روزمين الصياد ل(مداميك ) : أنا ابنتي وأؤول إليّ
أجراه :الأصمعي باشري
عرف المشهد الشعري السوداني صوتهاح منذ العام ٢٠٠٩ تقريبا؛ عبر منابر إعلامية ومنتديات ثقافية، أسست لمشروعها الشعري عبر لغة وصورة مختلفتين عن السائد آنذاك من أبناء وبنات جيلها، فقدمت كتابها الشعري الأول (إلي رجل قد يأتي)، قبل أن تتلقفها المنافي البعيدة، بعد تخرجها من كلية الصيدلة بجامعة امدرمان الإسلامية، إلي أيرلندا ثم المملكة العربية السعودية، فغاب عن المشهد الشعري السوداني صوت مهم، إنها الشاعرة روزمين الصياد، والتي قالت عن تجربة البداية في حوار لها مع (مداميك) : “كانت مرحلة ضرورية وملحة، كما أيّ طور في أيّ دورة حياة، لا يمكنك تخطيه إلي ما يليه ؛ وحيث أنها لم تجب على كل الأسئلة _واعني تلك المرحلة _ التي لا تنام لاحقا بصورة جنونية وجامحة” وواصلت روزمين سردها حول تلك المرحلة الشعرية من مشروعها: ”
ولكأنك تسأل عن ابستيمولجية الكتابة ، عن الحياة، وعلم المشاعر ،فأنا ابنة سنار و روحها، وابنة الخوف والحيرة والعدم أيضا ، في ذلك الوقت من الزمن السوداني المظلم والداخلي كذلك “،تقول روزمين : أنا ابنتي، وأؤول اليّ.
أنظُرُحولي ..
ما زلتُ هنا ،
فرداً من مجتمعِ السمكِ الميِّتِ
يجذبُني القاعُ
يرشُقُني قنديل الماءِ الآسن بالضَّوءِ،
الضّوء الساقطُ مني فيه
أطفو بمشيئةِ عشبِ الزيفِ
ثم ..
أوؤل إليَّ.
تعود روزمين الصياد إلي الذاكرة من جديد، وتروي بروح الشاعرة وتسأل: “تدرجتُ في قراءاتي وكتاباتي، ووعيي، وإلاّ ما معنى النمو والتخلق؛ عبر السنين حتى أوان النضج والأسطورة ؟”
تسترسل في حديثها وسؤالها الوجودي والشعري في ذات السياق، إذ لا انفصال فتقول “لو كانت النهاية الآن التي تبلورت؛ هي بدايتي فهذا يعني أني لم أبدأ بعد بل سائرة الى الوراء ، أنا فخورة بي الآن وما حققته بيني وبيني أولا، وقرائي، ممن شاركوني هذه المتعة أو كما ورد عن نيتشة في العلم المرح، العلو، النمو والتوق الي الصاعقة، وكما أصفها بفعل الدمعة تخلّقها بالقلب تلألؤ وعيها بالعين المرهون بمراهقة قلقة وبانحدارها، خلودها بالقلب إلي حين ميلاد جديد ومآل جديد بقلبي، فالكلمة لا تموت بل تولد حين كل قراءة”
وعن ذات العشق الأسطوري لمصادرها ومعرفته تقول: “أحب قراءة ما تيسر لي، بيسوا ،بورخيس،تشالز سيميك وآخرون .وكتابات الأصدقاء الشعراء المعاصرين المتوهجة الملهمة”.
وعن تجربتها الثانية في النشر، ولغز كتابها الشعري الثاني، الذي خرج من وجوده الخارجي ليفقد طريقه الي قارئه السوداني بفعل التعسف والمصادرة، التي كانت واحدة من أدوات محاربة الجمال والشعر في العهد المباد، وتساءلت معنا روزمين الصياد عن سبب مصادرة مجموعتها ( كنائن الموت.. هشاشة العسل) ؟ فتقول “أحبها ديوزونسية الملمح: جنس، دين، ماهية الوجود، والموت العنف، الضجر، وقليل حب، مغلفة بأبولونية منافقة تنتظر من يشاء فض ثوبها الرقيق ”
تواصل روزمين قصة مصادرة الكتاب الصادر عن الدار العربية للعلوم بدمشق، وتم مصادرة جميع نسخ الكتاب قبل فضها من مطار الخرطوم”
صودرت المجموعة لأن بها أسئلة للإله لم ترق للسدنة وحراس بوابات السماء،
وعن من هم سكان الطبقة العليا الواردة في أكثر من نص ؟ فالعالم عندي قسمان علوي وسفلي بالمعني المادي والميتافيزيقي، عالم يسن القوانين وعالم خلق لتنفيذها، عالم ضاج بالرفاهية والتأله والتنسك والملل وآخر ضاج بالبعوض والروائح الليلية والجنون والعربدة، عالم صوته مسموع يخترق السقوف والسموات.، وآخر ذبذبات صوته لا تخترق سقف حلقه”
تقول بنص الأضحى :
أو تنساب مع نغماتِ ناي الراعي غير النبي
لحنًا يرقصُ عليه سكان الطابق العلوي
وبنص بعوض :
يدٌ صاخبة الحضور
تخترقُ وقرَ السقفِ
فطنين البعوضِ يُضجرُ
قاطني الدور العلوي
وتسأل أيضا من خلال حوارنا: “لم تكتبين وماذا تقولين من خلال القصيدة ؟
القصيدة هي فعل الشجاعة، والجبن، هي (ذاتك ) تقوم باحتضانها لهنيهة ثم تطعنها في الظهر، تعاشرها وقبل آخر حرف تنصرف عنها وأنت أكثر استثارة وهي كذلك ، فالقصيدة هي الأرانب تتقافز في رأسك ولن تنام إلاّ بانتزاع ذلك الرأس، أو كما ذكرت في نص أرانب”.
وحول المشهد الشعري بالسودان والقصيده ذات الحساسية الجديدة تقول” يجب أولا؛ ألاّ ننظر من زاوية سوسيولجية محدودة الأفق الى مجتمع الأدب وما يطفو على السطح ووسائل الإعلام ويتناسب والفعل الاجتماعي والسياسي المحبط الذي نعيشه الآن، لأنّ ما بالسطح سيتبخر وينزوي آسنا، وما بالعمق هو الباقي والخالد” وتختتم روزمين حوارها معنا “الشعر بالسودان قشر قرميده عن حساسية مبتكرة خارقة ، سكسي فاقت حساسية الحداثة الشعرية وما بعد الحداثة أيضا، وبالأخص بالثمانيانات عندما وُلدت، والتسعينات عندما كنت،غارقة( بنزارياتي) وثرثرات الحب كانت آلهة الشعر بالسودان تتخلق، أسطورية حارقة حاذقة حادقة مرة ومتوحشة، وفاق الأمر اللمحات الصوفية والشعائرية المحلية والبيئية والتى كانت معهودة ولم يفلت منها الا القليل”.
التعليقات مغلقة.
شكراً جميلاً مداميك والشاعر الأصمعي والشاعرة روزمين على هذا الحوار،
نرجو أن يكون بدء التواصل مع شاعرات وكاتبات في المهاجر الكثيرة، فثمة أصوات شتى خارج السودان من الضرورة بمكان حضورها في المشهد الثقافي عبر هكذا حوارات.