‫الرئيسية‬ مقالات المثقفون بين وقف الحرب والتحول الديمقراطي
مقالات - 11 ديسمبر 2020, 11:52

المثقفون بين وقف الحرب والتحول الديمقراطي

عيسي حمودة
حمل السلاح يجعل من الحركات المسلحة قوى سياسية هجيناً (عسكري- مدنية)، ولذا عليها ضغط من جانب القوى الدولية الإقليمية والمحلية التي تسعى لوقف الحرب وتحقيق السلام من جانب والقوى التي تعمل على إحداث التحول الديموقراطي من الجانب الآخر. والأخيرة عادة هم المواطنون وبعض الأصدقاء الدوليين (القليلين كما راينا أيام الثورة والآن). تتطلب هذه الخاصية الهجين من الحركات المسلحة التعامل مع هذين الملفين، وهما ملفان يقعان على خطين متوازيين في كثير من الأحيان. هذا لأن أجندة وقف الحرب وتحقيق السلام تقف وراءها قوى ومؤسسات دولية وإقليمية ليست بالضرورة هي نفسها تلك التي تساند التحول الديمقراطي. لذا على الناس فهم وضعية الحركات من هذا المنطلق – المزدوج. مثلاً الحركات المسلحة ملزمة بالجلوس مع الحكومة ولو كانت حكومة ديكتاتورية، استجابة للموقف الدولي لوقف الحرب وتحقيق السلام. جلوس الحركات في السابق مع النظام المباد ليس تخلياً منها عن مشروعها السياسي أو خيانة للشارع وإنما امتثال لذلك الواقع الدولي والمحلي. القوى السياسة الأخرى غير ملزمة بالدخول في تفاوض أو مساومة لتحقيق مشروعها. يمكنها أن ترفض وتثور بالطرق السلمية على الحكومة. مثال آخر، اتفاقات السلام التي تمت الآن ستكون ملزمة للحكومة القادمة والحركات المسلحة – لو تم تحول ديمقراطي أو لم يتم. وإذا حدث نكوص سيكون على قادة الحركات المسلحة التعامل مع الحكومة القادمة للالتزام بالاتفاق أو الدخول في تفاوض لتحقيق اتفاق جديد.
التوتر بين قوى الثورة المدنية والمسلحة مفهوم، أو يجب أن يُفهم، في إطار ردود الفعل حول اتفاق السلام وتعديل الوثيقة. لكن الكل يعرف أن القوى المسلحة والمدنية ظلت في حالة تحالف منذ دخول الحركة الشعبية الأم في التجمع الوطني الديمقراطي في منتصف التسعينيات. واعترت العلاقات بينهما هبوط وصعود إلى وصلنا مرحلة تحالف نداء السودان. وهو تحالف شمل في بداية تكوينه كل القوى السياسية الفاعلة بما فيها كتلة الإجماع الوطني التي ضمت الشيوعي، البعث، الناصري والمؤتمر الشعبي. ما حدث من خلاف وقتها حول أجندة السلام وفصلها من مسار التحول الديمقراطي، وشيوع مصطلح الهبوط الناعم بسبب دعم بعض القوى المدنية في النداء لأجندة التفاوض حول قضايا الحرب والسلام (وهي متطلبات زي ما قلت على الحركات التعامل معها)، كان نتاج أن قوى أخرى في النداء رأت القوي الإقليمية والدولية تعمل على إطالة عمر النظام السابق وإلحاق القوى السياسية به.
الآن محاولة تصوير علاقة الحركات مع العسكر على أنها خيانة أو بيع وشراء، لا يعمل على شرخ الثقة بل ينمو عن عدم إدراك حتمية التواصل وتعاون الحركات المسلحة مع المؤسسة العسكرية حول الأجندة المشتركة بينهما مثل الدمج ونزع السلاح وإصلاح المنظومة العسكرية والأمنية. وهذه لا تتم بالتعامل مع الشق المدني من الحكومة وحده. حكومتنا معروف إنها حكومة شراكة، ودور العسكر وتسيدهم للمشهد واقع لا يحتاج إلى جدل حوله. حتى في ظل حكومة مدنية كامل الدسم، سيكون هناك تعامل بين العسكريين من الحركات والجيش ووقتها أيضا سيتولد نفس الشك ونظريات المؤامرة بتخطيط الإثنين للإطاحة بالحكومة.
بالتأكيد هناك من يحلم أو يعمل على عرقلة مشروع التحول الديمقراطي مستخدماً أجندة السلام والعمل على بناء تحالف بين العسكريين من الجانبين. هذا المخطط يمكن إحباطه لو تفهمت القوى المدنية التشابكات أعلاه وعملت على عدم القطيعة مع قوى الثورة المسلحة أو تخوينها – حتى وإن اعترضت هذه القوى السياسية على عملية السلام ومخرجاتها.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 3.8 / 5. Total : 4

كن أول من يقيم هذا المقال

تعليقان

  1. سلمت يا دكتور عيسى
    كلام مهم جدا..
    و كنت قد كتبت مقالا فى ذات الموضوع
    و قلت فيه أن قحت لا تنفك الا وتمارس الغباء السياسي .. و ذلك لرفضها المعلن و المستتر لقوى الثورة من الكفاح المسلح .. لانها لم ولا تريد أن تفهم ان الكفاح المسلح هم مدنيون فى الأساس اختاروا الكفاح المسلح بدلا عن الكفاح السلمى ..
    و تركوهم فى عراء السياسة فتلقفهم العساكر بمكر و ذكاء و ااسوا معهم بيئة لحاضنة سياسية جديدة .. توازى قحت..
    شكر لك و انت تفند الموضوع بذكاء شديد

  2. علي قوى الكفاح المسلح ان تضع مصلحة الوطن ومن دفع ثمن الحرب نزوح ولجوء وفقر وقمع امامها وان تعمل على تحقيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة والا يشغلها صراع الكراسى واللهث عن المناصب عن ذلك كما عليها ان تجعل علاقتها مع العساكر علاقة واضحة وشفافة وبندية تامة بلا لهث او انحناء وفي النهاية لا يصح الا الصحيح ولا يبقى الا ما ينفع الشعب السودانى والتاريخ لا يرحم والشعب لا ينسى

‫التعليقات مغلقة.‬