حامد بشري
‫الرئيسية‬ مقالات كولومبيا والمصالحة الوطنية
مقالات - 4 أكتوبر 2025, 19:34

كولومبيا والمصالحة الوطنية

حامد بشري
“إن أفضل السبل لكسب الحرب هو الجلوس والتفاوض على السلام”
“The best way to win the war was to sit down and negotiate peace.”
هذه دراسة عن المصالحة الوطنية والعدالة الأنتقالية التي تمت بدولة كولومبيا ، نُشر الجزء الأول منها في العدد الرابع من مجلة ” قضايا فكرية” الذي صدر في نهاية شهر سبتمبر الماضي . رأيت من المصلحة تعميمها خاصة في هذا الوقت الذي بدأت تظهر في الأفق مبادرات من الرباعية لمحاولة وقف نزيف الدم السوداني .
مقدمة
حين وصولي إلى مدينة بوغوتا، عاصمة كولومبيا، أبهَرتني برونقها وعمرانها وجمال طبيعتها ومستوى البنية التحتية ومبانيها الشاهقة، حتى خُيّل لي أن الطائرة حطّت للتزود بالوقود في مدينة من مدن العالم الأول، وليس في عاصمة دولة من دول أمريكا اللاتينية. مهما كان لك من خيال واسع، فلن تصدق عيناك أن هذه البلاد خرجت لتوّها من حرب أهلية بعد أن مزقتها لأكثر من خمسين عامًا . كان هاجسي معرفة كيف توصل هؤلاء القوم للسلام . لذا صرت ألهث خلف المكتبات، رغم قصر المدة التي قضيتها، بحثًا عن مواد تعينني على فهم ما دار في هذا القطر، وعن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية التي توصل إليها الخصماء السياسيون ونشطاء المجتمع المدني لوقف نزيف الدم، ولجعل البلاد تسير في طريق السلام والتنمية والتطور.
وبعد بحث مضنٍ في مكتبات ومتاجر بوغوتا، وصولًا إلى الأكشاك التي تُباع بها المخطوطات القديمة ، وعلى الرغم من عدم معرفتي باللغة الإسبانية، أوصلتني الجهود إلى المتحف القومي بكولومبيا لعلني أجد فيه ضالتي. وبعد أن شرحت مطلبي عن طريق الاستعانة بترجمة قوقل علي الهواتف التليفونية الذكية، أوضحوا لي بكل أسف عدم وجود وثائق متاحة للجمهور عن بنود المصالحة التي تم عقدها بين المعارضة والحكومة في دوريات وكتيبات باللغة الإنجليزية. أشاروا إلى أن أحد المصادر التي ربما تساعدني على معرفة تفاصيل وبنود وثائق العدالة الانتقالية هو الرجوع إلى محرك البحث بقوقل.
وحال العودة إلى مكان إقامتي، عقدتُ العزم على التنقيب والبحث لتشابه الظروف والبيئة التي أدت إلى الحرب في كلا البلدين (السودان وكولومبيا)، علّنا نلحق بكولومبيا ست الأسم ، ولو فيما يخص المصالحة الوطنية . يُخيل لي، وربما أكون مخطئًا، أن القانونيين والعاملين بالشأن العام في السودان لم يُولوا الاهتمام الكافي بالعدالة الانتقالية الكولومبية ومقاربتها بالحالة السودانية ، وغالبًا ما نصحوا بالنظر لتجربة جنوب أفريقيا ورواندا والمغرب العربي ، و ذلك لقربهما الجغرافي والثقافي من السودان. على الرغم من ذلك ، نحمد للمؤتمر القومي للعدالة والعدالة الانتقالية الذي انعقد بالخرطوم في الفترة ما بين 16 إلى 20 مارس 2023، أي قبل أقل من شهر من اندلاع الحرب، تعرُّضه لتجربة كولومبيا بمشاركة سيرجيو جاراميلو، المفوض السامي السابق للسلام في كولومبيا . لذا رأيت من الأهمية بمكان أخذ التجربة الكولومبية بعين الاعتبار، خاصةً في هذا الظرف لتشابه الأسباب التي أدت إلى اندلاع الصراع، مما يجعل من تطابق الحلول التي أدت الي وقف الحرب أمرًا غير مستبعد.
