
الانقلاب.. يلفظ آخر أنفاسه
ازداد وضع الانقلابيين تعقيدا بعد أن باءت كل وصفات داعميهم من المخططين والمناصرين بالفشل. يكفي أن حوارهم الداخلي فشل بأمر الثوار لتفشل آخر محاولة لشرعنة الانقلاب والخروج من المأزق الاقتصادي والأمني والسياسي الذي أدخلوا البلاد فيه برعونة وسوء تقدير وتبني رغبات الفلول والانتهازيين. مع وضوح مآلات الانقلاب بدأ يعلو صوت قوي الظلام التي تعلم جيدا أن هذا السقوط هو ليس الثاني فقط بل والأخير. هم ليسوا على استعداد لتقبل أن سودان اليوم قد تخطى مستوى تفكيرهم الذي تحنط ثلاثين عاما في محطة البشير والقبضة الأمنية واللعب بشعارات دينية تستهدف العاطفة الشعبية لتمحوها أفعالهم ولا يجدون غير الإنكار والتعالي ملاذا. ثورة ديسمبر أسقطت نظاما دكتاتوريا كامل الدسم كان يمتلك القوة العسكرية والأمنية وصولا إلى علماء السلطان وتراجعت كلها تحت وطأة ضغط الثورة السلمية التي لم تنكسر ليذهب هذه المرة البشير إلى كوبر حبيسا مع بعض أفراد عصابته وليهرب من أمنت له اللجنة الأمنية سبيلا إلى المنافي. برز إلى السطح من يمكن تسميتهم بالصف الثاني أو الثالث من الإنقاذيين عسكريين كانوا أو مدنيين، وبرزت معهم عيوب التنظيم التي كانت تداريها السلطة بقبضتها الأمنية والعسكرية ليثبت هؤلاء عقم التنظيم، ويحاولون بذات نمط التفكير العودة إلى السلطة عبر الانقلاب مرة ثانية دون تفكير في الواقع قد تغير كثيرا وأنهم يواجهون جيلا مختلفا تماما عن الأجيال التي سبقته وها هو وبعد ثمانية أشهر يوقف الانقلاب ويجعله عاجزا حتى عن تشكيل حكومة من المدنيين الذين زينوا للعسكر أنهم يضمنون لهم النجاح وفرض سلطة الأمر الواقع التي سيرضخ لها الداخل وسيتقبلها العالم فرفضهم الداخل وعزلهم الخارج وصار تصحيح العسكر المزعوم وبالا عليهم ليحاولوا الخروج كل مرة من كارثة بكارثة أكبر. إذا كان الغراب دليل قوم فلا فلحوا ولا فلح الغراب أما من فكر و لا زال يفكر للبرهان وحميدتي فقد ألقى بهما وسط ما يفوق مقدراتهما كثيرا جدا، وهما الآن و بقية لجنتهم لم يتبق لهم سوى البحث عن مخارج آمنة تتناقص في كل يوم يزداد فيه عمر الانقلاب. تحركات البرهان وحميدتي السابقة تجاه إسرائيل وروسيا في محاولات لصنع حلفاء عالميين والتي بدأت قبل الانقلاب واستمرت بعده لم يجنيا منها سوى الوقوع في تقاطعات دولية معقدة كانت سلبية تماما، كون الرجلين حركتهما مصالح شخصية ترافقت مع كون الرجلين فاقدين لأي مقدرات أو خبرات سياسية فقط لديهما القابلية لتنفيذ ما يظنان أنه يمكن أن يحقق تلك المصالح. الآن هما بين مطرقة الداخل و سندان الخارج. نسأل الله أن تكتمل نهايات الانقلاب بسلام على البلاد وأن لا تدخل في دوامة عنف جراء مغامرات العسكر وفلول النظام البائد والانتهازيين القدامى والجدد.