‫الرئيسية‬ مقالات لماذا تماطل البرهان عن الوصل إلي جدة؟
مقالات - 30 سبتمبر 2023, 16:18

لماذا تماطل البرهان عن الوصل إلي جدة؟

عبدالرازق أنقابو
في خضم توقع عملية استئناف المفاوضات بين الجيش والدعم السريع والهمس الدائر حول مدي وصول قيادات طرفي الحرب في السودان – البرهان وحميدتي الي مدينة جدة، نعتقد ان عدم وصول البرهان تحديدا ليس مرهون بظهور حميدتي او عدمه، لأنه في حال عدم ظهور حميدتي، فان بإمكان الدعم السريع ارسال من ينوب عنه حتي لا يكن الأمر عقبة أمام استئناف التفاوض! ولو كان الأمر المعني هو تحقيق السلام المنشود بغض النظر عن حضور حميدتي ام لا، لكان حضر البرهان بنفسه إلي جدة منذ الأسبوع الأول من خروجه من البدروم، بل وحتي قبل سفره لمخاطبة الجمعية العامة بنيويورك!
فتماطل البرهان عن المجيئ إلي جدة التي قطع بأنها المنبر الأوحد عنده وكونه لم يصلها وقد مضي علي خروجه من الحصار المضروب عليه ما يزيد عن الشهر، ليدعنا نتساءل علي اي وجهاته بل وجوهه الثلاثة خرج، وهي بالاحتمالات الآتية:
اولا: هل خرج البرهان باعتباره جيش – قوات مسلحة كما هي علي عقيدتها الوطنية القومية؟ هذه الوجهة لها حساباتها مع الكيزان تحديدا، ليس بسبب انها تعني إدارة للظهر للحركة الإسلامية والانقلاب المتوقع عليها، بل إنما في موافقة الجيش المحتملة علي دخول قوات اممية للسودان وهي حتما ما يرفضها تنظيم الاخوان! وهنا لو ان البرهان خرج عسكريا صرفا كما اعلن عن ذلك في اول لقاء له بالجيش بقاعدة فلامنجو بالبحر الأحمر، فإن المتوقع منه كأولوية قصوي هو الجنوح لخيار السلام، لإيقاف الحرب التي ارهقت الجيش قبل المواطن المكتوي بنيرانها والمنتظر بحرارة انهاؤها اليوم قبل الغد! أما اختيار البرهان الاستمرار في خيار الحرب عبر تلك المطالبة المجانية التي تضمنها خطابه بالجمعية العامة بدخول قوات أجنبية للسودان، فستبقي وصمة عار في جبين جيش وطني يهمه حفظ كرامته بالتوصل لسلام مع خصمه، بدلا من اهانته أمام خصمه باللجوء للاستعانة بقوات دولية أو اقليمية أو من بلد جاور حتي! ولعل هذه الازدواجية، هي ما تؤكد حقيقة هيمنة دولة ٥٦ علي جيش مسخر لتحقيق اهدافها لا اهدافه الوطنية التي بني عليها! عليه، ان لم نشهد انقلابا علي البرهان وهو يطالب بهكذا تدخل، فهذا يعني انه لا وجود لضباط احرار بالقوات المسلحة السودانية يكون خيارها حفظ ماء وجهها اولا ثم التوصل عاجلا لاتفاق سلام ينهي هذه الحرب العبثية المفروضة “جهويا” علي الجيش السوداني، ام؛
ثانيا: خرج باعتباره حركة إسلامية وهذه لها حساباتها مع الجيش نفسه في حال استقلاله بقراره وارادته، وكذا لها ردات فعلها مع الشعب السوداني نفسه، والمجتمع الدولي بأسره، وخاصة دول الجوار الإقليمي التي يهم كثير منها حظر تنظيم الاخوان واعلانه تنظيما إرهابيا، ام انه؛
ثالثا: خرج باعتباره دولة ٥٦، وهذه لها التزاماتها بمواصلة القتال، كالتزام جهوي لا وطني تم الوعد به، بحجة إنهاء وجود الدعم السريع من الوجود! فخيار مواصلة الحرب له ردات فعله السلبية مع الشعب السوداني اولا والمجتمع الدولي ثانيا، لكنه بالمقابل له حوافز إيجابية مع احدي دول الجوار التي تتهيأ الإذن، للمخاطرة بوضع احد الأقاليم المجاور لها، تحت وصيأتها (حمايتها)، لقطع الطريق امام اي محاولة انقلاب او عملية اغتيال محتملة ضد البرهان، بسبب موافقته بعملية تدخل اجنبي محتمل بشمالي علي وجه الخصوص! فهذا التدخل الأجنبي او الحماية القطرية المحتملة، تؤكد علي أن الحركة الإسلامية والقوات المسلحة معا، تقع جميعها تحت قيادة دولة ٥٦، التي لا يهمها سوي المحافظة علي ارثها بالبقاء في السلطة اولا، او المحافظة علي امنها الجغرافي كآخر خيار عندها (as a last resort )، نحسب انه سيضع السودان في مفترق طرق، بين ان يكون أو لا يكون!
وبقراءة اولية لتحديد ما اذا كان البرهان خرج عسكريا صرفا، ام خرج كوزا اخوانيا، ام انه دولة ٥٦، فان اتجاهات طبيعة اللقاءات الخارجية التي اجراها بداية بلقائه السيسي بالعلمين، ثم زيارته الفورية لجنوب السودان وكينيا وارتريا، ثم قطر وتركيا الاسلامويتين، إلي الانتهاء باللقاء المحتمل بنتنياهو بمدينة نيوم السعودية اول أمس، كلها تدلل علي ان البرهان لا يزال يراهن علي خيار الحرب (كدولة ٥٦)، بسعيه اولا للتضييق علي الدعم السريع إقليميا، وطلبه الإمدادات العسكرية المطلوبة لحسمه عسكريا! لذا نجده غير مضطر لمقابلة حميدتي بجدة، وهو في قرارة نفسه لا ينوي التوصل معه “شخصيا” إلى سلام، هو ليس اولوية عنده! فحقيقة هذا التهرب نجدها ماثلة في تلك الحجة وهو يقول من عند نفسه، كيف يقابل الشعب السوداني في حال جلوسه مع حميدتي والتوصل معه إلي سلام، دون استرداد حقوق الشعب المنهوبة وحقوق الدولة المسلوبة؟ هذه المناورة التهربية، إنما قصد البرهان بها، خلق اجماع جماهيري واستفتاء شعبي، يروج لرفض الحوار جملة مع الدعم السريع، وقد تم التمهيد لذلك بلغة: ديل ما بشبهونا (RSF and their affiliates are aliens, NOT SIMILAR TO US)، ذلك بإلماح البرهان نفسه وترويجه بأن الجلوس مع حميدتي، قرار شعبي ليس بيده، وهو لا يملك ما يقوله لشعب يطالب بإعلان الدعم السريع تنظيما إرهابيا، بل ومحاسبته علي كل ما ارتكب من جرائم نهب وسلب وتخريب واغتصابات (فات عليه ذكر السبي)!
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه، وكل “البلابسة” يقولون بمقتل حميدتي منذ ١٧ مايو ٢٠٢٣م ودفنه تارة بشرق النيل وتارة اخري بأم القري شمالي مدينة نيالا، لماذا لا يفاجئ البرهان الجميع بحضوره مسبقا لجدة، ليقول ها انذا هنا حضرت لأجل السلام ف: اين حميدتي؟ وهنا للمناسبة، والبرهان يرد في لقاء صحفي معه، عن مدي جديته للسفر الي جدة للتوصل إلي سلام، فقد رد للصحفي بذات التساؤل: اين حميدتي؟ بمعني فكيف له السفر لمقابلة ميت! فهل فعلا انه ميت من دلالة هذا التساؤل؟ أم انه قصد التهرب من الإجابة، استجابة لما يضمر في نفسه لمواصلة الحرب – إنهاءا لوجود الدعم السريع!
في كلا الحالتين – مات حميدتي ام انه حي يرزق، فان الدعم السريع هو أعلم بحال قائدة حيا أو ميتا! وهنا ان اخذنا بإشاعة مقتله وقوات الدعم السريع لا تزال متماسكة تقاتل في الميدان، فهذا دلالة علي مدي تماسكها وجاهزيتها نفسيا لهذه الحرب – تطول او تقصر، واما إن ظهر حميدتي حيا، فهذا يعني ان الدعم السريع يقاتل في حرب ربما نستمر لسنين كما هي الحال في ليبيا! لكن بين هذين الحالين اللا محسوم امر أحداهما مخابراتيا، والشعب السوداني باسره مغيب عن حقيقة حياة حميدتي، وتركه ضحية يتناقل إشاعات مقتل حميدتي … كل بروايته ومصادره، دون ان يصدر الناطق الرسمي للقوات المسلحة بيانا عن ذلك لهذا اليوم، فهذه في الواقع جريمة بحق الشعب، الذي من حقه مطالبة البرهان بفصل القول عن حقيقة الحرب الدائرة وحقيقة ما يشاع فيها عن قتل الجيش لحميدتي، خاصة والبرهان نفسه قد لوح بذلك!
عليه، فإنها لخيبة امل كبيرة للشعب السوداني، ان يكون معوما ومغيبا عن حقيقة الحرب الدائرة ومالاتها، ويصير ضحية لإشاعة تركت ليتسلى بها بريئا مغيبا، وهو لا يملك دليلا علي ما يقوله فيها! ولعل جريمة هذا التغييب المقصود، لا تقتصر في خلقها انقسام بين الشعب الواحد، بل في زيادة مستوي حالات التندر بين من هم مغيبون ومن هم صاحون غير مغيبين، وما لذلك من انعكاسات سالبة وخطيرة علي تماسك النسيج المجتمعي من جهة أخري! ففي المقابل، نجد ان الطرف الآخر “الغير مغيب من الشعب” – يتساءل هو الآخر وغيرهم ممن هم مهتمون ومتابعون لتطورات الحرب في السودان، عن كيف لقائد عام لجيش دولة بأجهزة مخابراته وأمنه، أن يتساءل هو نفسه كتساؤل اي مواطن عادي – بقوله: (أين هو .. ويعني حميدتي) حتي يتم الجلوس للتفاوض معه؟
دلالة ذلك التساؤل الساذج بغض النظر عن كونها تكشف عن عدم المهنية وما صحبها من لا مسؤولية حول عدم اصدار بيان عن حقيقة حياة حميدتي، إلا أنها تؤكد من جهة أخري – من عدم قطع الشك عن حقيقة مصير حميدتي، وقائد عام الجيش في ذات الوقت لا يدري عنه شيئا، لتؤكد للشعب المغلوب والمجتمع الدولي، ان هذه الحرب التي قرر الجيش السوداني خوضها، لم يكن مستعدا لها، بل ولا يملك المعلومة الاستخباراتية الكافية للتقرير بشان خوضها وغير ذلك! وهنا ان كانت القوات المسلحة علي دراية بحجم ومستوي جاهزية الدعم السريع العسكرية والنفسية للحرب، لما اخطات تقديراتها وتجهيزاتها لمقاتلة الدعم السريع، وصرحت بثقة تامة بالقضاء عليه في حدود ال (٧٢) ساعة لا غير!! عليه، فكون الشعب يعيش علي التضليل والتخدير، فهذا جرم من قيادة لا تستحق القيادة، وهي لا تعلم حقيقة عدوها الذي اختارت أن تقاتله في عقر عاصمة بلدها، حتي دمرها القصف بالمدفعية الثقيلة والضرب بالطيران بلا هوادة!
عليه، فالإجابة عن تساؤل البرهان وهو لا يعلم شيئا عن حياة حميدتي، إنما تؤكد علي أن قرار الحرب، كان مبني علي معلومات خاطئة، كخطائه وهو لا يعلم بحقيقة وجود حميدتي ليس في كوكب الأرض ولا في السودان بل فقط بحدود العاصمة الخرطوم! وختاما، فما يمكن قوله بشان حقيقة حياة حميدتي، فإن أمرها متروك لقوات الدعم السريع! الا ان ترك امره مقتله إشاعة تسري بين المغبيين، فإنها جريمة بحق الشعب تم تركها ليتحمل وزرها الشعب المغيب ويكون قادة الجيش الكيزان في السليم، حال ظهور حميدتي بجدة أو بغيرها!
ختاما، ان مصداقية الدولة في هذه الحرب الدائرة تقع علي مسؤولية القائد العام الذي هو البرهان نفسه، وهو متوقع منه نفي او إعلان بيان مقتل حميدتي، كما حدث من اعلان في مقتل خليل إبراهيم، وكما أعلن في مقتل ابن لادن وابوبكر البغدادي. والسؤال يظل عالقا، لماذا لم يعلن الجيش السوداني عن حقيقة مقتل حميدتي ان هو حقيقة قد قتل! .

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال