‫الرئيسية‬ مقالات كيف نقرأ الاعتداء الإسرائيلي على إيران
مقالات - 16 يونيو 2025, 14:45

كيف نقرأ الاعتداء الإسرائيلي على إيران

عمار الباقر
فجر الجمعة الموافق الموافق 12 يونيو 2025م قمت إسرائيل بشن سلسلة من الغارات الجوية والتي قدر عددها بخمس موجات شاركت فيها حوالي 200 طائرة إسرائيلية قامت فيها بإسقاط ما يزيد عن 300 قنبلة علي حوالي 100 هدف داخل الأراضي الإيرانية. صاحبت هذه الهجمات عمليات أرضية من عملاء للموساد والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) تمثلت في عمليات تخريبية طالت بعض المنشآت الحساسة مثل مستودعات انتاج صواريخ باليستية ومستودعات وقود صواريخ، كما تضمنت أيضاً بناء قاعدة لإطلاق مسيرات بالقرب من العاصمة طهران و تسلل خلايا قتاليّة مزودة بأسلحة موجهة بدقة داخل مركبات مدنية وتم تفعيلها لشل شبكة الدفاع الجوي الإيرانية، مثل منصّات الصواريخ والرادار إضافة الي القيام باغتيالات لعدد من القادة العسكريين والعلماء الإيرانيين.
منذ الإعلان عن هذه العملية سارع القادة الإيرانيون الي الإعلان بأن أيران سوف ترد وهو ما قامت به بالفعل ليل الجمعة وفجر السبت علي شاكلة ست موجات قصف صاروخي اطلق فيها ما بين مئة الي مئة وخمسين صاروخاً باليستياً ايرانياً. اعقبتها في اليوم التالي موجتين من القصف الصاروخي والتي يبدو أنها كانت أكثر تركيزا ودقة حيث استخدمت فيها حوالي ثمانين صاروخاً الا أن تأثير القصف كانت أكبر.
كما استمر القوات الإسرائيلية استمر في قصف عدد من المواقع النوعية في كل من طهران واصفهان وشيراز الي جانب قصف حقل خرج النفطي في محافظة بوشهر.
بنظرة تحليلية لما جري خلال الأيام الأربعة المنصرمة نجد أن هنالك عنوانان رئيسيان تتصدران المشهد، العنوان الأول هو البرنامج الصاروخي الإيراني والعنوان الثاني هو النشاط الاستخباري الإسرائيلي داخل ايران.
فيما يخص البرنامج الصاروخي الإيراني يبدو أنه قد كان هدفاً رئيساً المفاوضات بين أيران والولايات المتحدة الامريكية منذ البداية فبينما كان المفاوض الإيراني يصر علي حصر المفاوضات في البرنامج النووي الإيراني، كان المفاوض الأمريكي يصر علي توسيع اجندة المفاوضات لتشمل أجندة من غير المقبول بالنسبة للرأي العام العالمي تناولها منفردة وتحتاج الي أن يتم العامل معها من خلال مظلة المشروع النووي الإيراني. وفي تقديري المتواضع أن ذلك هو السبب الحقيقي لاندلاع هذه الحرب بين ايران وإسرائيل. فبعكس البرنامج النووي الإيراني الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة الامريكية بغطاء سياسي دولي مستمد من موقف اتفاقيات حظر الأسلحة النووية ومواقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ودول الاتحاد الأوروبي بل وحتي عدد من الدول العربية، يصعب إيجاد المبررات لوقف البرنامج الصاروخي الإيراني ذلك أنه يظل من البرامج التي تعمل عليها معظم الجيوش في العالم ويندرج الحديث عنها ضمن باب التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول. بالتالي فإن موقف المفاوض الإيراني طيلة فترة المفاوضات الإصرار علي حصر المفاوضات علي البرنامج النووي الإيراني وإبداء بعض المرونة في ذلك مع الرفض القاطع لإدراج أي ملف آخر لعلمه برغبة الولايات المتحدة في مناقشة البرنامج الصاروخي الإيراني وأتت مواقفة الرئيس ترمب علي الضربة الإسرائيلية ضمن محاولة اقناع صانع القرار الإيراني والرأي العام العالمي بأهمية وقف البرنامج الصاروخي جنباً الي جنب مع البرنامج النووي الإيراني.
فور بدء الحرب بين إسرائيل وإيران أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن من أهداف عمليتهم العسكرية هو تعطيل المشروع النووي الإيراني وليس القضاء عليه إلا أنهم كانوا واضحين في ان من بين أهداف هذه الحرب هو القضاء بالكامل علي المشروع الصاروخي الإيراني وهم يستخدمون الضربات الإيرانية ضد إسرائيل لإثبات العالم بأحقيتهم في مهاجمة ايران والقضاء علي مشروعها الصاروخي وإن وبهذا المنطق سيكون لإيران الحق في مهاجمة سلاح الجو الإسرائيلي والقضاء عليه باعتباره يشكل تهديداً للأجواء الإيرانية.
في تقديري المتواضع، فإن القضاء علي برنامج ايران لتطوير قدراتها الصاروخية هو الهدف الأهم بالنسبة لإسرائيل بل هو أهم بالنسبة اليها من البرنامج النووي نفسه فالنبلة النووية تصبح قليلة الفعالية ما لم تكن هناك صواريخ قادرة علي حملها وان تكون هذه الصواريخ قادرة علي الوصول الي أهدافها واصابتها بدقة. وبالتالي فان قدرة ايران في الحفاظ علي قدراتها الصاروخية سوف تحدد المنتصر في هذه الحرب بل ان ذلك سوف يحدد مستقبل المنطقة نفسها خلال السنوات القادمة.
نأتي الي العنوان الثاني وهو النشاط الاستخباري الإسرائيلي في الداخل الإيراني، فالمتابع للأحداث يلحظ أن قسماً مقدراً من العمليات الحربية ضد أيران قد نفذت من داخل الأراضي الإيرانية مما يشير الي اختراق إسرائيلي كبير للعمق الإيراني وهي قضية قد برزت الي السطح في حادثة اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسمي سليماني في العراق سنة 2020م، وتأكدت مرة أخري في حادثة اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس داخل الأراضي الإيرانية في يوليو 2024م، وها هي تطل برأسها مجددا وبقوة في هذه الحرب.
إن نجاح إسرائيل في اختراق العمق الإيراني بهذا الشكل هو بالضرورة انعكاس لضعف وتفكك الجبهة الداخلية الإيرانية ويثبت أنه حتي وإن التف الشعب الإيراني حول حكومته اليوم يظل النظام الإيراني نظاماً هشاً قابلاً للسقوط في أي لحظة حالهم في ذلك كحال صاحبنا البرهان في بورتسودان، وهو الأمر الذي ظل يتحدث عنه نتنياهو ويحلم به طوال هذه السنوات.
إن هذا الاختراق يؤكد الاتجاه الذي ذهبت اليه معظم المدارس الأمنية الحديثة في أن الأنظمة الشمولية تؤدي الي تفكك الجبهة الداخلية وبالتالي تفتح الباب واسعاً أمام الأعداء لاختراق جهاز الدولة وضربه من الداخل، وإنه من المؤسف حقاً ان نجد أنه في الوقت الذي تنشط فيه أجهزة الاستخبارات الإيرانية في قمع الحريات العامة واعتقال الناشطين بتهمة العمالة للعدو، يوجه النشطاء السياسيون الإسرائيليون الانتقادات اللاذعة لرئيس وزرائهم وفي الهواء الطلق، بل ويذهبون الي قبة البرلمان لطرح الثقة في حكومتهم علي الرغم من الحرب والقصف. تلك هي قوة إسرائيل الحقيقية والتي نحن في اشد الحاجة اليها. فالنصر لا تأتي به شعوب مقموعة ومنكسرة مغلوبة علي أمرها بل شعوب صاحبة إرادة حرة واثقة من نفسها ومن قادتها.
وإياك أعني يا جارة

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *