حدث ما حدث .. فهل ارتضى إبراهيم الشيخ ما حدث؟!
كان جزاء صديقنا الأستاذ إبراهيم الشيخ من الجمهور، أثناء احتفالية اتفاقية سلام جوبا، في قلب ساحة الحرية، التي خلت يومها من علم السودان (التعيس يتعلم الدرس في نفسه والسعيد يتعلم في الآخرين)، أنَّ الجمهور استمع بإصغاء لمن روَّع أمن ضحايا اتفاقية جوبا وقتلتهم بدم بارد، ولم يستمع له. أيضاً من مُفارقات تلك الاحتفالية التي يستعصي فهمها؛ أصبح حميدتي بين ليلة وضحاها محامي إبراهيم الشيخ الوحيد، ابتدر مُرافعة الدفاع يغالبه الدمع بذم يشبه المدح لموكله (الصفوف تمايزت داخل قوى الحرية) سالباً حق تقسيم قوى الثورة إلى قسمين: (أشرار) ملتزمين بأهداف الثورة، وآخرين (أبطال) التزموا مشروع الردة عن الثورة الذي يدبره. وأنهي مرافعته بتذكيرنا بأنَّ مقامه العالي أنَّه الوريث الصالح للأرض كما وعد الله. أمَّا دموع التماسيح التي زرفها في مرافعته؛ فإنَّها أقسى مرارة على صديقنا الشيخ من تنكر الحركات المسلحة لقوى الثورة، وهي جفوةٌ نرى الأيام كفيلة بإزالتها، وعودة العلاقة إلى مجراها الطبيعي، وما يوجع حقاً أن يحشر المناضل الشيخ بمعية المجرم حميدتي (المرء يحشر مع من أحب)، وتلك فاجعةٌ لا تغفر عصية الإصلاح، وتتوقف عندها عقارب الزمن، وتعجز عن إزالتها.
أمَّا دموع حميدتي؛ فلن تغير في الواقع المعروف شيئاً رغم ادعائه زوراً وبهتاناً انتمائه لزمرة المظلومين الذين فتك بهم، وهي كذبةٌ بلقاء، ولا تحتاج لبرهة شك أنَّ المجرم حميدتي يكذب ويتحرى الكذب، فالثابت أنَّه أشد غلظةً وبطشاً من أي طاغية مرَّ عبر تاريخ الإنسانية، فحميدتي الذي نُزعت من قلبه الرحمة، وجافى الحس الإنساني، استحلَّ دماء الأبرياء، ونأى عن كل خلق وشرف كريم، لم يقاتل يوماً من أجل موقف أو فكر أو أخلاق أو حتى خصومة له مع ضحاياه الأبرياء، وتاريخه الدموي يشهد أنَّه مجرد قاتل مأجور ليس إلا، وهنا مكمن عاره وعار من والاه وتمسح في أموال الدم والارتزاق التي نهبها، والسلطة التي يحاول سرقتها. إلا أنَّ الغريب في الأمر أنَّ إبراهيم الشيخ تناسى أنَّ من تصدَّى للدفاع عنه سحل رفاقه الثوار المُسالمين في مجزرة فض الاعتصام، واغتصب رفيقاته الثائرات الصائمات، اللائي دعمن مشروع الثورة التي كان الشيخ أحد المُبشرين بها. فكيف يصبح عنده الدم ماء، وشرفهن شيء لا يدافع عنه ولو بأضعف الإيمان؟! فما هي الخيانة إذن؟! كيف يمكن أن يعبر قائد بحور الدم إلى معسكر العدو وجيشه في وطيس المعركة؟! أعتقد أنَّ الإجابة تكمن في بيت شعر السياب:
أيخون إنسان رفاقه؟
إن خان معنى أن يكون
فكيف يمكن أن يكون؟
ومن حق الأستاذ إبراهيم علينا أن نحسن الظن فيه، وألا ندمغه بالخيانة، فعهدناه مناضلاً شريفاً منذ أيَّام الجامعة، ونعزي تفسير ما يحدث بأنَّ الفارق بين الخيانة وبين الانفراد بالرأي خيطٌ رفيع، أمَّا حقيقة ما يستوجب عمله بشرف في هذه المرحلة فطريقه واضح لا حياد عنه بعقلانية الانحياز لأهداف سكبنا من أجلها دماء عزيزة بمشاركة الجميع، ويعلم صديقنا إبراهيم أنَّ الجميع يدعم دون شرط إنجاح الفترة الانتقالية رغم فشل عناصرها وتعثر خططها لتحقيق ما نشدته الثورة، إلا أنَّ درب صديقنا يتعثر أحياناً وسط رمال المنافسة والمكائد بين قوى الحرية لإدراك وتحسس أسباب تضعضع الحاضنة (السابقة) للحكومة الانتقالية، وتشظي مكوناتها، ونؤكد لصديقنا إبراهيم الشيخ أنَّ حجر زاوية إخفاق الفترة الانتقالية والمساعي المندفعة أحادية النظرة بخطوات غير مدروسة؛ مكَّنت من الانقلاب على الثورة، ابتداء بالتنازل لحميدتي وترك الحبل له على القارب بهيمنته على ملف السلام واللجنة الاقتصادية الذي آل في خاتمة المطاف لانقلاب كامل على الوثيقة الدستورية دون الرجوع إلى المجلس التشريعي الذي تنص عليه صراحة الوثيقة، وأنَّ تعديلها يتم بموافقة الأغلبية المطلقة من أعضائه.
والحق تمَّ انقلابٌ كامل الدسم على الشرعية دون مارشات مذاعة، ربَّما لأنَّ حميدتي لا ينتمي للقوات المسلحة. فقد نشرت الجريدة الرسمية لجمهورية السودان، الصادرة من وزارة العدل، عدة تعديلات على الوثيقة الدستورية، تقلبها رأساً على عقب، تمَّ التعتيم عليها، أجيزت التعديلات خلسة دون ضوضاء في اجتماع ضم جنرالات اللجنة الأمنية التي تتخفى باسم بالسيادي، ومجلس وزراء منقوص العدد بستة وزراء مكلفين. أخطر التعديلات نص يقول إنَّه في حالة تعارض الوثيقة الدستورية مع اتفاقية جوبا تعلو الاتفاقية على الوثيقة الدستورية، مما يعني أنَّ اتفاقية جوبا التي صاغها حميدتي هي الدستور الانتقالي الجديد الذي لا يعلى عليه في السودان, إضافة لنص أقصى قوى الحرية والتغيير كحاضنة للثورة، وهو تكوين مجلس للقضايا الكبرى للحكومة الانتقالية من عسكر اللجنة الأمنية والحركات المسلحة وقوى الحرية.
لا أحد يقف ضد السلام مع رفاقنا الذين حملوا السلاح، فالسلام حق مشروع للجميع، انطلقت من أجله الثورة، وأيضاً لا مجال لإنكار نضال وتضحيات حملة السلاح، إلا أنَّ المآخذ على اتفاقية جوبا أنَّها بنيت على اجراءات غير دستورية بتغول حميدتي على الملف، ولم تنصف أصحاب الحق في المعسكرات، ووضعت البيض الفاسد والصالح في سلة الاتفاق، مما يجعل عملية فرزه صعبة، فصورت دوافع كل الأطراف الموقعة تندرج في إطار المحاصصات، وهذا غير صحيح. فالجبهة الثورية كتحالف عريض جمع خليطاً غير متجانس يحوي المناضل المخلص صاحب القضية، والانتهازي متحين الفرص, وضمت داخلها أفراداً ليست لهم شرعية أو تفويض، فاوضوا باسم مسارات كاملة, فيها من زين صدره بشعار (كلنا حميدتي)، قبل توقيع الاتفاقية, هذا ما يفسر رفض واعتراض الشعب عليها (لا نقول ولدت ميتة ولكنَّها تحتاج إلى تصحيح).
أمَّا رفاقنا المخلصون من الحركات الموقعة؛ فإنَّنا نعتب عليهم وضع أياديهم باسم السلام على يد مجرم راعفة بدماء أهلهم, شردتهم في معسكرات الذل، واغتصبت نساءهم، وأحرقت قراهم، نعتب عليهم النأي بعيداً عن رفاق لهم, عن شهيد فاضت روحه وعلى فمه بقايا هتاف (كل البلد دارفور)، كُنَّا نتوقع من رفاقنا حملة السلاح أن يوقعوا اتفاقاً يزيح عن أهلنا عذاب معسكرات الذل، ويقتص للضحايا حقوقهم لا أن يرتضوا محاصصةً ينالوا بها كراسي وزارت تزول مع تقلبات الظروف السياسية العاصفة. ورغم هذا العتاب؛ فقوى الثورة عند التزامها بدعم السلام والتحول المدني ومحاسبة المجرمين، وفِي مقدمتهم حميدتي.
ونقول لصديقنا إبراهيم الشيخ (حدث ما حدث)، وما زال حسن الظن قائماً، وإنَّك لم تعبر الدماء إلى ضفة القاتل، فهل سيكون ما حدث عبرةً للجميع، ونحرق معاً كرت التعويل على القاتل حميدتي الذي لم ولن يكون يوماً ترسا من متاريس الثورة، وأنَّ مصيره المحكمة والقصاص؟! أخي ود الشيخ؛ ترس الثورة الذي لن يزال قوى الحرية والتغيير، وشباب المقاومة، والقوى المدنية، فلنعمل على إصلاحها وإزالة الجفوة بين الرفاق، وإعادة بنائها على أسس تزيل ضعفها المخجل، وخنوع حكومتها المذل، ولن تقوم قائمة لهذا الترس إلا بالانحياز الكامل غير المشروط للشعب السوداني، فالثورة إكسير حياته ومحور ارتكازه.
التعليقات مغلقة.
والان وقد تحقق السلام بطريقة او باخري،، بات الملف الاقتصادي هو الخناق الوحيد والفاعل لاجهاض الثورة،، والجهر بفشلها وعدم جدواها،، ومما يستوجب عدم اكمال مستحقاتها بقيام مجلس تشريعي تسند حكومة رئيس الوزراء قراراتها اليه، اذ ان الوثيقة الدستورية تنص علي ان قيام الانتخبات و تداول السلطة سلميا وقوانيين الانتخابات لا تكون الا من خلال الشق المدني للحكومة متمثلة في المجلس التشريعي و رئاسة الوزراء.
الملاحظ ان اللاعب الاساسي في ملف السلام كان حمديتي.. و نفس اللعب الان يمسك بالملف الاقتصادي، لؤد الثورة.. و لا استبعد محاولة ثالثة اذا فشلت محاولته و هي الولوج في عالم السياسية بتحالف يستند الي مرتكزات اثنية او جهوية..
الاستاذ جمال قاسم تحياتي
اشكر لك متابعة مداميك وقراءة ما نكتب من اراء نتمني ان تسهم في زيادة الوعي وتشكيل راي عام يتوافق مع تضحيات الشعب السوداني اما عن رايك الذي سطرته اعلاه فاني اتفق كليا مع ما ذهبت اليه من تحليل واتمني ان يلتفت اليه من تولوا مسوؤلية تحقيق اهداف الثورة , وان يرتقوا لمستوي التضحيات التي قدمها السودانيون .
ولك شكري وتقديري
والان وقد تحقق السلام بطريقة او باخري،، بات الملف الاقتصادي هو الخناق الوحيد والفاعل لاجهاض الثورة،، والجهر بفشلها وعدم جدواها،، ومما يستوجب عدم اكمال مستحقاتها بقيام مجلس تشريعي تسند حكومة رئيس الوزراء قراراتها اليه، اذ ان الوثيقة الدستورية تنص علي ان قيام الانتخبات و تداول السلطة سلميا وقوانيين الانتخابات لا تكون الا من خلال الشق المدني للحكومة متمثلة في المجلس التشريعي و رئاسة الوزراء.
الملاحظ ان اللاعب الاساسي في ملف السلام كان حمديتي.. و نفس اللاعب الان يمسك بالملف الاقتصادي، لؤد الثورة.. و لا استبعد محاولة ثالثة اذا فشلت محاولته و هي الولوج في عالم السياسية بتحالف يستند الي مرتكزات اثنية او جهوية..
ولكن يبقي السؤال من الذي يخطط لهذا الرجل بهذه الدقة.. ومن الذي يمهد له الطريق السالك بتقاعس بنكوص قوي الحرية و التغيير و تجمع المهنين عن واجباتهم..
وترك الساحة للجان المقاومة وحيدة و بدون اي دعم،، او حتي ذكر صريح لها باسبقيتها في التغير.. في مواجهة قوي مسلحة، تناصبها العداء..