بدر موسي
‫الرئيسية‬ مقالات رؤية الأستاذ محمود محمد طه تجاه التنمية تثير حراكاً واسعاً (7-7 الأخيرة)
مقالات - 3 أبريل 2022, 2:45

رؤية الأستاذ محمود محمد طه تجاه التنمية تثير حراكاً واسعاً (7-7 الأخيرة)

بدر موسى

“والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشِّر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكيَّة”. (محمود محمد طه، الثورة الثقافية، 1972، ص 17).

حينما يُتخذ التخصص وسيلة للتعالي وأداة لبناء الحواجز والإقصاء

عندما نشر الدكتور قصي مقالاً عن كتاب الدكتور عبد الله: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، وجاء المقال بعنوان: “شجن القضايا الكبرى- التنمية: كتـاب جديـــد ومقــاربـــة جــديـــدة”، (13 أكتوبر 2021)، كان الدكتور قصي مشغولاً بالتخصص، انشغالاً يكشف عن تعال كثيراً ما يمارسه المتخصصون العاجزون عن المواجهة، أو يمارسه أولئك الذين يرون بأن مجال تخصصهم عصي على غير المتخصصين فيه، وهذا وهم عند المتخصصين، وهو وهم مترع بالتعالي، ومفعم بنقص العلم، وفي هذا تقول الفكرة الجمهورية لكل مشغول بالتخصص، بأن التخصص حجاب، ويسد الأفق، كما سيرد التفصيل أدناه. كتب الدكتور قصي في صدر مقاله: “وهذا الكتاب يعتبر ضمن سلسلة مؤلفات لصاحبها الباحث المحقق، عبد الله الفكي البشير”، وغني عن القول عن أن مفردة “المحقق” تذكر بتخصص عبد الله في مجال التاريخ. وأضاف الدكتور قصي، بعد أن تحدث عن الكتاب، قائلاً: “من ناحيتنا، ومن باب المعرفة والدربة المعقولة بمجال دراسات التنمية، يمكن أن نقول…”. ومن ناحيتي لم أر عجزاً في الدربة ونقصاً في العلم بالتنمية أبرزته مقارنة عبد الله في كتابه آنف الذكر، مثل عجز المتخصصين في التنمية من الجمهوريين تحديداً، ومن الدكتور قصي بصورة أدق في التحديد. فقد جاء الدكتور عبد الله، الدارس للتاريخ، و”الباحث المحقق” كما وصفه الدكتور قصي، بما فات على المتخصصين، وسد فراغاً في دراسة التنمية في فضاء الفكرة الجمهورية، وقد ظل هذا الفراغ على مدى عقود، وظل بيننا متخصصون في التنمية والاقتصاد من الأكاديميين وغير الأكاديميين، وكان أحدثهم وآخرهم حتى يوم الناس هذا، هو الدكتور قصي. لقد زلزل كتاب عبد الله الأرض تحت أقدام أهل التخصص في التنمية والاقتصاد من الجمهوريين، وبدلاً من التعلم من مقارنة عبد الله، وإعادة النظر في موقفهم من رؤية الأستاذ محمود الشاملة تجاه التنمية، قرر الدكتور قصي المتخصص في التنمية استلاف فكرة عبد الله، دون الاعتراف بالفضل له، أو إعطائه ميزة الذكر في مساهمته (يوم 11 مارس 2022)، لإجراء المقارنات بين أمارتيا سن وآخرين في التنمية ولم يكن من بينهم الأستاذ محمود محمد طه. وإنما أشار في ختام خاتمة مساهمته فكتب قائلاً: “ثم لدينا بعد ذلك مقارنات أخرى وشخصيات أخرى (مثل التلاقيات الكثيرة، المثيرة للاهتمام، بين نيريري ومحمود محمد طه في قضايا اجتماعية واقتصادية شتى”.
هنا أستميح القراء عذراً في أنني سأعيد محوراً كنت قد نشرته ضمن مقال سابق، وهو محور، في تقديري، جدير بإعادة النشر، كونه يخاطب وهم التخصص وهو وهم كبير جاء به العلم التجريبي المادي وعمقه في العقول، وينسف المحور، كذلك حجة كل معتقد بالتخصص من الجمهوريين والجمهوريات، وأول هؤلاء الدكتور قصي، وكل من وردت الإشارة إليه في المحور أدناه.

التخصص حجاب ويسد الأفق: إن الله يجتبي ويعلم بما يفوق تصورنا
وماذا عن تقصير المتخصصين في التنمية والاقتصاد تجاه رؤية الأستاذ محمود أو حينما لا يرونها؟

“كتب القراي، قائلاً: “وقد يقول قائل إن الأخ د. عبد الله لم ينقد أفكار بروفسير أمارتيا لأنه غير متخصص في الاقتصاد أو التنمية، ولم يدرس العلوم ذات الصلة بهما، مثل العلوم السياسية أو علم الاجتماع. فهو قد درس التاريخ فقط، وتخرج فيه من جامعة الخرطوم عام 1999م، وحصل منها على الماجستير في التاريخ عام 2005م، والدكتوراة عام 2017م. ولكننا لم نطالبه بنقد متعمق، وإنما كان يكفيه من باب الحياد الفكري، أن ينقل نقد علماء الاقتصاد المتوفر لكتاب بروفسير أمارتيا”. هذا حديث لا يصمد أمام رؤية الفكرة الجمهورية تجاه العلم والتعليم والتعلم. فالعلم لا يأتي عبر الدراسات التي أشار إليها القراي، وهو يعلم ذلك جيداً، ولا أحتاج لتذكيره، والحق أنه ليس بالضرورة التخصص. فالأستاذ محمود يقول التخصص حجاب، والتخصص يسد الأفق. والقراي كتب عن عبدالله، قائلاً: “فهو قد درس التاريخ فقط”. والحق أن دارس التاريخ هذا، قد أتانا متناولاً لرؤية الأستاذ محمود عن التنمية بما لم يأت به المتخصصون في التنمية والاقتصاد من الجمهوريين. فهل نتهمه بأنه غير متخصص وبس!! وماذا عن رؤيتنا في الفكرة الجمهورية عن التخصص والمعلم ومصدر العلم؟ علينا عدم الاستخفاف بالعقول، وعلينا عدم الحديث مع الناس من علٍ. علينا التواضع.
إن العلوم أصبحت في عالم اليوم متداخلة ومتقاطعة، وكذلك مناهج البحث أصبحت متداخلة، وأصبح هناك ما يسمى بالأنظمة المعرفية المتعددة multi-disciplinary ، ولم يعد التخصص معيقاً في البحث والتمحيص والتنقيب الفكري. ثم هل نرهن تقديم الفكرة الجمهورية بالتخصص؟ وهل التخصص شرط للحديث في الفكرة الجمهورية؟ وهل نظل منتظرين للمتخصصين حتى نقدم الفكرة الجمهورية للعالم؟ ثم ماذا لو قصر المتخصصون في التنمية والاقتصاد من الجمهوريين، وقد قصروا؟! وماذا لو أن المتخصصين في الاقتصاد والتنمية من الجمهوريين لم يروا رؤية الأستاذ محمود تجاه التنمية، كما رآها الدكتور عبدالله؟ والحق يحمد للدكتور عبدالله أنه قام بما قصر عنه المتخصصون في التنمية والاقتصاد من الجمهوريين، فقد سد فراغاً كبيراً. كما لفت نظر المتخصصين في التنمية والاقتصاد من الجمهوريين وغير الجمهوريين لرؤية الأستاذ محمود تجاه التنمية. فالأمر، في تقديري، يتصل بالإذن والتوفيق والمدد لا بالتخصص، وهذا معلوم لدى الجمهوريين ولا أحتاج فيه لتفصيل. كذلك غنى عن القول بان أهم الكتب في الكثير من المجالات، كتبها كُتاب غير متخصصين في المجال، والأدلة على ذلك كثيرة، عالمياً ومحلياً…”.
“لابد لي من الإشارة لما كتبته سابقاً، وهو أمر يتصل بالتخصص ومن واقع تجربة شخصية، فقد أتيحت لي الفرصة لدراسة الماجستير في جامعة أيوا الأمريكية، وهي جامعة مرموقة، ونلت منها درجة الماجستير في برنامج دعم التنمية بالعالم الثالث، Third World Development Support Program، وخلال دراستي في هذا البرنامج وقفت على الكثير من أدبيات التنمية، وأطروحاتها، والتي كانت بمرجعيات فكرية وثقافية مختلفةً، فضلًا عن سياقاتها العالمية والتاريخية، ولم يكن مناخ الاستعمار بعيدًا، ولم تكن كذلك أشواق التحرر بمعزل عن بعض تلك الأطروحات، غير أني لم أجد من الأساتذة الذين درسوني، ولم أجد كذلك مما درسته عن التنمية، ما وجدته في رؤية الأستاذ محمود تجاه التنمية، والتي قدمها عبدالله في كتابه. فلقد قدم عبد الله طرحاً جديداً، جعل من التنمية البوابة الجديدة للفكرة الجمهورية. وجاء ذلك من خلال كتاب قدم طرحاً علمياً ومقنعاً وشيقاً لرؤية الأستاذ محمود تجاه التنمية، وهي، في تقديري، رؤية كانت غائبة عند الكثير من الجمهوريين. لم نكن ندري بأن التنمية، التي هي عند الأستاذ محمود تعني نهضة المجتمع وتحرير الإنسان من الخوف والفقر والجهل والمرض، كانت حاضرة بهذا الوضوح والقوة في كتب مثل: قل هذه سبيلي، والإسلام، وطريق محمد، ورسالة الصلاة، والرسالة الثانية من الإسلام، ولا إله إلا الله، والقرآن ومصطفى محمود والفهم العصري، وتطوير شريعة الأحوال الشخصية، والثورة الثقافية، و تعلموا كيف تصلون،… إلى آخر مما أورده عبدالله في كتابه. وكنا في الوقع إذا ما ذكرت التنمية نستحضر عنوان كتاب الأستاذ محمود: الدين والتنمية الاجتماعية. وكما هو معلوم، فإن لكتاب في الأصل هو عبارة عن محاضرة قدمها الأٍستاذ محمود في السادس من شهر أكتوبر عام 1974، وبالطبع استندت المحاضرة على كتبه التي اشتملت على التنمية بصورة مدهشة وعابرة لفهومنا وتصوراتنا. وهكذا الفكرة الجمهورية، فهي مع كل يوم جديد تقدم لنا ما يفوق تصوراتنا وتوقعاتنا وخيالنا”.
وفي الختام فإنني أدعو نفسي أولاً، والدكتور قصي للتواضع أمام ما يأتينا من جديد من الفكرة الجمهورية، فهي فكرة تنطوي على ما يفوق كل التوقعات والتصورات في مختلف المجالات. وأُذكر نفسي وأخي الدكتور قصي بأن التخصص في رؤية هذه الدعوة، حجاب ويسد الأفق، وطوبى لمن عمل لهذه الدعوة، ولو بأقل قليل، أو كما قال الأستاذ محمود محمد طه في معنى حديثه.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 1 / 5. Total : 1

كن أول من يقيم هذا المقال