‫الرئيسية‬ ثقافة سرد تلك القلوب الأليفة
سرد - 1 أكتوبر 2025, 8:48

تلك القلوب الأليفة

مرام علي

في القرية التي قضيت فيها عاماً ونيف، كان كل شيء فيها غريباً، لكنه غريب بصورة أليفة ومحيرة.
المرأة التي تأتي للمركز الصحي لتفحص الضغط الذي شكل لها هاجساً محيراً، ترمي الودع وتقرأ الطالع للنساء المتحلقات حول القهوة، في عناقريب خشبية وبساط بلاستيكي يخص الرمضانات، أو تفعل ذلك للشابات المترقبات أشياء سرية للغاية، وتسأل؟
_ هيييي الضابط اللخدر الطويييل أبو دبابير دا منو؟
وتخجل الصبية مبتسمة ابتسامة من افتضح عشقه!
واتساءل : هل هي تعرف من مصدر أبيح له بالسر؟
أم تعرف فعلاً؟
واتجهت نحوي : ورقك الساعية ليهو حيجيك في ظرف!
بتستلمي تحويلة ميتين ألف علي دفعتين!
وأضحك! لأن هذا يحدث!
وتظل المرأة المهووسة بمرض الضغط تحوم بين الجبنات! تاركة خلفها ضحكات مدهوشة، لكنها مدهوشة بصورة تلقائية لا تفكر ولا تطرح أسئلة اجاباتها مضللة!
و ست الريحة التي تتبختر في مشيها تقول لك : سيدنا النبي طيب يحب الطيب، شيليلك ريحة!
واختار المسك الأبيض الذي لا أعرف اسم عطره، اختار الرائحة التي تخص صفا إذا ما انتهت من العمل أو لعب كرة السلة و حين تقديمة شارع القصر!
العم الذي فقد نظره، يأتي لقياس الضغط من البعيد، يأتي وكأنه يعرف الطريق تماماً، الطريق الذي من شدة تعثره اسميته : شارع طبق البيض!
كان يصلي على النبي على الدوام، يلهج بذلك مبتسماً،
هذا الرجل بالتحديد، لديه ولد في عمر الطاشرات، يحفظ الكتاب العزيز، يبيع الماء بكارو لا يمتلكها، وكل الحلة تعرف قصته الأسطورية، حينما وقع في البئر، وقع ورأوا البئر تلتهمه، وحينما سألته عن كيفية خروجه من البئر، قال لي : شفتي آلدكتورة، أنا بس مرقت، ووكت وقعت في البير، ما اتبليت، وكان في نور تحتي، شالني من البير مرقني برا، بعد داك مشيت، ما خفت، لكن اهتزيت، ومشيت ساي ما جايب خبر لي شي، ووكت امي شافتني ما صدقت اني قدامها، ودوا ليها الخبر اني وقعتا في البير، سيدنا النبي كلامو بَرَا!
هذه هي الحقيقة، خرج هذا الصبي ذو الأب الصالح، نجا بجلابيته المثقّبة، بيد أنها نظيفة على الدوام!
أما جدته فتبكي كل يوم شوقاً للمدينة أم شبّاك!
آه، ثمة امرأة ستينية اسمها : الشبّاك
تيمناً بشباك سيدنا النبي!
إذا صادفت حاجة الشباك من الحلة لمشوار سوق الدويم الكبير على ضهر البوكسي الذي تكون فيه مثل شوال عيش أو كيس خدار، وحينما تهم للنزول، تعرف أقدامك من حذائك فقط، تلك شدة الخدر، المهم إذا صادفت حاجة الشباك فأنت موعود بأقاصيص مضحكة، ودعابة ونكات بدون قصد، لحاجّة الشباك أبقار تستثمر ألبانها لتبيعها لمصانع الجبنة في السوق الكبير، يحكي الجميع عن ثروتها والسيارة التي ابتاعتها لابنها والركشة وأقاصيص كتيرة!
لحاجة الشباك لسان لاذع مختص في قصف الجبهات لكن لا أحد يغضب منها، إذ أنها تقول، القصصصصة كلها في قلب البني آدم!
البنات في الظهيرة يتحلقن ببعض، الكل جيران، ولكل مربوع شلة لها خصائصها، في الغرف المعتمة ذوات الستائر المطرزة والملايات المسحوكة جلست لعزومات القهوة، وسط بنات حيرنني، إذ لم أعهد هذه الجلسات البسيطة من قبل، كنت اتخيلها في وجداني فقط!
مشاريع التجميل الجماعية، أسماء مساحيق التجميل الذي لم اختبرها على الإطلاق، الحديث عن الناضمين فيهن والخطبان والعرسان المرتقبين!
وكنت أحس الولف وسط عوالم لا أدري عنها شيئاً!
شدّات اللبسات و الفساتين من بعضهن حين المشاوير القدسية و الأعراس البسيطة!
صرت أمشي في الطريق وحين تعرّفني إحداهن بأحد تقول : دا خطيب فلانة، بزهوّ بديع!
كان لكل شخص هناك قصص تخصه، وكاريزما تخصه!
وحين يأتي عبد الله الدرويش ليأخذ مرسال من الصيدلية يقول لي : آلدكتورة أي مرض علاجو سيدنا النبي، الناس ديل ما عارفين ساي، يمين بالله أنا وقت يجيني زكام بقرا الصلاة على الحبيب في كفي واقوم بعدها أتكرّف الشذى حقها بقوم نصيييييح!
وامرأة تأبى دفع فحص المختبر قائلة : انا ما بقّولك ما عندي، أيا عندي قروش، لاكين بدور أجيبّهم لي بتي طاعميه!
في اللحظة ديك، لا تعرف المسجلة أن تغضب أم تضحك!
شكراً لرفقة أصدقائي هناك، في المركز الذي يصير منفى ووطن في ذات الوقت، شربنا النسكافيه والقهوة وشاي الجيران، تدفعنا على البقاء أشياء مضحكة وساخرة وقاسية!
ثم نتحسس الحياة، بتلك القلوب الأليفة بصورة متغرّبة عن الحياة!
هنالك رأينا من الإيمان ما رأينا، ومن المحبة ما رأينا، تقودنا الأزقة وأمامنا شباب وشيب يذهبون للزراعة، والنساء للويقود وحصاد الحقول، هنالك، يستيقظ الجميع للفجر، حالمين بإيراق الحواشات والحصاد المبارك!

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *