
الثقب الأسود في العقل الأسود واجتماع الأحد في فندق روتانا
عمر الحويح
شاهدت فيلماً ذكياً، تقارب مدته، ثلاث دقائق لا غير، ولكن هذا الفيلم مع قصره البائن فاز بعدد من الجوائز العالمية وعنوان الفيلم “Black Hole” وهو من انتاج السينما البريطانية. يتمحور موضوعه حول الجشع البشري، يُذهِل المشاهد بنهايته الصادمة، هذا ثقب الجشع الأسود في دماغ البشر وإن كان ليس كل البشر. لنرى ماذا يقول الفيلم، رجل بكامل أناقته، يقف أمام جهاز التصوير في مكتبه، لتصوير بعض المستندات، يكتشف في لحظة ما، أن غطاء التصوير الأعلى، وفي دائرته السوداء العلوية لعكس الضوء، حين يضع يده عليه، ليحكم الصورة، أن يده تدخل بكاملها في عمق الجهاز ، أذهله ذلك، أدخل يده مرة ومرات، نفس التبجة يده بكاملها في عمق الجهاز، أطلق الغطاء من الجهاز، وفكه صامولة صامولة من الجهاز، وحمله إلى باب مكتبه، ألصقه على جدار الباب، وضع يده على الدائرة السوداء في الغطاء، فإذا بها تتوغل إلى خارج الباب، مما مكنه ذلك من فتح مكتبه من الخارج. اندهش من هذا الأمر، حمل الغطاء إلى دولاب مكتبه، ثبته على جدار الباب، إذا بيده بكاملها داخل الدولاب تعبث بكل محتوياته، فكر وقدر ما هي الفوائد التي يمكن جنيها، من وراء هذا الثقب الأسود، وما سيأتيه من ورائه من ثروات. لم ينتظر كثيراً، خطر في ذهنه مباشرة، خزانة الشركة الضخمة التي تحتوي على مليارات العملات، ورزم رزم من سبائك الذهب، وبدأ عمله فوراً، جعل يخرج كل ما أمامه ، وهو ممسك بيده الأخرى ، غطاء الثقب الأسود ، ملتصقاً بالخزانة ، ولكنه يريد المزيد ، لم يكتف ماجمعته يده الواحدة ، فأدخل يديه الاثنتين ، وعندها نفذ من الغطاء سحره ، فانقفلت الخزانة ، وانجذب جسده بالكامل داخلها ، وانغلق بابها عليه ، وهو داخلها ، وأخذ يطرق بابها من الداخل ، ولكن .. لا من مجيب ولا من سميع . قال لنا مخرج الفيلم ، ذي الدقائق الثلاث ثم صمت الفيلم ، ترك لنا المخرج النهاية المفتوحة ، لنستنتج أن هناك ثقباً أسود في أمخاخ البشر الجشعة ،كما يوحي لنا اسم الفيلم . ذكرت تفاصيل هذا الفيلم لأني لم أبحث كثيراً ، أو أتلفت كثيراً حتى أوصلتني هذه الدقائق الثلاث، إلى ما رأيته عياناً بياناً ، في الواقع الذي أمامي، هؤلاء الموجودون ، أصحاب موز القصر ومحاشيه ، ومن رافقهم في ترحالهم الإنقلابي وهم حضور ، في اجتماع فندق رويال ، المؤجل بأمر الثورة ، بدعوة من الثلاثية ، لإنجاز مشروع ، إنقاذ البلاد وإخراجها من منزلقها الخطر ، كما يتوهمون ويهضربون ، فمن هم هؤلاء الناس بما فيهم أفراد الثلاثية ، الذين يتوحدون ويتفقون جميعهم في رؤياهم ورؤاهم وحتى في نواياهم ، وهم يمثلون العقلية الرأسمالية الجشعة والمتوحشة التي لاتشبع. أنظروا اليهم جميعاً تجدونهم ، من ظلوا ومن جاء بعدهم ، هم الذين أفرغوا خزائن السودان ، من المال ، وما خف وزنه وغلي ثمنه ، بما فيها الأرض وما عليها من موارد ، وسبل انتاج يسيل لها لعابهم ولعاب العالم ، ولم يستثوا حتى بشرها الغلابة ، وقضوا زمانهم كله ، في قتلهم وإبادتهم . انتظروهم بعد 30 يونيو ، أو حتى بعدها ، سيغلق عليهم شعب السودان ، شبابه وشاباته ، أطفاله وشيوخه ، هذه الخزانة المفتوحة لهم كانت طيلة سنواتهم الإسلاموية ، البشعة والجشعة ، وبفعل الثقب الأسود في عقولهم الخربة المدمرة للوطن ، وسوف يحتجزوا ، كما الفيلم المسرودة تفاصيله أعلاه ، داخل الثقب الأسود الذي أوصلهم إلى نهايتهم المحتومة ، وسيطرقون بعدها أبواب قبورهم . ولا من مجيب ، ولا من سميع . ومخير الله على هذه نهاية يستحقونها .