَو بعد إعجاج تَنزل أمطارا مُتفرقة تُلون الجَو بما بدأ لها من تَلون..و لا يَعتدل و يَروق مَزاج الجَو إلا بعد هِطول المَطر بِشدة وعُنف ولَهوجة ورُعونة فيُدمر ما يُريد ويَستفرد بالمُتهالك من البيوت الهَشة والعَشوائية و يَنتهك أي وجود للمُشردين والمُهمشين ويَفعل فِيهم وبِهم الأعاجيب و يَتكاتف مع الفَقر والبؤس وسوء الحال فيما يشبه الإبادة لهم. بعدها أو حينها فقط يحلو الجو ويُشيع لطافة لكن يَكن الجَميع مشغولون عنه بتلآفي ما تُسببه الأمطار من تَلف ودَمار و طين و مياه تُحاصر أي و كل شيء.
تَعوق الحَركة والمَشي ويُكثر البَعوض والذُباب والضَفادع و يَزداد نَقيعها ليلاً و يُحرم عليهم النوم نتيجة كل ذلك و نَتيجة الهَرش و الحَك و تَشيع الحُميات و الأمراض والمِلاريا والتَايفويد و تَعز المُستشفيات والأطباء ويَعز الدواء. أول ما فتح عينيه بعد ليلة كابد فيها كل ما سبق بُهت أن عم صمت مُريب لكنه يَعرفه وتَعود عليه لكنه أيضا بُهت…..نعم فقد قُطعت الكهرباء عن الحي كله وحُرم نعيم أي شئ تَجلبه الكهرباء…
الساعة الآن السابعة صباحا مما ينبئ أن اليوم ضاع من أوله وسقط من عمره فسيمتد القطع عشر ساعات مُتواصلة و دَرجة الحرارة تفوق الأربعون درجة مُنذ الصَباح البَاكر و الرُطوبة خانِقة. لأشيء يَدعوه للاستيقاظ حتى الطَعام أو الشاي ومُغرياته المُصاحبة له لا شئ مُغري أو يُلذ له و سط تلك المُنغصات…. تقلب كثيراً و استعرض في مُخيلته بلاد يَعرفها جيداً ويَعلم أجواءها المُعتدلة وخُضرتها الشَائعة واعتدال تَكلفتها و تَميز شُعوبها بالمودة واللُطف خاصة مع الزائر و الغريب أو السائح من أجل الجَذب ونَيل مَردود السياحة . هَب من سَريرة فقد وجد ما يَجعله يَهب مِنه و قَرر على الفَور واتخذ أمراً سَعى و أجرى عُدة مُكالمات ليَحجز و يُحدد موعدا للسفر (لأدس أبابا) خارج جحيم العاصمة (الخرطوم) المُكشرة عن أنيابها.. كانت حِينها تُمثل له حَلة ضَغط أو بُخار تَجعله مِثل فَرخة أو كَتكوتا يُسلق… فخرج عن طَورِه ضِيقاً و عجزاً لِتلافي ما يحيط به. كانت تُشغله الكِتابة والقراءة إلى حد بَعيد خاصة عندما تُحيط به أنواء الحياة و عواصف الصيف وضرائب العمر وإخفاقات البلد من حِرمان و عَنت يَمنعه من أي نشاط أو حركة. حينها كان يلجأ للكتب ويَنغمِس فيها فتنقذه… لذا ملأ حقيبة متوسطة الحجم ببعض الكُتب المُميزة لقراءتها آبان رِحلته و بِبِعض كُتبه التي قام بتأليفها لِيحملها هدايا لِمعارِفه ولِمن يَرِغب فيها في (أدس أبابا) . قضى أياما لتَجهيز نَفسه للسفر تَغاضى فيها عن كل ما كُابد و نَقص علية عَيشة. حتى تم له ما آراد لَيستقل الطائرة وما هي إلا سُويعات حتى وصل لِعاصمة أثيوبيا و هو يَترجل عن سِلم الطائرة الأثيوبية لَفحته أجواءها الرطبة المُعتدلة المُنعشة الآتية من تَوسطها لأعلى جِبال و هِضاب شرق أفريقيا وما أن خطأ خَطوات في مَطارها حتى رَحبت به أمطاراً صَافية لم يُزعج هطولها أحدا ولم يَرتبك لها أحدا كما تَعود……. . إنما أضفت على المكان والجو بَهجة وحِبور وإنشراح. وإنحدرت مياهها صافية مُتلآلآة في يُسر وسُهولة فهي تَعي مَصبها جيداً ولا يُعيقها عائق . فإنشغل بها وبِلطافة الجَو وبمرآى الخُضرة حَوله وبتميز أشجارھا بالغرابة في الشَكل والأطوال وأخذ يقارن بين غرابة شكل الأشجار و شبهها بتميز أشكال شعر النسوة هناك و تَميزهن بالجمال وبلدانة الأجساد و ندواة البشرة وصفاءها رغم شقاء أغلبهن المشهود الذي لا يُخفى على أحد . أخذه سائق التاكسي الودود لنُزل أو فندق بات لَيلته مُنشرح الصَدر غَانم ما افتقده…….. لكن بعد لَيلتين قرر إستبدال النُزل لبعض القُصور يَنشد الأفضل فإستقل سَيارة أجرة لينتقل إلى غَيره و يفاجأ بأن الفندق الجديد بعد أن إستقر في إحدى غُرفه وجده يَفتقد الماء الجاري وأن الماء لا يأتي إليه إلا لبعض ساعات من اليوم فإعتبر ذلك نوعا من الإحتيال لأنهم لم يَخبروه سَلفا بِذلك حِين سَعيه لِلِسكن لَديهم فَقرر بَعد قَضاء يوما آخر فيه بِمغادرته لِفندق آخر وعندما هم بذلك أحضر سيارة أجرة َ لِيستقلها للنقل للفندق الآخر أملاً و تَحاشياً لِلِكثير مما وَجَد خِلال الأربعة أيام السَابقة وطمعاً في الأفضل. عند خروجه من الفندق أخرج مَتاعه أوحقائبه………..ادخلها السائق في خَلفية سَيارة الأجرة و أوصله السائق إلى الفندق الآخر الذي لم يكن بعيدا و قد وجد ضآلته فيه. أخرج له السائق حقائبه من خلفية السيارة و نَفحه أجرته………. وحرص السائق على تذكيره بأن يتأكد من عدد حقائبة لم يَنتبه لِلِأمر كثيراً مؤكداً للسائق ثِقته دون أن يَحرِص على لَفت نَظر السَائق له. السائق الذي إختار أثقل حقيبة يحملها ليُخفيها داخل السَيارة على أمل الا يَنتبه إليها هو و على أمل أن تكن تحمل أو بِها غَنيمة ما… لثُقلها وقد كان . فقد كانت حَقيبة الكُتب المَنهوبة للأسف . تَعنى له هو أعظم غَنيمة وأجمل مرافق و السائق لا يعلم أنها كتب و آمل في أنها قد تحمل غنائم دنيوية أخرى و أيضا لا و لن يستفيد منها شئ وهو لا يدري أيضا … لأنها باللغة العربية وليس بِلغته الأمهرية أو حتى بالإنجليزية و عند إفتقادها وجد أنه من الصَعب أو المُستحيل إسترجاعها وإشتكى لمن حَوله عن فَقد كُتبه… فعَلم مِنهم أنه في تلك الأحوال يُستخدم ورق الكُتب في لَف اللُب أو التَسالي… فإستعوض الله في كتبه خيرا. رغم أنه إغتنم وتمتع بالجو الصحو و جمال الطبيعة و الخضرة لكنه تَذكر المَثل المَصري الدَارج ( جآت الحَزينة تَفرح ما لِقتلهاش مَطرح)
6يوليو 2020م

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال