
مَعَ وضِدّ القَرْاي في فورتهِ المنهجية
ميرغني أبشر
(1)
أبداً لا يلغي انفعالي الإيماني، وهو في أشد درجاته، عقلانيتي ووعيي بالتاريخ، إذ لا تتعارض الخبرة التجريبية والملاحظ ،مع الأسطوري والديني، إذ يتغذى الإيمان يومياً من تفسيرات العقلاني وقوانينه المكتشفة، كما يكسب العقلاني أرض خصيبة تلهمه إبداعاته ونظرياته من عند التصورات الكتابية القديمة. وكِلا الأمرين يعضدان حضور الغيبي في الحياة. ووعيي بالتاريخ يرى أن الفن ظل على الدوام متواطئ مع الميثي والديني، وحاملاً درامياً لجوهر العصاب الجمعي “الدين” وهو مرض طبيعي، يتبدى- الفن- حيناً ويتخفى مرات، يفعل ذلك مع ديانات التوحيد الكبرى، يتنقل معها لمراحل الأيقونات والتجريد والأربيسك والحروفية والشعر والبيان، وموفور ذلك نجده في الخطاب التوراتي والإنجيلي والقرآني. فإننا يا سادتي وسيداتي لا نتعبد إلا بالجمالي، على وجه الدقة والتحقيق. فرسومات القراي قد تكون سطحية في تعبيرها، ولكنها ليست بدعة في دين الإنسان.
(2)
لقد تغافل واضعو المنهج، والناس عن الحقيقة الأساس، وهي: أن حجر الزوايا في بناء الدولة، هو دستورها وكمال قوانينها، وبالتالي هياكلها وتقسيماتها الإدارية. فمثلاً لا يمكنني وضع منهج للتربية الإسلامية، دونما التوافق الجمعي على مذهب في الوضوء، والمسح والغسل والتيمم، وغير ذلك من فقهيات عويصة، فالوضوء في القرآن، ليس هو الوضوء عند الناس كافة !! لغة وشرعاً، فهو كما النص مسحاً للأرجل عند مدرسة الإمامة، وغسل اجتهاداً عند مدرسة الخلافة، دعك من أخريات شرعية وفقهية عند المذاهب والناس. هذه واحدة، ولما كان المنهج الدراسي هو تربية وتعليم وتثقيف ومواطنة.. الخ، كيف لي أن أَضع منهجاً في الجغرافيا مثلاً، ولم يتوضّح للناس بعد الحدود الإدارية للأقاليم وعواصمها، وتوصيف المحميات الطبيعية وتوزيعات المحاصيل المناخية.. الخ، وغير ذلك مما يستند على تفاصيل دستور الدولة وتنظيمها الإداري. هكذا هي العلمية والموضوعية يا قراي، فهناك عجلة غير عاقلة ولا رشيدة في تصميم المناهج المدرسية، وكان يمكن بمنشور تربوي تحديد ما يُدرّس وما لا يُدرس لحين الانتهاء من هياكل الدولة الأساس، حتى نتجنب الوقوع في تهييج وتهويش كهذا، ومع وضد.
تنبيه: ذهب عالم النفس جهير السيرة “فرويد” إلى أن الدين عصاب جمعي، ولكن فاته أنه مرض طبيعي، وعصاب ضروري، وقد نكّر فرويد بعبقرية تحترم، مضامين الدين والتوراة في ثوب نظرية علمية، عُرفت في الأوساط العلمية بـ “التحليل النفسي”، كمعرفة أرادها صاحبها بديلة للدين، كشف عن ذلك تلميذه المتمرد كارل غوستاف يونغ مؤسس مدرسة علم النفس التحليلي.