‫الرئيسية‬ مقالات اتكاءة تراث: الدلوكة من التراث الموسيقي السوداني
مقالات - منوعات - 5 يوليو 2021, 10:57

اتكاءة تراث: الدلوكة من التراث الموسيقي السوداني

مزاهر القدال

السودان قطر عربي أفريقي شاسع المساحة، يتميز بتعدد المناخات  وتنوع الموارد الطبيعية، وتمايز السحنات والعرقيات. هذا الخليط المتنوع  كان له أثر قوي وواضح وفعال في التباين الثقافي وتنوع الإرث الحضاري.

الموسيقى جسر للتواصل الاجتماعي بين الأفراد والشعوب، وهي لغة لا تحتاج إلى ترجمان، وإنما تعتمد على الحس والذوق الرفيع.

التراث السوداني الموسيقى ثر ومتنوع  بالإيقاعات، فنجد كل إقليم له آلات موسيقية وإيقاعات تميزه عن غيره، وكلها مجتمعة شكلت الموسيقى السودانية التي تعتمد السلم الخماسي الموجود في العديد من الدول، مثل: الصين، واسكتلندا، وموريتانيا، وجنوب المغرب، وإثيوبيا، وإريتريا، والصومال.

تاريخ الموسيقى السودانية:

ترجع جذور الموسيقى السودانية إلى ما يعرف في السودان بموسيقى الحقيبة، والتي ترجع بدورها إلى أناشيد المديح الدينية التي كانت منتشرة وسط الجماعات الصوفية منذ ممالك السودان في القرون الوسطى، والتي يمدح بها النّبي محمد وآله والصحابة وأئمة الطرق الصوفية ومشايخها. وتستخدم فيه آلات موسيقية تقليدية مثل الطبول والدفوف و(الطار) وهو آلة أشبه بالبندير المستخدم في شمال أفريقيا للأغراض نفسها، والمثلث، والرق والعصي. وأحياناً يستعمل البخور لإضفاء جو من الروحانية على العرض.

أقسام الآلات الموسيقية في السودان:

الآلات الموسيقية التقليدية السودانية عديدة وإيقاعاتها مختلفة، ويمكن تقسيمها بحسب متخصصين في الموسيقى إلى عدة مجموعات:
 

ذاتية الصوت:

تعتبر الآلة الموسيقية ذاتية الصوت من أكثر الآلات شيوعاً، ذلك لبساطة تكوينها، وسهولة ارتجال العزف عليها، وأشهرها البانمبو، والبيانو اليدوي أو كوندي،  والمثلث، والكأس، والكشكوش.

المجلدات:

وهي الآلات التي لها تجويف يشد عليه جلود الحيوانات (أبقار وماعز) تقرع باليد أو العصا. ومن أمثلتها: النقارة، أبيك، النوبة، الطار، الكيرنق،الشتم، والدلوكة.

الوتريات:

الآلات الوترية يقصد بها الآلات الموسيقية التي تعتمد على الأوتار المشدودة لتوليد الأصوات، ومنها: أم كيكي، الهارب، (وعند أهل دارفور تسمى الكروبي)، اللير.

الهوائيات:

وهي تلك الآلات التي تصدر الصوت عن طريق النفخ فيها، ومثال  لها: المزامير، الزمبارة، الكيتا، القرون، الأبواق (أبواق الوازا، أبواق الكانقا).

الدلوكة:

الدلوكة  آلة إيقاعية شعبية سودانية تراثية، ارتبطت بالغناء الشعبي منذ القدم، تنتشر في مختلف أرجاء السودان خاصة الوسط. ويتم صنع جسمها المخروطي الشكل المجوف بفتحتين من الطين الأخضر (اللبن)، تغلف إحداها بجلد الأغنام، وهي الجانب الذي يعزف عليه بالضرب بكف اليد اليسرى واليمنى، وأحياناً مع الضرب بكوع أو بوع اليد.

تاريخ الدلوكة السودانية:

ظهرت آلة  (الدلوكة) في عهد سلطنة دارفور، والتي تأسست في القرن الثاني عشر الهجري، وكانت تضرب في المناسبات والأعياد، ثم انتقلت إلى أوساط السودان في عهد سلطنة الفونج، يقال إن الهنود أدخلوها إلى السودان، وكانت مصنوعة من الخشب ومكسية بالجلد.
وكان يقوم بالضرب عليها ثلاث من النساء: الأولى هي المغنية، والتي تضرب على الطبل الكبير، والأخريان يضربان علي طبلين صغيرين، وكنهما من فصيلة الطبل الكبير الذي يوضع تحت الأبط الأيسر لحاملته.

كيفية صنع الدلوكة:

تصنع الدلوكة من خلطة معينة من الطين اللبن (الطمي) مضاف له كمية من القش لتشكل خلطة تشبه الفخار، تشكل تلك الخلطة على شكل جسم مخروطي مفتوح الجانبين يشد جلد الماعز، وذلك بعد سلخه ودبغه بالملح على إحدى الفتحتين. وبعد شد الجلد على القاعدة يلصق ببعض المواد لكي يتم تثبيت الجلد جيداً في هذة القاعدة، وتترك في الشمس لكي تجف، وبعد التجفيف تكون الدلوكة صالحة للاستعمال.

مادة صنع الدلوكة أثقل من الفخار إلا أنها أكثر عرضة للتلف والكسر والتشقق، وذلك لأنها لاتحرق كما الفخار. عند استعمال الدلوكة تعرض على النار أو الجمر، وذلك لشد الجلد الذي يرتخي بفعل الرطوبة، وبالتالي يعطي صوتاً ليس رخيماً، وبعد أن تحمي قليلاً تعطي صوتاً جذاباً قوياً، ولا توضع الدلوكة لفترة طويلة على الجمر، لأن ذلك يعمل على تلف الجلد المصنوعة منه. وتزين الدلوكة برسومات شعبية ترمز إلى أواني الجرتق بألوان زاهية كالأحمر والأصفر على الجلد أو قاعدتها الفخارية لإضفاء بعد آخر لسحرها.

أماكن انتشار الدلوكة:

تنتشر الدلوكة في شمال وأواسط السودان، وفي معظم المدن، وتصاحب غناء النساء ورقصهن، وتستخدم أيضاً في الرقصات التي يشارك فيها الرجال (كالعرضة والدليب). وعموماً إيقاع الدلوكة ارتبط  بإثنية الجعليين: (أهبش الدلوكة خلي الجعلي ينقز ). يصاحب الدلوكة في بعض الحالات طبل صغير يعرف بالشتم.

الشتم:

من الآلات الإيقاعية صغيرة الحجم، وتصنع كما الدلوكة من الطين اللبن، أي الطمي المخلوط بالقش؛ حتى يساعد على تماسكه ولا يحرق بالنار كما يحرق  الفخار، ويشد عليه جلد الماعز أو الضأن ولها صوت حاد.

هنالك أنواع من الشتم أشهرها:

-شتم الصوفية الذي يصاحب النوبة.
-شتم الأغاني وهي آلة تعزف بمصاحبة الدلوكة، صغيرة الحجم، تصنع من الطين اللبن، وأحياناً يطلق عليها (بنات الدلوكة) وتحدث إيقاعاً حاداً.

أغاني  الدلوكة:

ارتبطت الدلوكة في السودان بغناء  (التم تم) ثلاثي الإيقاع، والذي اختصت بأدائه النساء، والاسم (تم تم ) يرجع إلى توأمين اشتهرتا بأداء هذا الضرب من الغناء في مدينة كوستي (وسط السودان).
هذا الإيقاع صاحب أغاني الحماسة، وكذلك أغاني الأفراح التي تعرف شعبياً بأغاني السيرة أو أغاني الدلوكة. هذه الأغاني تؤلفها النساء في مدح شيوخ القبائل وكبارها، وفي الفرسان، خاصة عندما تكون هنالك نزاعات، وأغاني الدلوكة في مجملها تمجد الفروسية والأخلاق النبيلة.

كيفية العزف على آلة الدلوكة:

عند أداء (التم تم) تجلس المغنية على بساط من السعف مفروش على الأرض، وفي هذه الحالة توضع الدلوكة على الفخذ الأيسر، وتحتضن المغنية هيكلها الفخاري بيدها اليسرى، وتضرب عليها بأصابع اليدين معاً عند الغناء .

أما في حالة السيرة تحمل إحداهن الدلوكة على إحدى كتفيها، وتكون الفتحة المغطاة بالجلد متجهة إلى الخلف، حيث تسير المغنية، وهي تضرب عليها عند الأداء، وخلفها اثنتان تضربان على الطبلين الصغيرين، ويكون إيقاع (السيرة) قوياً، لأن الأغاني أغاني حماسة ومدح.

الرقص على إيقاع الدلوكة:

إيقاع الدلوكة يلهب المشاعر بحماس قوي، لذا نجد الرجال يقفزون بمرح وحماس فيما يعرف بالعرضة، أما النساء فيتمايلن كأفرع البان  وهن يقلدن الحمائم في رقصة الرقبة التي تفرد فيها المرأة أيديها، وتخرج شعرها خارج الثوب، وترقص برقبتها كالحمامة، وهي مغمضة العينين.

ظواهر مرتبطة بغناء الدلوكة:

البطان:

الجلد أو البطان من العادات الراسخة عند بعض القبائل السودانية، وهى من الطقوس المصاحبة لمناسبات الأعراس عند تلك القبائل، حيث يتطوع الشباب بالجلد أمام الفتيات والنساء، ويقوم العريس بمهمة جلد المتطوعين بالسياط في ظهورهم، وسط أهازيج وزغاريد النساء، وينتشر البطان بين قبائل الجعليين والمناصير والكواهلة والبدو في شمال السودان، وفي منطقة البطانة شرق الجزيرة.

الشبال:

حركة تلاقي رأسي امرأة ورجل في الدارة  (حلقة الرقص)، تعطي المرأة شبالها للأقارب فقط، وقد كتب فيه  شعراء الحقيبة في الشبال الكثير من الأشعار، وأشهرهم ود الرضي.

ومن أشهر الأغاني التي وصفت الشبال:

عومي يا جدية البراري
نسفي الديس يا خداري
عومي في الدارة وتعالي
أديني (شبال) يطفي ناري

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 5 / 5. Total : 3

كن أول من يقيم هذا المقال