أما الأمر الأهم الذي شدني إلى البحث في تجربة العدالة الانتقالية الكولومبية، رأيت أنه قد حان الوقت لكي ندرس تجارب العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية أينما كانت؛ لأن هذه الحرب، مهما طال أمدها وبغض النظر عن فترة استمراريتها لا يوجد فيها منتصر، وأنما الخاسر الوحيد فيها هو شعب السودان وإنها لا محالة كغيرها من الحروب ستنتهي إلى الجلوس الي طاولة مفاوضات . إذن، فمن واجبنا أن نستعد، ولو في الجانب النظري، للتحضير لمصالحة وطنية وعدالة انتقالية وإنصاف للضحايا وجبر ضرر قادم لا محالة، إذا أردنا أن نحافظ على ما تبقى من السودان. وكذلك الحال إذا أمعنا النظر في تطبيق شعار ثورة ديسمبر المجيدة “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، سنجده يخضع في نهاية المطاف لمشرط العدالة الانتقالية والالتزام بالمواثيق الدولية والتجارب الإنسانية.
في تطرقي للعدالة الانتقالية، أود أن أنبه إلى عدم إلمامي بالجوانب القانونية في حل النزاعات ، لذا كانت مصادري الأساسية في هذا المبحث عبارة عن تلخيص وترجمة ما كتب حول الصراع الكولومبي/الكولومبي بتصرفٍ.
خلفية الصراع الكولومبي
انخرطَتْ في النزاع المسلح في كولومبيا جهاتٌ عدة وتدخلّت فيه مصالح كثيرة، نتيجةً للطموحات السياسية والتوترات الاجتماعية والاقتصادية والتنافس على الموارد. وقد ساهمت عوامل عدة في تفاقم النزاع وتدهوره، بما في ذلك استمرار المشكلات في استصلاح الأراضي وعدم العدالة في ملكيّتها، والفجوة بين المدينة والرّيف، وأوجه عدم المُساواة، وبروز ظاهرة تهريب المخدّرات وتفشِّيها، بالإضافة إلى محدودية المشاركة السياسية وانعدام حضور الدّولة وضآلة الخدمات في المناطق الأكثر تأثّراً بالنّزاع والتوزيع غير المتساوي للأرض والسلطة والثروة، كل هذا أدى إلى تاريخ طويل من العنف السياسي.
هذه المسببات للحرب الكولومبية جعلت حروبنا السودانية تتفوق عليها بدخول عوامل إضافية تتلخص في إقحام الإسلام السياسي والتطرف الديني والعنصرية والنعرة القبلية والاستعلاء العرقي ، مرورًا بخطاب الكراهية، مما فاقم المشكلة أساساً ، و جعلت حالتنا أشبه بشملة كنيزة التي أتسع خرقها علي راتقها.
تُعد الشركات العابرة للقارات وحكومة الولايات المتحدة من أبرز المساهمين الدوليين في اندلاع النزاع الكولومبي الذي بدأ في عام 1948 في أعقاب القمع المفرط المدعوم من الولايات المتحدة ضد الشيوعيين في المناطق الريفية الكولومبية، مما حدا بالشيوعيين إلى الاتحاد مع مقاتلي المليشيات الليبرالية للدفاع عن أنفسهم والانتظام في القوات المسلحة الثورية وتكوين جيش التحرير الوطني (فارك) . وفي ثمانينات القرن الماضي، تزايدت مستويات العنف وذلك بسبب بداية تهريب المخدرات من البلاد (قارن بالحالة السودانية في تهريب الذهب). بدأت مجموعة من الأمريكيين بتهريب الماريجوانا خلال فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ولاحقًا بدأت المافيا الأمريكية بصورة مؤسسية في تهريب المخدرات من كولومبيا بالتعاون مع منتجي الماريجوانا المحليين، وبذا أصبحت الجريمة المنظمة في كولومبيا ذات نفوذ وسلطة.
شاركت المجموعات الحربية اليسارية والمنظمات شبه العسكرية اليمينية مع المساهمين الدوليين في اندلاع النزاع بكولومبيا. أما
في الحالة السودانية يتمثل المساهمون الدوليون في النزاع في قوات فاغنر الروسية وشركات الدعم السريع العاملة في الإمارات العربية المتحدة ، وشركات الجيش التي تصدر الذهب، إضافة إلى القوات السودانية المرتزقة التي حاربت وقد تكون لا زالت تحارب في اليمن وتتلقى تمويلًا من السعودية والإمارات، علاوة على الشركات المصرية التي تعمل في تصدير اللحوم وتعتمد في تمويل الصادر المصري على خط إمداد الصناعات التحويلية للمحاصيل السودانية. كذلك من العوامل التي ساهمت في تدويل الوضع في السودان موقعه الجيوسياسي المطل على البحر الأحمر و المصالح الأقتصادية والأمنية التي تتعلق بالملاحة لكل من إيران، إسرائيل، مصر، الإمارات، السعودية، اليمن . أما مساهمة المجموعات الحربية اليسارية مع المجموعات شبه العسكرية اليمينية في أستمرارية الصراع السوداني فنجده يتمثل في الأتفاق الذي تم بين القائد عبدالعزيز الحلو وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو.
وقد سعت الجماعات المسلّحة من أطراف النّزاع الكولومبية إلى الحدّ من قدرة خصومها العسكرية وفرض سيطرتها على السّكان المدنيين من خلال ارتكاب جرائم مُروِّعة. نتيجة لذلك، خلّفَ العنف الجماعي أكثر من 9 ملايين ضحية على مدى السنوات الخمسين الماضية – أي ما يُعادل نحو 18 في المئة من أصل سكّان القطر. وبحسب ما وردَ في تقريرٍ أصدره المركز الوطني للذاكرة التاريخية في العام 2012، كانت حصيلةُ النّزاع:
● 220 ألف قتيل
● نحو 6 ملايين نازح
● أكثر من 60,600 حالة إخفاءٍ قسري وجريمة جنسية وحالة عنف قائم على النّوع الاجتماعي
● 6,500 طفلٍ وشابٍ مُجنّدين قسرًا
ووفقًا لهذه الدراسة ، قُتل 220 ألف شخص في الصراع ما بين عامي 1958 و2013، معظمهم من المدنيين (177,307 مدني و 40,787 مقاتل) ، وأُجبر أكثر من 5 ملايين مدني على ترك منازلهم ، مما ولّد ثاني أكبر عدد سكان في العالم من المشردين داخليًا. وجعل 16.9% من سكان كولومبيا ضحايا مباشرين للحرب. تشرّد 2.3 مليون طفل من منازلهم. وقُتل 45 ألف طفل وفقًا لشخصيات وطنية استشهدت بها اليونيسف. وإجمالًا، ثلث الضحايا المسجلين البالغ عددهم 7.6 مليون كانوا أطفالًا، ومنذ عام 1985 اختفى 8 آلاف طفل . وبموجب هذه الأحصائيات أُنشئت وحدة خاصة للبحث عن أشخاص اعتُبروا مفقودين بسبب الصراع المسلح.
عملية السلام
بدأت عملية السلام في كولومبيا عام 2012 بالمحادثات في هافانا بكوبا بين الحكومة الكولومبية ومجموعات القوات المسلحة الكولومبية، في مسعى لإيجاد حل سياسي للنزاع المسلح . وبعد ما يقارب أربع سنين من مفاوضات السلام، أعلنت الدولة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية الكولومبية الإجماع على خطة من 6 بنود نحو السلام والمصالحة . وبمجرد الاتفاق على المفاوضين، تحرك الجانبان لتعيين دول ضامنة أجنبية. كانت كوبا، التي استضافت لقاءات سابقة، خيارًا منطقيًا، بينما اختيرت النرويج كدولة ضامنة ثانية لدورها النشط في الوساطة الدولية في النزاعات. بالإضافة إلى ذلك، تم تعيين دولتين ميسّرتين أو “مرافقتين”. اختارت القوات المسلحة الثورية الكولومبية فنزويلا، بينما اختارت الحكومة الكولومبية تشيلي .
أما في الحالة السودانية لحساسية النزاع السوداني/السوداني ودخول عناصر دولية واقليمية أقترح أن تكون دولة سويسرا خياراً لاستضافة المفاوضات والنرويج كدولة ضامنة . أما أختيار الميسّرتين فمتروك للجيش السوداني وقوات الدعم السريع .
بحلول أغسطس 2012، انعقدت ما يقرب من عشر جولات تحضيرية ، وظل المتحدثون الرئيسيون الخمسة لكلا الجانبين في كوبا طوال مدة العملية. وفقًا للاتفاقية، يتألف كل وفد من 30 شخصًا، يشارك في الجلسات 10 منهم، ويكون خمسة منهم مفوضين. تكون المناقشات على طاولة المفاوضات سرية، ولكن تُصدر تقارير دورية، كما وُضعت آلية لتلقي المقترحات من الأفراد والمنظمات. ومن المبادئ الرئيسية للمفاوضات أنه “لا اتفاق على شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء”
ومقارنةً بعمليات السلام السابقة، بدأت عملية السلام الحالية بأجندة محددة مع عدد محدود من القضايا المطروحة للنقاش.
في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أعلنت القوات المسلحة الثورية الكولومبية وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار من جانب واحد حتى 20 يناير/كانون الثاني 2013. ووصفت الحركة ذلك بأنه “مساهمة فعّالة في تعزيز مناخ التفاهم اللازم للأطراف لبدء الحوار وتحقيق الهدف الذي ينشده جميع الكولومبيين.
بينما تقدمت المناقشات بشأن البند الأول (التنمية الريفية المتكاملة) على جدول الأعمال. وفي 26 مايو، أعلن الجانبان عن اتفاق جزئي بشأن النقطة الأولى، وهي (الإصلاح الزراعي) الشامل. ركز الاتفاق على قضايا الوصول إلى الأراضي (الحواكير) والأراضي غير المنتجة واستخدامها، وسندات الملكية، والتنمية الريفية، والبنية التحتية، والتنمية الاجتماعية في المناطق الريفية، والإنتاج الزراعي والحيواني، والمساعدة الفنية، والإعانات والائتمانات، وسياسات الغذاء والتغذية.
ورغم التقدم في المفاوضات ، برزت نقطة خلاف رئيسية جديدة بين الحكومة والقوات المسلحة الثورية الكولومبية: إصرار الأخيرة على تشكيل جمعية تأسيسية لتنفيذ نتائج الاتفاق النهائي . بالنسبة للمتمردين، كانت الجمعية التأسيسية هي الضامن الوحيد لتغيير النظام السياسي وإصلاح المؤسسات السياسية، لكن الحكومة حافظت على معارضتها الشديدة للفكرة نظراً للمخاطر التي ينطوي عليها تغيير الدستور.
حصلت عملية السلام على دفعة قوية مع الإعلان في 6 نوفمبر 2013 عن اتفاق جزئي بشأن النقطة الثانية من جدول الأعمال، وهي المشاركة السياسية (مع عدم حل قضية الجمعية التأسيسية) . المشاركة السياسية في النزاع السوداني تستوجب تمثيل القوي المدنية التي أسهمت في ثورة ديسمبر بمختلف مسمياتها .
أعلنت القوات المسلحة الثورية الكولومبية عن وقف إطلاق نار مؤقت من جانب واحد ثانٍ في 15 ديسمبر 2013، ساري المفعول حتى 14 يناير 2014. وفي عام 2013، حظيت عملية السلام الكولومبية بدعم واسع النطاق من المجتمع الدولي وقادة العالم.
بينما أعلنت القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) وقفي إطلاق نار مؤقتين من جانب واحد خلال الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية، بين 20 و28 مايو/أيار، ومرة أخرى بين 9 و30 يونيو/حزيران.
وفي أغسطس/آب، انعقد أول لقاء بين 12 ضحية من ضحايا الصراع والمفاوضين في هافانا، وهو الحدث الذي أشاد به الجميع باعتباره تبادلًا رمزيًا مهيبًا بين الضحايا وجهًا لوجه مع جلاديهم . في بيان مشترك صدر بهذه المناسبة، أكد الجانبان مجددًا أن الضحايا هم جوهر الاتفاق. نظّم ضحايا القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، الذين شعروا بعدم مراعاة وضعهم بشكل كافٍ، منتدىً لأخذ آرائهم في الاعتبار. جمع المنتدى معارضي ومؤيدي عملية السلام على حد سواء.
في أواخر سبتمبر/أيلول 2014، أعلن الرئيس سانتوس في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الحكومة قررت نشر الاتفاقيات التي تم التوصل إليها حتى تلك اللحظة في هافانا . في 17 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) في بيان أنها ستعلن وقف إطلاق نار من جانب واحد لأجل غير مسمى يبدأ في 20 ديسمبر/كانون الأول، وينتهي في حال هاجمت السلطات جبهات المتمردين. كان هذا هو وقف إطلاق النار الخامس من جانب واحد للقوات المسلحة الثورية الكولومبية منذ عام 2012، والأول إلى أجل غير مسمى.
في 7 مارس 2015، أعلنت الأطراف المتفاوضة في كوبا من خلال بيان مشترك عن إنشاء مشروع تجريبي لإزالة الألغام، لتنظيف وتطهير الأراضي والذخائر غير المتفجرة بقيادة وتنسيق المساعدات الشعبية النرويجية. وكان هذا هو الجانب الأول من مفاوضات السلام الذي سيكون له تأثير فوري على الأرض.
في ديسمبر 2014، قامت القوات المسلحة الثورية الكولومبية بإلغاء وقف إطلاق النار من جانب واحد الذي سبق أن أعلنته، ردًا على هجوم ضد القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) في 22 مايو. أثارت الأزمة قلق كوبا والنرويج، الدولتين الضامنتين، اللتين دعتا الجانبين إلى مواصلة الجهود للتوصل إلى تسوية تفاوضية، بما في ذلك اتفاق على وقف إطلاق نار ثنائي محدد. في 4 يونيو/حزيران 2015، أنشأ الطرفان المتفاوضان لجنةً لتوضيح الحقيقة والمصالحة وعدم التكرار.
اتفق كل وفد على المضي قدمًا نحو اتفاق نهائي دون تأخير، وخاصةً بشأن شروط وقف إطلاق النار الثنائي النهائي، ووقف الأعمال العدائية، وتسليم الأسلحة. ودون الموافقة على وقف إطلاق نار ثنائي فوري، أطلقت الحكومة عملية تهدئة للأعمال العسكرية، بما يتماشى مع تعليق القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) لجميع أعمالها الهجومية.
في الثالث والعشرين من يونيو عام 2016، وقعت الحكومة الكولومبية ومتمردو القوات المسلحة الثورية الكولومبية اتفاقية وقف إطلاق نار تاريخية، مما قربهم من إنهاء صراع دام خمسة عقود. قُلِّد بموجبها الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس في الشهر نفسه جائزة نوبل للسلام لجهوده في تقريب بلاده من نهاية حرب أهلية دامت خمسين عامًا. وافق مجلس النواب الكولومبي بالإجماع على الاتفاقية بعد دعم مجلس الشيوخ لها.
بنود اتفاقية وقف إطلاق النار:
1. إنشاء آلية ثلاثية للرصد والتحقق من الاتفاق المتعلق بوقف إطلاق النار الثنائي والنهائي، وتتألف من حكومة كولومبيا، والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا – الجيش الشعبي، وعنصر دولي يترأس الآلية والتنسيق في جميع مراحلها.
2. وقف الأعمال القتالية وإلقاء الأسلحة، مما سيولد الثقة والضمانات للامتثال له.
3. تسوية النزاعات وتقديم التوصيات والتقارير.
وفيما يتعلق بإلقاء الأسلحة، سيقوم نفس العنصر الدولي بالتحقق من ذلك بموجب الشروط والضمانات الواجبة التي سيتم
تحديدها في بروتوكولات الاتفاق .
تم الأتفاق على أن يكون هذا المكون الدولي بعثة سياسية للأمم المتحدة تتألف من مراقبين من البلدان الأعضاء في اللجنة الاقتصادية ومنطقة البحر الكاريبي.
وتحقيقًا لهذه الغاية، قررت الحكومة الكولومبية وفارك أن تطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنشاء هذه البعثة السياسية مع مراقبين غير مسلحين لمدة 12 شهرًا، قابلة للتمديد بناء على طلب الحكومة الوطنية والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا ، وكذلك البلدان الأعضاء في مجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، واستعدادهم للإسهام في هذه المهمة التي
ستشكلها الأمم المتحدة. كما طالبا البعثة أن تبدأ الأعمال التحضيرية اللازمة، بالتنسيق والتعاون الوثيقين مع حكومة كولومبيا والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا لنشرها . وسيتمتع المراقبون الدوليون بضمانات أمنية كاملة . كما تقدما بالشكر للأمم المتحدة واللجنة علي أستعدادهما لدعم كولومبيا في البحث عن السلام .
اتفاق بشأن ضحايا النزاع
يتألف اتفاق السلام بين الحكومة الكولومبية و”فارك” من ستة فصول تعالج القضايا التالية:
1. إنهاء العدائيات: ففي الساعة صفر بالتوقيت الكولومبي المحلي من يوم 29 أغسطس/آب 2016، دخل حيزَ التنفيذ أول وقف
لإطلاق النار من الجانبين، نص الاتفاق علي أنه “نهائي”.
وسيتم التحقق من وقف إطلاق النار وفق آلية ثلاثية تضم الحكومة الكولومبية ومنظمة “فارك” وبعثة من الأمم المتحدة.
ويشمل إنهاء القتال نزع أسلحة المتمردين المقاتلين بإشراف أممي، مع تقديم ضمانات أمنية للمقاتلين السابقين بعدم الاعتقال أو الملاحقة، والتزام الحكومة بمكافحة العصابات المسلحة الناشئة عن قوات شبه عسكرية يمكن أن تحاول السيطرة على معاقل “فارك” السابقة. وستقام 23 منطقة أمنية وثمانية مخيمات من أجل تسريح مقاتلي “فارك”، وسيخرجون منها بلا سلاح بعد 180 يومًا على الأكثر من توقيع الاتفاق النهائي، على أن يندمج مقاتلوها المسرحون في الحياة المدنية. DDR
2. تعويضات الضحايا: نص الاتفاق على بدء الطرفين تطبيق اتفاقهما الذي وقعاه في ديسمبر/كانون الأول 2015 لتقديم تعويضات إلى ضحايا “فارك”، ومعاقبة المسؤولين عن “الانتهاكات الخطيرة”. الاتفاق يقضي بألا يوضع أي من قادة الحركة في السجن، وذلك شريطة اعترافهم “بشكل صادق” بالجرائم التي ارتكبوها، بعد عرضهم على محاكم الحقيقة والمصالحة.
وفي هذا الإطار، ستنشأ محاكم خاصة لمحاكمة المتمردين وعناصر الدولة المتورطين في جرائم وانتهاكات خطيرة مرتبطة بالنزاع وسيحاكم 48 قاضيًا -بينهم عشرة أجانب- هؤلاء الأشخاص المتورطين في “جرائم خطيرة”، مثل عمليات الخطف والاغتصاب والتهجير القسري أو تجنيد القاصرين.
3. تهريب المخدرات: أتاح تهريب المخدرات -خاصة الكوكايين- تغذية النزاع وتأجيجه بين الطرفين اعتبارًا من ثمانينيات القرن العشرين، وكذلك الفديات التي كانت “فارك” تحصل عليها من خطف الرهائن.
وفي مايو/أيار 2014، أبرم متمردو “فارك” اتفاقًا مع الحكومة لإنهاء أنواع الزراعة غير المشروعة في مناطق نفوذهم. وفي المقابل ستقدم الحكومة للمزارعين مصادر بديلة للدخل وبرنامجاً للصحة العامة.
4. سياسة نزع السلاح: خلال ستة أشهر من توقيع السلاح ستلقي منظمة “فارك” السلاح وتتحول إلى حزب سياسي . وقد تعهدت الحكومة بأن تخصص لها عشرة مقاعد مؤقتة في البرلمان لمدة ثماني سنوات.
وستقام دوائر خاصة للسلام في المناطق التي شملها النزاع .
5. الإصلاح الزراعي: كان الدفاع عن الفلاحين الفقراء وضحايا عنف كل من الدولة وكبار ملاك الأراضي هو السبب في ظهور حركة “فارك” عام 1964. وفي مايو/أيار 2013، توصل المتمردون إلى اتفاق مع الحكومة ينص على توزيع أراضٍ عليهم، والحصول على قروض، وإقامة خدمات أساسية في مناطق النزاع.
6. المصادقة على اتفاق السلام النهائي: سينظم استفتاء شعبي يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول بشأن اتفاق السلام هذا. وسيُطلب من المقترعين فيه الإجابة عن سؤال واحد، هو: “هل تؤيد الاتفاق الذي يُنهي الصراع المسلح ويبني دولة مستقرة وراسخة؟”
وإذا وافقت أغلبية الناخبين الكولومبيين على الاتفاق فسيتحول إلى قانون يجري تنفيذه.
تدابير التعويضات التي ينص عليها القانون
● إعادة الأراضي إلى مالكيها الريفيين الذين حرموا منها أو أُجبروا على هجرها. وإعادة المشردين داخليًا إلى أراضيهم وإضفاء الطابع الرسمي على حقوق ملكيتهم لها.
● التعويض النقدي للضحايا لمساعدتهم على إعادة بناء حياتهم على الجريمة التي تعرض لها الضحية.
● تدابير الترضية لاستعادة كرامة الضحايا من خلال إعادة بناء الحقيقة والمصالحة، والإقرار بالمسؤوليات وأعمال العفو العام، وتسليم جثث الضحايا والمختفين قسرًا إلى أسرهم، ودعم المبادرات المحلية لأعمال الذاكرة وإحياء الذكرى.
● تدابير إعادة التأهيل، مثل الرعاية الطبية والنفسية.
● ضمانات بعدم تكرار العنف في سياق النزاع المسلح، تشمل التدابير التي تتخذها الدولة تجاه المجتمع ككل. تنفيذ الإصلاحات المؤسسية لبناء واستعادة الديمقراطية.
وتتوخى جميع التدابير اتباع “نهج تفاضلي” بمعنى التوجيهات والإجراءات التي تضمن حماية الفئات الضعيفة، ولا سيما الضحايا الذين يشملهم القانون وهم: النساء والأطفال والمجموعات الإثنية وكبار السن والأشخاص ذوو الإعاقة وأولئك الذين عانوا فرديًا أو جماعيًا بصورة مباشرة أو غير مباشرة من انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي اعتباراً من يناير 1985. ويحق أيضاً للضحايا المعترف بهم قبل هذا التاريخ الحصول على تدابير الترضية والضمانات المتعلقة بعدم التكرار.
في فبراير عام 2015، نشرت اللجنة التاريخية للصراع وضحاياه تقريرها بعنوان “المساهمة في فهم النزاع المسلح في كولومبيا”. ساعدت الوثيقة، التي تعاملت مع الأسباب المصاحبة للصراع والعوامل الرئيسية والظروف التي جعلت من الصراع ممكنًا والآثار الأكثر وضوحًا على السكان، على فهم النزاع المسلح من حيث القانون الدولي.
هذا فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية ، أما في الجزء الثاني من هذه الدراسة سأتناول موضوع العدالة الأنتقالية ، الذي بموجبه سارت دولة كولومبيا في طريق السلام والتنمية والأستقرار.
هذه مقاطع فيديو قصيرة علي الرابط أسفل هذه الدراسة تم تصويرها من أحد أفراد المجموعة التي رافقناها في زيارتنا إلى كولومبيا:
مقاطع فيديومن كولومبيا

بعض قائمة المراجع والمصادر
1. “Informe ¡Basta Ya! Colombia: memorias de guerra y dignidad: Estadísticas del conflicto armado en Colombia”.
2. Historical Memory Group (2013). “”Enough Already!” Colombia: Memories of War and Dignity” (PDF) (بالإسبانية). The National Center for Historical Memory’s (NCHM). ISBN:978-958-57608-4-4. Archived ^ “Report says 220,000 died in Colombia conflict”. Al Jazeera. 25 يوليو 2013.
3. “War and Drugs in Colombia – International Crisis Group”. Crisisgroup.org. October 20, 2014.
1. “‘Loco,’ Colombia’s Last Drug Lord, Extradited to New York”. Foreign Policy. يوليو 10, 2013. “Neo-Paramilitary Groups Consolidating in Colombia: Report”. Insightcrime.org
2. “Neo-paramilitaries do not deserve political status: Govt”. Colombia News – Colombia Reports. أكتوبر 14, 2014.
3. “armed conflict Archives – Colombia News – Colombia Reports”. Colombia News – Colombia Reports. سبتمبر 1, 2014. “peace talks Archives – Colombia News – Colombia Reports”. Colombia News – Colombia Reports. أكتوبر 14, 2014.
4. “The Colombian “War on Drugs”, A Family Affair – SHOAH”. Shoah.org. مارس 1, 2015.
4. Historical Commission on the Conflict and Its Victims (CHCV) (Feb 2015). “Contribution to an Understanding of the Armed Conflict in Colombia” (PDF) (بالإسبانية). Archived from the original (PDF) on 2016-01-21. Retrieved 2017-03-26.
5.Why the deal to end Colombia’s 5-decade war is no guarantee of easy peace | CBC News

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 5 / 5. Total : 1

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *