لماذا الطبقة العاملة؟؟؟
عمار الباقر
حينما يتحدث الشيوعيون في السودان عن الطبقة العاملة والطبقات الفقيرة والمسحوقة، يعتقد البعض أنهم مدفوعون بمد عاطفي وموقف نفسي محض منحاز للعمال ويحبهم، ويدفع البعض بان هذا الانحياز إنما هو ناتج عن موقف أخلاقي ينظر الي الطبقة العاملة وبقية الطبقات الفقيرة والمسحوقة باعتبارها الطبقات التي يقع علي راسها غالب المظالم الناجمة عن هيمنة النظام الرأسمالي الذي توحش خلال العقود التي تلت عقد التسعينات بصورة لم يسبق لها مثيل. ويستشهد الكثيرون منهم بمقولة نسبت خطأً الي وينستون تشيرشل وغالب الظن أن قائلها هو رئيس وزراء فرنسا في مطلع عشرينات القرن الماضي كلمنصو: (( إذا لم تكن شيوعياً وأنت شاب في العشرينيات من عمرك، فأنت بلا قلب. وإذا ظللت شيوعياً وأنت في الثلاثينيات من العمر، فأنت بلا عقل))، ونحمد الله علي نعمة أننا ظللنا بلا عقل الي ما بعد عقد الثلاثينات.
ما سعي اليه قائل المقولة هو إقناع الناس بأن الشيوعية هي مجرد موقف نفسي واخلاقي يعبر عن ضمير حي ولكنه غير عملي، لتجد بذلك المبرر لوجود نظام مثل النظام الرأسمالي الذي يصنع الفقر علي راس كل دقيقة بحجة أن النظام الرأسمالي هو النظام الأكثر تعبيراً عن نواميس الكون وطبيعة المجتمعات البشرية، وهي مقولة خبيثة وخاطئة تصدي لها الزعيم الجنوب افريقي الراحل نلسون مانديلا بقوله: (الفقر ليس ظاهرة طبيعية. إنه من صنع الإنسان، ويمكن التغلب عليه والقضاء عليه من خلال عمل البشر).
إذن حينما يتحدث الشيوعيون عن الطبقة العاملة هم يفعلون ذلك من منطلق اخلاقي نعم، ولكن الأهم من ذلك هو أن القوى المنتجة (بما يشمل العمال والمزارعون وغيرهم من قوي العمل) هي الطبقة التي يعول عليها في القضاء علي الفقر ، فالعمال والمزارعون في أي مجتمع هم بمثابة الرافعة التي إن ارتفع مستواها ارتفعت تلقائياً مستويات جميع الطبقات والفئات الأخرى في المجتمع، بينما نجد أن ارتفاع مستويات الطبقات الغنية قد يؤدي الي غني الدولة ظاهرياً ولكنه لا يحدث تنمية، هو فقط يراكم الثروة في جانب والفقر في الجانب الآخر.
إن تمكين مجموعة محدودة من الرأسماليين ليقودوا عملية الانتاج تحت غطاء ريادة الاعمال وقيادة القطاع الخاص للاقتصاد قد تفضي الي حالة من الغني الظاهري للدولة كما في حالة الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، إلا أنها لا تحدث تنمية ولا ترفع من مستوي معيشة المجتمع فجميع هذه الدول لازالت تعاني شعوبها من مشكلات تنموية عويصة ناجمة عن الفقر، بينما نجد دول مثل الصين وفيتنام قد تمكنت تحقيق التنمية ورفع المستوي المعيشي لشعوبها وذلك لاهتمامها بقوي العمل ( القوى المنتجة) ودعمهم وحمايتهم، ونفس الشيء نجده في كوريا الجنوبية وماليزيا اللتان وأن كانتا تنتهجان نموذجا إقتصادياً رأسمالياً إلا أن اهتمامهما يتوطين الصناعة والتكنولوجيا عبر زيادة قدرات الطبقة العاملة والمزارعين فيهما قد تمكنتا من إحداث اختراقات تنموية كبيرة.
بالتالي فإن الحديث عن دعم القوى المنتجة وحمايتها والنهوض بمستواها الاقتصادي والمعيشي هو موقف عملي يعبر عن رؤية تنموية مفادها أنع لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة من دون دعم وحماية القوي المنتجة وعلي رأسها العمال والمزارعون بما يمكنهم من زيادة انتاجهم بصورة تمكنهم من زيادة مداخيلهم بصورة عادلة، وهذا لا يتحقق من دون وجود التشريعات والسياسات العامة والمؤسسات التي تدافع عن حقوقهم، وعلي راس تلك الحقوق التعليم والصحة والحصول علي المعرفة والخدمات بهدف الارتفاع بمستواهم المعيشي.
إذن ما يستفاد من الدرس هو كيف نحمي وندعم القوى المنتجة من العمال والمزارعين الذين هم مفتاح التنمية باي وجهة كانت.
وكما قال الزعيم الراحل نلسون مانديلا إن القضاء علي الفقر ليس عملاً خيرياً ولكنه عدل.