‫الرئيسية‬ مقالات إعادة الهيكلة.. جواز عبور للتفاهم حول استثمارات القطاع العسكرى “2-2”
مقالات - 2 سبتمبر 2020, 21:29

إعادة الهيكلة.. جواز عبور للتفاهم حول استثمارات القطاع العسكرى “2-2”

إن قضية أن تكون للقطاع العسكري/ الأمني استثمارات، تكاد تكون مسألة عامة تشترك فيها كثير من الدول ذات الأنظمة الديمقراطية أو الشمولية، غض النظر عن مدى تقدم هذه الدول أو تأخرها، فمثلاً: للجيش الأمريكي استثمارات تقدر بـ 44 مليار دولار في مجال إنشاءات البنيات التحتية، أما الجيش البريطاني فيمتلك استثمارات عدة كتصنيع الألومونيوم وتطوير العقارات وسلسلة من المحال التجارية، وعلى ذات النسق يمتلك الجيش الصيني ما يقرب من 30 ألف شركة تعمل في جميع المجالات، أما الجيش التركي فهو يحوز على مجموعة “أوياك” التي تعمل في كافة المجالات المدنية، وقريباً من ذات السياق يطلع الجيش الباكستاني بإدارة أصول تصل قيمتها لما يقارب الـ 20 مليار دولار، ويستثمر في قطاع الإنشاءات والتعدين والبنوك، أما الجيش الإيطالي، فيقوم بدور أساسي في تجارة المستحضرات الطبية واللقاحات منذ أمد بعيد، والأمثلة عديدة تكاد لا تُحصى أو تعد.
عليه تصبح قضية أن يكون لهذا القطاع استثمارات فوق المجال العسكري مسألة مفهومة من حيث المبدأ ما دام كل أو غالبية الجيوش لها هذا القدر أو ذاك من الاستثمارات، غير أن المعضلة تكمن في أننا مازلنا ننظر لمؤسسات القطاع العسكري/ الأمني بكثير من الريبة، باعتبارها مؤسسات قد تم تجييرها لخدمة مصالح وأجندات حزبية بالضرورة أضيق من اتساع الوطن ومراعاة مصالحه العليا، فضلاً عن الثقة المفقودة حول مدى إيمان هذه المؤسسات بالخيار الديمقراطي الذي كان ومازال سدرة منتهى أحلام شعب ذاق مرارة تمكين الأنظمة الشمولية/ العسكرية على مدي يفوق 80% من عمر حكمنا الوطني لم تورثنا غير مزيد من التخلف والتشظي.
عليه تصبح قضية استعادة هذه المؤسسات إلى حضن الوطن، وإزالة ما علق بها من تشوهات هيكلية أو تنظيمية، أي إعادة هيكلتها وفق رؤية متوافق عليها تشرح شروط مهنيتها وحدود وظيفتها، وأسس قوميتها، ومضمون عقيدتها القتالية، وفوق ذلك ضرورة انصياعها لحاكمية الدستور والالتزام بما يحدده من واجبات، تصبح هي القضية الأهم على ما عداها من مهام، فإن أحسن إنجازها، يمكن أن تفتح المجال واسعاً للنظر في طبيعة وحدود وشروط وتدابير ولوج هذه المؤسسات المجال الاقتصادي، تدابير تزيل أي شكوك حول إمكانية استثمار فوائض ريع استثماراتها كمهدد لاستدامة النظام الديمقراطي الوليد، والأهم أن قضية بهذا القدر من الأهمية والتعقيد لا يمكن أن يتم إيكالها لقيادة ذات المؤسسة، بل يجب أن تكون هماً وطنياً شاملاً مثلها وبقية مهام التحول الديمقراطي، مع الاعتراف بحدود خصوصيتها.
ثم تأتي بعد ذلك – وليس قبله – ضرورة إخضاع أدائها الاقتصادي لا لوزارة المالية فحسب، بل للسلطة التشريعية والتنفيذية والمراجع العام حسب مقتضى الحال لتحديد وضبط أوجه تلك الاستثمارات، التي أرى ضرورة توجهها بعد التخصيص العسكري إلى قطاع الاستثمار في البنيات التحتية ذات الكلفة العالية والمدى الطويل كالمطارات، السدود، الجسور والطرق إضافة لمشروعات إعادة تعمير المناطق التي دمرتها الحروب والتي تحتاج إلى قدر من الحماية، بمعنى أن تتوجه مثل تلك الاستثمارات نحو القطاعات ذات الجاذبية الأقل للقطاع الخاص لما فيها من مخاطر وشروط تمويل قاسية.
كما يجب التأكيد على أن الامتيازات الممنوحة لهذا القطاع – إن وجدت – نظير طبيعة مثل استثمار كهذا لا تؤثر سلباً في مناخ الاستثمار للقطاعين العام والخاص، ثم من بعد ذلك تأتي ضرورة ولاية وزارة المالية على إيراداتها وفق النظم المالية المتعارف عليها، فضلاً على تمكين المراجع العام من مراجعة أدائها المالي وفق النظم المتبعة في مؤسسات القطاع العام.
الهدف من كل هذه التدابير هو معالجة موضوعية للاختلالات الوظيفية والبنيوية لهذه المؤسسات لتصبح مؤسسات ذات خصوصية، ولكنها خاضعة بالكامل للتدابير الدستورية بدلاً عن وضعها الراهن كدولة داخل الدولة، وفي ذات السياق فتح المجال أمامها للاطلاع بمهام تطوير قدراتها الذاتية والإسهام في عملية بناء الوطن وترسيخ السلام واستدامة النظام الديمقراطي وصيانة الدستور، فضلاً عن مهامها التقليدية المعلومة.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال