‫الرئيسية‬ مقالات الي أين تتجه الولايات المتحدة الأمريكية وإلى أين نتجه نحن؟
مقالات - 12 يونيو 2025, 9:09

الي أين تتجه الولايات المتحدة الأمريكية وإلى أين نتجه نحن؟

عمار الباقر
يتابع العالم بشغف واستغراب مشوب ببعض الارتياح أحياناً انفجار الأحداث في مدينة لوس انجلس الأمريكية والتي امتدت لتشمل عدة مدن رئيسية مثل شيكاغو ونيويورك وميلووكي ودلاس وواشنطن العاصمة وفيلاديلفيا كما أمر حاكم ولاية تكساس الجمهوري بنشر الحرس الوطني تحسباً لوصول موجة الاحتجاجات إلى ولايته. وقد اندلعت تلك الأحداث نتيجة لقيام حملات الاعتقال والترحيل التي نفذتها وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) بحق المهاجرين غير النظاميين، مما أثار غضب المجتمعات المحلية. في لوس أنجلوس ذات الغالبية اللاتينية إضافة إلى نشطاء حقوقيين مؤيدين لقضايا الهجرة ومعارضين لسياسات الترحيل الأخيرة إلى جانب نقابات العمال ومنظمات حقوق الإنسان.
نتيجة لذلك قام الرئيس الأمريكي باستدعاء أربعة آلاف من عناصر الحرس الوطني سبعمائة من قوات المارينز دون موافقة حاكم كاليفورنيا مما دفع إلى تفاقم الوضع ونزول آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، وإغلاق الطرق، وإحراق المركبات احتجاجًا على نشر قوات الحرس الوطني. الأمر الذي دفع حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم إلى التعليق على قرارات ترمب بأنها فوضوية وتهدف إلى الترهيب وتدمير الديمقراطية، كما اعتبرت عمدة لوس انجلوس كارين باس أن عسكرة الوضع لن يؤدي إلا إلى زيادة التوتر. كذلك أصدر حكام اثنين وعشرين ولاية أمريكية بياناً مشتركاً يعبرون فيه عن رفضهم لنشر قوات الحرس الوطني في كاليفورنيا، معتبرين ذلك تجاوزًا للصلاحيات الفيدرالية وتهديدًا لحقوق الولايات.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الأمريكي ظل شخصية مثيرة للجدل والمتاعب علي صعيد السياسة الأمريكية خصوصاً بعد اتساع شعبية سياساته المعادية للهجرة والتعددية الثقافية التي يري فيها إضعافاً لأمريكا مستخدماً في ذلك شعار لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخري (Make America Great Again) ذلك الشعار الذي تحول إلى حركة سياسية شعبية واسعة باسم (ماغا) تضم محافظين قوميين ويمين مسيحي متطرف ورجال أعمال مهمين في قطاعي النفط والمال، ويزداد نفوذها يوماً بعد يوم داخل الحزب الجمهوري.
لكن، في الفترة الأخيرة بدأت الحركة تواجه انتقادات حادة بسبب سياساتها المتشددة تجاه الهجرة وسياساتها الاقتصادية الساعية لانكفاء الاقتصاد نحو الداخل الأمريكي مما يشكل تهديداً مستقبلياً محتملاً لشعبيتها في انتخابات مجلس النواب القادمة بل وحتى الانتخابات الرئاسية القادمة. فسياسات حركة ماغا المعادية للشعوب الأخرى والداعية للانكفاء الاقتصادي هي في حقيقة الأمر سوف ترتد وبالاً على الداخل الأمريكي الذي يعتمد استقراه ورفاهيته بصورة عضوية على نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادي والثقافي.
ما لا يفهمه ترمب أن الدول ذات الطبيعة الإمبراطورية حينما تضعف فإنه ليس في مقدورها العود خطوة إلى الوراء لتتقوقع مرة أخرى كدولة قوية وغنية داخل حدودها الجغرافية، فهذا ما حدث مع الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات. وأن ضريبة ضعف الامبراطوريات هو تفككها، هذا ما حدث مع بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، ومع تركيا بعيد الحرب العالمية الأولى وما ظل يحدث عبر التاريخ.
إن ما يقوم به الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حالياً غالباً ما سيؤدي إلى تفكك الولايات المتحدة الأمريكية، وهو نفس ما حاول القيام به اخر رئيس للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف فادي في النهاية إلى انهياره وتفككه. فالدولة ذات الطبيعة الإمبراطورية هي في حقيقة الأمر شبكة معقدة من المصالح الدولية والعلاقات التجارية والاقتصادية المتشابكة مع مجموعات كبيرة من الحلفاء والوكلاء والعملاء وينحصر دور السياسة والدولة فيها علي رعاية وحماية هذه المصالح عبر الأساليب الناعمة قبل اللجوء الي القوة العسكرية. وبالتالي فان التخلي عن هذه المصالح هو في حقيقة الأمر بمثابة نزع للأحشاء الداخلية، فحينما تتحول الدولة إلى امبراطورية فإن مركز المصالح الحيوي فيها ينتقل من داخل الحدود الجغرافية للدولة الي شبكة المصالح التي تقع خارج حدودها. وبالتالي فسيكون من المميت إعادة هذه المصالح الي الداخل مرة أخرى لأن ذلك سيكون بمثابة نزع الاحشاء والأعضاء الحيوية في جسم الإنسان وأعادة زرعها في مواقع أخرى من الجسم وستكون النتيجة الحتمية لذلك هي الموت أو علي الأقل عدم القدرة على القيام بالوظائف بصورة طبيعية.
إذن إلى أين نتجه وما العمل؟
إذا ما صح هذا التحليل فإن العقل الاستراتيجي السوداني ينبغي له أن يدرك إن التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون هو بمثابة التعامل مع إمبراطورية قد أفل نجمها، وحينما يأفل نجم الامبراطوريات فإنه سوف يضعف نفوذها وبالتالي قدرتها على توفير الغطاء السياسي والدعم الدولي، ولكن وفي نفس الوقت، سوف تضعف قبضتها علي العلوم والتكنولوجيا التي تمتلكها وستكون شروط الحصول عليها أسهل، وهذه فرصة كبيرة لنا كدولة نامية تحتاج إلى العلم والتكنولوجيا. علينا التخطيط لاغتنام هذه الفرصة كما فعلت الصين وفيتنام جنوب افريقيا مع الاتحاد السوفيتي السابق. لكن ولاغتنام هذه الفرصة لابد لنا من ترتيب بيتنا الداخلي لنصبح قادرين على تبني مشروع وطني ذي مضمون اجتماعي ومحتوى تحرري. بمعنى أن نتبنى مشروعاً يسعى لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية بين المواطنين وتحقيق استقلال القرار الوطني للدولة والمجتمع في مختلف ابعاده السياسية والثقافية. فمن سينجح في تحقيق ذلك من شعوب العالم الفقيرة والمنهوبة سوف تتوفر له فرصة كبيرة للنهوض.
كذلك ينبغي أن يتجه عقلنا الاستراتيجي إلى تلك الإمبراطورية الصاعدة ، وهي الصين والتي من المتوقع أن تكون ضمن جوقتها عدد من الدول الحليفة مثل روسيا وفيتنام والبرازيل باكستان والهند.
فالصين هي دولة تتخلق داخل أحشائها عوامل التحول الي دولة ذات طبيعة امبراطورية وهي نتيجة لذلك تكون في حالة نهم شديد لبناء مصالح اقتصادية طويلة الأمد مع بقية شعوب العالم وفي مقابل ذلك ستكون هي وحلفائها أكثر استعداداً للقبول بشروط تبادل تجاري وتعاون اقتصادي بشروط أكثر عدالة شريطة أن تحسن هذه الشعوب إدراك مصالحها وتحارب عوامل ضعفها الداخلية وعلي رأسها الفساد.
إذن فالمعادلة الاستراتيجية هي العلم والتكنولوجيا من الغرب الآفل، والتجارة والاقتصاد مع الصين وحلفائها الصاعدين. لكن، ولكي تتحقق هذه المعادلة فأننا نحتاج الي عقل استراتيجي مدرك لحقيقة أن مصالح الشعب السوداني تتعدي تلك الورقة التي يصطرع عليها سياسيونا إلى كامل الشجرة التي تكفي أوراقها الجميع.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 4 / 5. Total : 1

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *