‫الرئيسية‬ مقالات اتكاءة تراث: الحلو مر (الآبري)
مقالات - منوعات - 29 مارس 2021, 14:15

اتكاءة تراث: الحلو مر (الآبري)

مشروب سوداني شعبي تتوارثه الأجيال منذ أمد بعيد

د. مزاهز القدال

تاريخ الآبري

هناك اختلاف تاريخي حول اكتشاف مشروب الحلو مر، البعض يذكر أن تاريخه يعود إلى ما قبل الميلاد، وأن عمره يفوق الثلاث ألف وثلاثمائة عام، بينما الأغلبية من السودانيين ينسبون المشروب التراثي إلى سيدة سودانية من بربر تدعى آمنة عبد الرازق فحل، يقال إنه كان لها جوال من الذرة غمرته مياه الأمطار، ولم تكتشف السيدة هذا البلل إلا بعد أن نمت فيه الزريعة، فطحنتها ووجدت لها طعماً حلو المذاق، فأضافت له البهارات وصنعت من الخليط مشروباً مميزاً. وهنالك حكاية أخرى تنسبه إلى إحدى سيدات النيل الأزرق، ولكن رواية سيدة بربر هي الأشهر، ولها مؤيدون كثر. وأياً كان مصدره فهو المشروب الشعبي الأول الذي يتناوله السودانيون على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ويتفق الجميع على عشقه.

 

أصل التسمية

الحلو مر والآبري اسمان مترادفان لمشروب واحد، والآبري أو الآبرية تستخدم في الأرياف أكثر من المدن، ويعود الاسم إلى أن المشروب له طعم خليط بين الحلاوة وشيء من المرارة الناتجة عن المكونات وطريقة الصنع. وهنالك نوعان من الآبري هما الأحمر ومقصود به الحلو مر، والآبري الأبيض.

مكونات الحلو مر

ذرة نابتة مجففة (الزريعة)، توابل وأعشاب: (حبة البركة، حلبة، هبهان، قرنجال، جنزبيل، كمون أخضر، كزبرة، كركدي، عرديب، محريب، وبلح)، وذلك حسب الرغبة.

كيفية صنع الحلو مر

أولى خطوات عمل الحلو مر هو تزريع أو إنبات الذرة، ويتم اختيار ذرة جديدة وذات نوعية جيدة، وفي الغالب يتم اختيار الفتريتة، وهي من الذرة الرفيعة، لأنها بعد طحنها تعطي اللون الأحمر الغامق. وفي بعض المناطق يستخدم الدخن وأنواع أخرى من الذرة مثل طابت وود عكر -وهي مسميات للذرة- والأفضلية دائماً للنوع المتوفر في المنطقة المحددة.

طريقة الزريعة

تنظف الذرة جيداً، ومن ثم تغسل بالماء، ويتم وضعها في إناء عميق يغمر بقدر كاف من الماء، وتمكث ليلة كاملة. صباح اليوم التالي تتم تصفيتها وتنشر على قطعة خيش مبللة، وتغطى بأخرى مبللة أيضاً. يفتح الخيش كل يوم وتبلل الذرة بقليل من الماء البارد، ويلاحظ في اليوم الثالث اكتمال عملية الإنبات أو التزريع، وهذا يعتمد على الطقس وكمية الماء وجودة الذرة. تجفف الذرة النابتة بحرارة الشمس، ومن ثم تطحن إلى دقيق ناعم.

 

الكوجان (المديدة)

الكوجان أو الكوجين: مصطلح شعبي لعملية صنع مديدة الآبري. وهو الخطوة الثانية في عمل الحلو مر، تعتمد على الخبرة والقوة البدنية، وفيها يتم غلي قدر مناسب من الماء في قدر كبير أو صاج عميق. يعجن مقدار من دقيق الذرة مساو لمقدار الزريعة بالماء يضاف إلى الماء المغلي لصنع عجينة أشبه بالأكلة السودانية الشعبية المعروفة بـ (العصيدة)، وبعد اكتمال النضج تنقل إلى أزيار خاصة بالمديدة، أو قدور واسعة تعرف محلياً بـ (القيزان)، وتضاف لها الذرة النابتة (الزريعة)، وتعجن معا حتى تختلط تماماً، على حسب درجة الحرارة، إذا كان الجو بارداً يضاف عجين مخمر من قبل للإسراع في عملية التخمير.

في اليوم التالي للكوجان تضاف التوابل المسحونة للمديدة، وإذا كانت العملية في فصل الصيف يفضل إضافة التوابل في نفس ليلة صنع المديدة، وهي تعمل على إضفاء الطعم المميز للحلو مر، وتساهم في الوصول إلى اللون الأحمر المميز للآبري الأحمر، خاصة بعد إضافة الكركدي والعرديب، والتي تفضل أن تضاف على شكل سائل.

العواسة

العواسة هي عملية صنع الكسرة والآبري على الصاج. تتم بالطريقة التقليدية المعروفة، وذلك بوضع الصاج، وهو أحد أواني المطبخ التقليدية التي تصنع من نوع خاص من الحديد أو الألمنيوم الذي صنع خصيصاً لصناعة الكسرة والآبري. يوضع الصاج على أربع أثافٍ وتحته نار حطب قوية، يدهن بزيت غزير، ويسكب عجين الآبري ويفرد بـ (القرقريبة)، وهي أداة العواسة، مستطيلة الشكل بحجم صغير، من جريد الشجر، أو البلاستيك. بعد فرد العجين تستخدم (الكتالة)، وهي أكبر حجماً من القرقريبة، تصنع من الخشب، وتعمل على فرد العجين تماماً بإعادة تمريرها على سطحه عدة مرات، ثم يترك لبضع دقائق حتى ينضج تماماً ويصبح لونه أحمر أقرب إلى الأسود، وتفوح رائحة الآبري المميزة، ثم تطبق (طرقات) الآبري على هيئة مربع أو مستطيل بطريقة جاذبة. جردل عجين الآبري يصنع ما يقارب العشرين قطعة، وقطعة الآبري تعرف بـ (الطرقة).

 

التجفيف

بعد الانتهاء من العواسة تكون تلك القطع رطبة قليلاً، تفرش على سطح سرير عليه ملاءة أو أي سطح آخر مناسب ليوم كامل أو أكثر حتى تجف تماماً وتصبح صالحة للتخزين لمدة أطول، وذلك لأن عملية العواسة تتم في شهر رجب أو شعبان، ومدة صلاحية الحلو مر تحت ظروف التخزين المناسبة -بعيداً عن الرطوبة- تمتد إلى أكثر من عام، وذلك بفضل مكوناته.

إعداد العصير

يتم إعداد عصير الحلو مر بغمر طرقات منه في ماء بدرجة حرارة ماء الماسورة، ويترك لمدة ساعتين على الأقل، ومن ثم تتم تصفيته، ويحلي بالسكر، يشرب بارداً أو مثلجاً، وبالامكان شربه بدون سكر.

الآبري الأبيض

بالإضافة للحلو مر، هناك مشروب آخر  ارتبط بالشهر الفضيل، لكنه أقل شهرة منه، وكذلك يحتاج تحضيره قبل أن يهل الشهر الكريم، وهو  «الآبري الأبيض».

كيفية تحضير الآبري الأبيض

مكوناته: ذرة بيضاء مقشورة، نشا، وتوابل أهمها الحلبة والجنزبيل والحبة السوداء والهبهان. تصنع مديدة من الدقيق ناصع البياض ويضاف لها توابل كاملة غير مطحونة، وقليل من دقيق النشا ويترك الخليط لثلاثة أو أربعة أيام، ثم يصفي من التوابل ويخفف بالماء.
يعاس «الآبري الأبيض» على نار هادئة، ويحتاج إلى خبرة عالية، وتمتاز طبقاته برقتها البالغة، ومن المهم جداً أن تكون الطبقات  خفيفة جداً أشبه بطبقات مناديل الورق. هذه الطبقات أو الطرقات تخرج من الصاج شبه جافة ولا تحتاج لزمن طويل للتجفيف ويلاحظ احتفاظ بلونه وطعمه لفترة طويلة.


تحضير مشروب الآبري الأبيض

عند تحضير مشروب الآبري الأبيض يضاف قليل منه لماء مسكر بارد ويشرب مباشرة (أي إنه لا يصفى)، ويمتاز بطعم خاص يكسبه السكر حلاوة، ووجود قطع الآبري تعطي الإحساس بالارتواء والشبع معاً. بعض الأسر تلجأ إلى تلوين عجين الآبري الأبيض قبل العواسة بألوان زاهية كالأحمر والأخضر لتعطي مع الأبيض لوحة جميلة.

المظهر الاجتماعي

الحلو مر في كل مراحله يتم بصورة جماعية، خاصة يوم العواسة، الذي يعتبر يوم احتفال مميز، تجتمع فيه كل نساء الحي المعني في منزل التي يكون يوم عواستها، ويقمن بهذه العملية في تبار تسوده روح الجماعة والتكافل وجو من البهجة والسرور. وتعد صاحبة المنزل أشهى وأطيب المأكولات والمشروبات الساخنة، وتجلب النساء معهن السكر والبن والشاي والزلابيا كنوع من المشاركة، وبعد الانتهاء يوزع عليهن عصير الآبري المثلج، لترتفع الأصوات بالإشادة بالمنتج في مرحلته الأخيرة. كذلك يوزع منه للفقراء والمساكين، ويرسل إلى الأبناء خارج السودان، فهو سفير شعبي يربط المائدة السودانية الرمضانية مع موائد الشعوب الأخرى. وهو جزء أساسي فيما يعرف بموية رمضان، وهي هدية من أم العروس لأسرة العريس.

فوائد الحلو مر

له قدرة عالية على مقاومة العطش، كما أن به العديد من الفيتامينات والنشويات والسكريات والأملاح المفيدة للجسم.

رمضان كريم وتصوموا وتفطروا على خير

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 4.9 / 5. Total : 7

كن أول من يقيم هذا المقال