‫الرئيسية‬ مقالات حمار الانقلاب الذي وقف عند العقبة
مقالات - 24 سبتمبر 2021, 15:59

حمار الانقلاب الذي وقف عند العقبة

لا وصف أبلغ لحديث البرهان للعربية والحدث من (كلام الليل الذي يمحوه النهار)، فقد محا البرهان على تصريحاته في المدرعات والمرخيات صبيحة الانقلاب المزعوم بـ (الاستيكة) كما يقولون!! في هذا اللقاء الذي يبدو وكأنه رُتب خصيصاً لمخاطبة المجتمع الدولي:

– أصبح البرهان داعماً لمبادرة حمدوك، واصفاً إياها بالطريق الوحيد الذي يقود إلى الأمام، بعد أن انتقدها بالأمس، واشتكى عزله منها، فما الذي استجد بين الأمس واليوم؟!

– لقد أكد خلال اللقاء على استقلالية لجنة إزالة التمكين ووصفها بالمهنية والحيادية، بعد أن كان أكثر المناوئين لها علناً أو خفية، وما فراغ مقعد رئاستها بعد استقالة العطا إلا تأكيداً لذلك، فما الذي تغير بين الأمس واليوم؟!

– لقد امتدح سيادته التطورات الاقتصادية والمجهودات التي أدت لفك عزلة السودان الدولية، وجهود إزالته من القائمة السوداء لداعمي الإرهاب وإعفاء ديونه المليارية. وكلها إنجازات قادتها السلطة التنفيذية، بينما كان حتى الأمس القريب على النقيض تماماً يصف السلطة المدنية بالفشل والانشغال عن هموم الوطن والمواطن، فماذا تغير في أداء السلطة المدنية بين الأمس واليوم؟!

– لقد اعترف بالحرية والتغيير ركيزة أساسية من ركائز الثورة، داعياً لتوحد قواها وبقية القوى المؤمنة بقضايا الثورة، مستثنياً المؤتمر الوطني، بينما كان بالأمس يدعو لتوافق ووحدة مبهمة يفهم أنها مفتوحة للجميع دون معايير أو محاذير، فما الذي استجد بين الأمس واليوم ليضع المعايير ويحدد المحاذير؟!

– لقد اعترف بأن الجيش والقوات الأخرى شريك مؤتمن على الانتقال وفي للعهد والميثاق الذي أقرته الوثيقة الدستورية، بينما كان بالأمس يمد سبابته معلناً أن الجيش وحده من يقود المرحلة، وأنه وحده من يقرر كيفية انتقال السلطة، فما الذي طرأ بين الأمس واليوم؟!

كثيرة هي المتغيرات في خطابه بالأمس لقناتي العربية والحدث، متغيرات تتجاوز حدود الاستدراك لتؤسس للنقيض تماماً؛ فهل نعتبرها مراجعة لانفعالاته غير المبررة يوم (المرخيات)؟! أم تراجع عن خطه الذي سار عليه منذ صبيحة فض الاعتصام؟! أم يا ترى مجرد انسحاب تكتيكي كما تقول الفنون العسكرية؟! أم هل يا ترى مجرد تطمينات للمجتمع الدولي الذى تبارى في دعم السلطة المدنية التي تقود الانتقال، تلك المنظمات الدولية عظيمة الشأن والتي عادةً لا تتعامل مع الحكومة الانتقالية بكافة هياكلها إلا وفق مصطلح Sudan’s civillis -led transition مما يشير إلى مدى التزام تلك المنظمات والمؤسسات بطبيعة السلطة التى يجب أن تقود الانتقال؟!

فهل أراد البرهان إرسال رسالة لتلك المنظمات الأممية والإقليمية صاحبة الصوت و (السوط) الأعلى أنه ما زال على العهد باقٍ؟! أم يا ترى، هي استدارة صغيرة لقطع الطريق على حالة استعادة الاصطفاف الجديد لقوى الثورة التي بدأت تجميع صفوفها حينما انتبهت لخطورة السيناريوهات التي تلوح في الأفق؟!

على السيد البرهان – إن سمح لنا محض النصح الذي لا يتقنه من هم حوله – أن ينتبه إلى أن موقعه كرئيس (لمجلس السيادة و/أو القيادة العامة للقوات المسلحة) لا يحتمل ممارسة مثل هذه التكتيكات الصغيرة غير الناضجة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا السياسي، لأنه يمكن أن يطلق ما يشاء من اتهامات أو تهديدات يتراجع عنها وقتما يشاء.

ما تتركه مثل هكذا (تنويرات) عند عقول وقلوب ضباطه وجنوده ما يحتاج إلى عشرات حلقات التوجيه المعنوي لمحوها وإخماد أثرها السلبي على مجهودات نقل المؤسسة العسكرية من حالة التضداد أو الخصام أو الجفوة مع المشروع الوطني المدني الدستوري إلى حالة التصالح أو الاندغام في ذات المشروع، بحيث تصبح المؤسسة العسكرية إحدى ركائز ذلك المشروع، والذي لن تنهض دولة ما إلا بحل ذلك التناقض.

فهل يعى السيد رئيس مجلس السيادة، قائد عام القوات المسلحة، هذه الضرورة الوطنية التي تتجاوز حتى ما اتفق حوله في الوثيقة الدستورية؟!  لقد وقف حمار الانقلاب عند عقبة التأييد المطلق محلياً، إقليمياً ودولياً، فيتوجب علينا قبل أن يستأنف الحمار مسيره، الاضطلاع بعدة مهام لا تقبل التأجيل أو الاسترخاء، فعلى السيد رئيس مجلس الوزراء (ممثل السلطة المدنية) التي نعاها البرهان، عليه أن يتبع تصريحه اللافت عقب فشل المحاولة الانقلابية الأخيرة عملاً واضحاً وملموساً.

وأعنى هنا إفادته التي تقرأ: “الانقلاب يستدعي مراجعة كاملة لتجربة الانتقال بكل الشفافية والوضوح، والوصول إلى شراكة مبنية على شعارات ومبادئ الثورة، وطريق يؤدي إلى الانتقال المدني الديموقراطي لا غيره”. فما ضر الثورة مثل التراخى إزاء نقض المواثيق والعهود والتعامى عن حقائق الواقع الشاخصة.

أما قوى إعلان الحرية والتغيير، فلا نقول لها: تعالوا إلى كلمة سواء، أو تناسوا خلافاتكم، أو قدموا المعقول من التنازلات. لكن نقول لهم: فقط حافظوا على الميدان الذي تمارسون فيه تلك الخلافات، فإن فقدتموه فسيدخل كل منكم إلى (جحرٍ) يأويه ولكنه قطعاً لن يعصمه من الطغيان الآتي.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال