‫الرئيسية‬ مقالات مفاوضات الترويكا وورطة العسكر
مقالات - 10 يونيو 2022, 7:26

مفاوضات الترويكا وورطة العسكر

بقلم: علي مالك عثمان
*******
(١-٦)
العامل الحاسم في تقديري الذي أَفشَـلَ انقلاب الـ ٢٥ من أكتوبر، وجَعَـلَ العسكرَ غيْرَ قادرين على تسيير أمر البلاد، هو عدم وصول المساعدات المالية التي كان يَظنُّ العسكرُ أنها ستصلهم بمجرد إعلان انقلابهم، بعد أن وَعَـدَتْهُم بذلك دولٌ إقليمية، شجَّعتهم على الانقلاب، ومَنَّـتْهُم الأمانيَّ. وذلك لأن العسكر لو كانوا حصلوا على هذا الدعمَ الماليَّ، اللازمَ لهم لإدارة شؤون البلد، ما كانوا ليبحثوا عن توافقٍ لهم مع قوى مدنية، ولكانوا أحكموا القبضة على مفاصل الدولة، وحَكَموا في ديكتاتورية كاملة الدسم، شأنهم في ذلك شأنَ أنظمةٍ مماثلة، في دولٍ من حولنا. بالطبع هناك أيضاً عواملَ أخرى لا تقلُّ أهمية، أدَّت هي الأخرى لفشل الانقلاب، منها رفض الشارع له، واستمرار حراك شبابه، ووضوح نوايا العسكر ومن يقف خلفهم من قوى محلية وخارجية، وتفاقم الوضعيْن الأمني والاقتصادي.. و.. الخ.

(٢-٦)
عدم وصول المساعدات المالية للعسكر عقِبَ الانقلاب كان بسبب الوقفة القوية جداً التي وقفتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورفضِها الكاملَ للانقلاب. هذه المقاطعة الأمريكية سببها جزئياً يعود للرفض المبدئي للإدارات الديمقراطية الاعترافَ والتعاملَ مع أيَّ انقلاب عسكري، ولكن بصورة أساسية تكمن أسباب الرفض الأمريكي في الروابط القوية التي تجمع بين الانقلابيين، خصوصاً حميدتي، ودولة روسيا الاتحادية وتابعتها شركة فاغنر الروسية، خاصة وأن تلك الشراكة تعززت جداً في الفترة التي تلت سقوط البشير. بالتالي التَّدَخُلَ الأمريكي الكثيف الآن في الشأن السوداني هو في حقيقته صراع قوى دولية.

(٣-٦)
العسكر ظلوا سبعة أشهر عقب الانقلاب يحاولون عبثاً، وبكل السبل، إيجاد قاعدة مدنية موالية لهم، يخدعون بها الخارج، ويستجلبون منه الدعم والمدد، ولكن عندما أُسقِط في أيديهم، وأيقنوا استحالة خداع الخارج، لأنه مُلِم بكل تفاصيل المشهد، وبصورة أفضلَ منهم، أيقنوا فشل انقلابهم، وبدأوا في إطلاق الصراخ، ورفع أصوات الاستجداء والتَّـوسُّـل للمدنيين الذين انقلبوا عليهم أَنَ الغوثَ الغوثَ، وتعالوْا نجلسَ سوياً مرةً أخرى لتكرار مسرحية الشراكة.

(٤-٦)
في ظل هذه الورطة المتفاقِـمة التي أَدخلَ العسكرُ فيها أنفسَهم عقب الانقلاب، تأتي مفاوضات اليوم التي ترعاها ترويكا الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والايقاد، والتي انطلقت بفندق السلام روتانا بين العسكر ومجموعات المدنيين الموالين لهم، والذين شاركوهم – أو على الأقل أيَّـدوا – انقلابهم. وبالتالي هذه مفاوضات أقرب ما تكون “للمونولوج Monologue “، والذي يتحدث فيه الشخص مع نفسه، لأن العسكر يتحاورون فيها مع أطراف كانت على الدوام، طوال الفترة الماضية، موالية لهم، بل نستطيع أن نقول إن العسكر هم الذين صنعوها وفرضوها على المشهد. لذا هذه المفاوضات، في تقديري، محكومٌ عليها بالفشل من قبل أن تنطلق.

(٥-٦)
الواقع السياسي الذي سيتمخَّض بعد انفضاض سامرَ هذه المفاوضات الفاشلة في تقديري سيكون خيرًا كبيراً لثورة الشعب السوداني ومجاهداته في سبيل ترسيخ مبادئ الديمقراطية، ومَدَنيَّة الدولة. ذلك لأنه سيَحْدُثُ بعدها فرزٌ كبير بين القوى المؤيدة للتحوُّل الديمقراطي الحقيقي، والداعمة له ولثورة ديسمبر المجيدة بكل صدق، وبين القوى المدنية المؤيدة في باطنها للعسكر، والتي تدَّعِي زوراً وكذباً ولاءها وتأييدها لثورة ديسمبر، وسيعرف عندها الشارع الثوري مَنْ معه، ومَنْ عليه بكل وُضُوحٍ وبيان. أيضاً سيدرك الخارج، وخصوصاً دول الإقليم، أن قوى إعلان الحرية والتغيير، ولجان المقاومة من شباب الثورة أصبحوا رقماً سياسياً في المشهد، لا يمكن القفزَ فوقه أو الالتفافَ عليه. وعليهم بالتالي التعامُلَ معه بكل الجديَّة، واعتباره ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوداني. وهذا يفرض على هذه القوى الثورية التَّـوحُّـدَ خلفَ برنامجَ حدٍّ أدنى من المشتركات الوطنية، والحلول العملية، التي تخاطب جذور الأزمة، وحقيقة الاستعصاء، وتأخذ في الحسبان تعقيدات المشهد داخلياً وخارجياً، وتقديمها، مِنْ ثَـمَّ، للشارعِ لنيْـلِ مباركته لها، وتصدُّرِ قيادةَ نضالاته في الفترة القادمة.

(٦-٦)
أيضاً من النتائج التي يُـتَوقَّع أن يتمخَّض عنها مشهد مفاوضات اليوم، بعد انتهائها على غيرِ هُدىً كما هو مُنتظَر، هو اتضاح حقيقة المشهد كاملةً وناصعةً لقبيلة العسكر، وهي أن هذا الشعب السوداني لن يُحكَم بعد اليوم بديكتاتورية عسكرية، سواء كانت ظاهرةً أو مستتِرة، وأنه من الخير لهم الانخراط في تفاوضٍ حقيقيٍّ، يُناقش جذور الأزمات الحقيقية، وأصول الصراع، كما يناقش هواجسهم ومخاوفهم المسكوت عنها، والمكبوتَةَ داخل صُدُورهم، والتي كانت تُحرِّكُ وتَحْكُمُ كل تصرفاتهم وأفعالهم خلال الفترة الماضية، وأنه لا يُجدِي بعد الآن الاستمرار في ممارسات التسويف والخداع وشراء الوقت، أملاً في الإفلاتِ من جرائمَ لا يملكُ أحدٌ غيرَ هذا الشعب، وأولياء دماء شهدائه الأبرار، أن يُقرِّرَ فيها، أو محاولةً للتستُّرِ على أموالٍ وامتيازاتٍ وشركاتٍ لن يتعافى، مع استمرارِ وجودها، حال اقتصاد البلد، ولن تنجح كل محاولات إصلاحه. كما أن عليهم أن ينخرطوا، وبصدقٍ، في مناقشةِ الوضعِ السياسيَّ الأمثلَ للقوات المسلحة في الخارطة السياسية القادمة، بعيداً عن التَّدخُّلِ في العمل السياسي المباشر، بما يحفظ لهذه القوات هيبتها وحيادتها وقومتيها، ويجعلها مُحترمةً ومُبجَّـلةً عند كل سوداني وشريف.. والسلام.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 4.5 / 5. Total : 2

كن أول من يقيم هذا المقال