‫الرئيسية‬ مجتمع أخبار أما آن أوان إيقاف العنف ضد الأطفال؟!
أخبار - 13 يونيو 2020, 15:50

أما آن أوان إيقاف العنف ضد الأطفال؟!

يحتفل العالم يوم الثلاثاء بيوم الطفل الأفريقي، الذي يوافق الـ 16 من يونيو، من كُلِّ عام، وهو يوم مهمٌّ من أيام مناصرة قضايا الأطفال، وتذكير للدول بالتزاماتها تجاه حقوق وحماية الأطفال وكذلك رفع وعي كل قطاع المجتمع.هنالك العديد من أشكال العنف ضد الأطفال، و

سوف نركز في هذا المقال على العقاب البدني والذي ينتشر بصورة واسعة في مؤسساتنا التعليمية. في التوصيات الختامية الأخيرة للجنة الخبراء الأفارقة المعنية بحقوق الطفل ورفاهيته بشأن التقرير السودان حول موقف إنفاذ الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته، طالبت اللجنة السودان بأن تُمنع العقوبة البدنية وأن تُتَّخذ عقوبات ضد مرتكبيها وأن يرفع تقريره حول مدى تنفيذ تلك التوصيات وما تم من تنفيذه من بنود الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل في السودان، وذلك بحلول يوليو 2019. فلا السودان أرسل تقريره حتى الآن ولا هو منع العقاب البدني في قانون الطفل ونص على معاقبة من يرتكبه!!

اكبر الإشكاليات في قانون الطفل هي وجود نصوص دون جزاءات وخاصة فيما يلي العقاب البدني، فمثلاً نجده ينصُّ على حماية الطفل من جميع أنواع وأشكال العنف أو الضرر أو المعاملة غير الإنسانية أو الإساءة البدنية..الخ، المادة 5(2 – ك)، ويغفل عن تعريفها أو تفسير هذه الأنواع ولا يضع عقوبات لمن ينتهكها. يمنع القانون توقيع العقوبات القاسية والتوبيخ بالألفاظ المهينة للكرامة على الأطفال في المدارس المادة 29(1)، ولم يضع عقوبة لمن يُخالف المادة ثم ينص على أن تُحدِّدَ وزارة التربية والتعليم العام الجزاءات المناسبة لكل من يخـالـف ذلك. حتى تاريخ اليوم لم تَصدر لائحة من وزارة التربية الاتحادية تمنع العقاب البدني وتحاسب المخالفين. (يتضح أنها نصوص (ساي) بلا جزاءات!!).

لا بد من معرفة مفاهيم العنف ضد الأطفال في سياقنا المحلي، فلا جدوى لأي تدخلات دون معرفة وإلمام بهذه المفاهيم والأشكال المختلفة للعنف التي تتجدد دوماً. تختلف مفاهيم العنف وتعريف العنف ضد الأطفال باختلاف الثقافات والمجتمعات، بما في ذلك المجتمع السوداني، والذي رغم موروثه العميق، إلا أنه يدعم العنف ضد الأطفال بمعايير اجتماعية سالبة تُعزِّزها العادات والتقاليد والمفاهيم الدينية الخاطئة، وكلها منافية لحماية ومصلحة الطفل الفضلى وتنتهك حقوقه. تشترك هذه الثقافات في اتجاهها لاستخدام العقاب البدني في تربية الأطفال، باعتباره الوسيلة الناجعة لتربيتهم والسيطرة على سلوكهم وتوجيهه الوجهة النافعة. يكمن التحدي الرئيس بالنسبة لمفهوم العنف، في أن ما نراه عنفاً ضد الأطفال، تراه بعض المجتمعات السودانية غير ذلك، وهذا يظهر في العديد من الأمثال السودانية، وخاصة التي تشجع على جلد التلاميذ (العلم يرفعهم والجلد ينفعهم) و(ليكم اللحم ولينا العظم). يشير المسح متعدد المؤشرات (الجهاز المركزي للإحصاء، Multiple Indicator Cluster Survey,2014) إلى أن 33.1% من الرجال و28.9% من النساء يرون ضرورة العقاب البدني كوسيلة لتربية الأطفال، وكما أظهر هذا المسح المهم نسبة الذين يؤمنون بالعقاب البدني كوسيلة لتربية الأطفال في الولايات. تأتي ولاية شمال دارفور كأعلى ولاية تليها ولاية سنار وولاية شرق دارفور وولاية جنوب كردفان، ونجد أقل الولايات ولاية البحر الأحمر تليها ولاية النيل الأبيض وولاية النيل الأزرق وولاية وسط دارفور ثم ولاية الخرطوم (الولاية الشمالية 30.9%، ولاية نهر النيل 22,3%، ولاية البحر الأحمر 8.9%، ولاية كسلا 23%، ولاية القضارف 37.9%، ولاية الخرطوم 21.7%، ولاية الجزيرة 26.8%، ولاية النيل الأبيض 16.7%، ولاية سنار 45.1%، ولاية النيل الأزرق 20.6%، ولاية شمال كردفان 24.8%، ولاية جنوب كردفان 40.3%، ولاية غرب كردفان 34%، ولاية شمال دارفور 46.1%، ولاية غرب دارفور 33.3%، ولاية غرب دارفور 36.9%، ولاية وسط دارفور 21.2%، ولاية شرق دارفور 40.7%).

يشير المسح إلى أن حوالي 61.3% من الأطفال الذين تمت مقابلتهم في المسح تعرضوا للعقاب البدني و52.8% من الأطفال تعرّضوا لعنفٍ نفسيٍّ و13.6% تعرضوا لعنف حاد، ونلاحظ أنه لا يوجد فرق يذكر بين الذكور والإناث (61.6 % ذكور و60.8 إناث).

يحيط بنا الجلد في تقاليدنا إحاطة السوار بالمعصم، عندما نخطئ نُجلَد، وحتى عندما نفرح أيضاً يكون نصيبنا أن نُجلَد لإظهار الشجاعة، كما في البطان، حيث تتواصل زغاريد النساء ويتدافع الرجال طلباً للجلد بالسيطان على إيقاع الدلوكة أو الآلات الموسيقية!! وكذلك محاطون بالجلد بقوة في قوانيننا الوطنية، فنجد القانون الجنائي لسنة 1991 ينص على عقوبة الجلد في 18 تهمة، وحتى الأطفال الجانحين (الأحداث) أجاز هذا القانون للمحكمة تطبيق عقوبة جلدهم (الجلد على سبيل التأديب لمن بلغ سن العاشرة بما لا يجاوز عشرين جلدة). نجد أكثر ضحايا تقاليدنا العنيفة موجهة للطفلات.. تولد وهي صغيرة فتختن وقبل أن تتنفس الصعداء من الألم والحزن من الختان يتم تزويجها فتقبر طفولتها للأبد، حتى ذلك الانتهاك الصارخ ترى عدداً من المجتمعات أنه ليس فيه أي نوع من العنف وإنما فيه مصلحة كبيرة للطفلات! (الجدير بالذكر أنه لا يوجد أي نص في قانون الطفل يحظر زواج الأطفال. أضف إلى ذلك تحفظ السودان على المادة التي تمنع زواج الأطفال في الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاه الطفل، ولم يرفع تحفظه حتى الآن!!).

ينتشر العقاب البدني بصورة خاصة داخل المؤسسات التعليمية. وقد ذكرته وزارة التربية والتعليم بكل وضوح في دليل التأديب الإيجابي، (وزارة التربية والتعليم، 2015): (قد اتخذ العقاب البدني أشكالاً متعددة في المدرسة السودانية أهمها: الجلد، الصفع الضرب بقبضة اليد، الضرب بجسم صلب، الركل، القذف بالحذاء، القرص، الضرب على الرأس بقبضة الأصابع أو المسطرة)، وذكرت انتشاره بصورة كبيرة في الخلاوي: (إن العقاب البدني هو أساس التعامل مع أطفال الخلاوي، والنظام الشائع فيه هو ما يُعرَف بالفلقة، وفيها يتم ربط القدمين ورفعهما والضرب عليهما بالعصا أو السوط، وقد يكون سبب هذا العقاب هو عدم أداء واجب الحفظ للوح اليومي، أو إساءة السلوك. ولا شك أن هذا العقاب القاسي يترك آثاراً نفسية واجتماعية واضحة على الأطفال مثل ربط حفظ القرآن الكريم بالعنف والكراهية وإذلال الكرامة الإنسانية وتربية الخنوع والانكسار في النفس).

وختاماً، لقد أثبتت الدراسات أن ممارسة العنف ضد الأطفال، تخلق آثاراً مدمرة على حياة الطفل على المدى القصير والبعيد، وعليه أما آن أن يتوقف هذا العنف ضد الأطفال ومحاسبة من يرتكبونه والعمل الجاد على الانتقال من التنظير إلى تطبيق فوري لتعليم خالٍ من العنف ضد الأطفال؟

ياسر سليم شلبي

باحث في حقوق الطفل

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال

5 تعليقات

  1. أيضا أكرر ما كتبت لإنجاح العمل الإعلامي يجب اخضاع المادة الاعلامية للتصحيح اللغوي والصياغة طبعا بعيدا عن المقص الرقابي لذلك فني التحرير وجودهم مهم لأي عمل اعلامي محترف
    بشأن التقرير السودان لا يستقيم اما بشأن التقرير السوداني أم بشان تقرير السودان
    اللجنة طالبت السودان من جعل السودان بصفة المؤنث مادلج مصريا الأصح السودان يمنع وليس تمنع والسودان يتخذ وليس تتخذ

  2. اعتقد تعليق السيد احمد في الفقرة بشان التقرير السودان تليق صحيح ويستحق التصحيح
    اما في الفقرة الثانية اعتقد التانيث عائد الي العقوبة وليس للسودان وتتخذ هذه راجعة لمتكبي الجريمة وليس السودان كدولة
    اما بصورة عامة مقال ممتاز ويستحق النشر في كل الوسائط الإعلامية
    ونحن نناشد وزارة التربية والتعليم بإصدار لائحة في هذا الصدد وتتضمن في قانون التعليم الجديد الذي سيصد في 2020

  3. السلام عليكم،بعرف أطفال تركوا التعليم بسبب تعنيف الاستاذ لهم وتحقيرهم امام الطلبه، المشكله العامه في السودان عدم المسائله لكل المخطئين علي المستوى العام والخاص،.

  4. نحن في مبادرة التعزيز الإيجابي “البدائل التربوية للعقاب البدني” مبادرة مجتمعية… قمنا اليوم 15 يونيو 2020 برفع مذكرة الى وزير التربية والتعليم عبر مدير مكتبه، تطالب بالتعجيل بالتوقيع على لائحة الجزاءات المحظورة في المدارس.
    ونصت على :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    مبادرة التعزيز الإيجابي (البدائل التربوية للعقاب البدني)
    السيد وزير التربية والتعليم د/ محمد الامين التوم الموقر
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    الموضوع: تعجيل التوقيع على لائحة الجزاءات المحظورة
    أما بعد:
    بالإشارة إلى الموضوع عاليه فإننا في مبادرة التعزيز الإيجابي (البدائل التربوية للعقاب البدني) نطالب بوقف العقاب البدني في المؤسسات التربوية والتعليمية، والتي إتضح ممارستها من خلال عملنا التوعوي في مختلف المدارس والبيئات ومن خلال دراسة إحصائية.
    نحيطكم علماً بأن العقوبات البدنية مازالت تمارس في المدارس مما تسبب في تسرب التلاميذ من المدرسة لتتحول من بيئة تعليمية آمنه محببة للتلاميذ إلى بيئة طاردة، بالإضافة إلى آثار العقوبة البدنية الخطيرة على كل من المستوى التعليمي والإجتماعي والإنفعالي والسلوكي فهي تنمي السلوك العدواني وتعلمهم المكر والخديعة وتفسد عندهم معاني الإنسانية مما يكون له آثره العميق في المجتمع فيما بعد .
    ووفقاً لما نصت عليه القوانين الوطنية والإقليمية والدولية بأنه لا يجوز توقيع أي من العقوبات البدنية على الأطفال دون سن الثامنة عشر، مما يستدعي إتخاذ السياسات اللازمة لوقف العقوبة البدنية ، والتعاون من أجل تحقيق أهم أهداف التنمية المستدامة في التعليم ألا وهو بيئة تعليمية آمنه.
    رغم أن هناك العديد من المجهودات التي تنادي بتوفير حقوق الطفل من الحماية والآمان منذ عقدين من الزمان إلا أنها تفتقد إلى تفعيلها وإنزالها في أرض الواقع .
    واليوم وبلادنا تتنسم عبير الحرية مستبشرين بقيادة جديدة تتعلق بها الكثير من الآمال والطموحات برفع الغبن عن هؤلاء الأطفال الأبرياء وتوفير بيئة تعليمية آمنه ذات جودة عالية.
    عليه نرجو من سيادتكم التكرم بتوقيع اللائحة التي بين أيديكم وإتخاذ التدابير اللازمة لوقف العقاب البدني في المدارس، وإستبداله بالبدائل التربوية الإيجابية، وذلك لضمان سلامة النشء وتهيئة بيئة سليمة ينمي الطفل من خلالها آفاقه وتفكيره الإبداعي لتعزيز قيمة الأمن والطمأنينة في المجتمع.
    ولكم منا خالص الشكر والتقدير
    مبادرة التعزيز الإيجابي

  5. مع إنتشار وباء كورونا وتوقفت العمليه التعليمية بالمدارس نلاحظ إنتشار الأطفال بالشوارع مما يؤدي إلى تزايد ظاهره العنف للأطفال بشكل غير طبيعي ..

‫التعليقات مغلقة.‬