جبلُ الوردِ، إنتظارُ الشّجَر
شعر : معتصم بيضاب
إنتظَرنا صباحَ الجبلِ المتوحّشِ
على ربوةٍ من الأملِ،
أيّاماً قَضَيْنَاها على جفافِ الشّوكِ
وَوَرِقِ الوردِِ الذّابلِ
نُملٍى العينَ مٍنّا،
والقلبَ بمنظرِ
الخيبةِ القادِمةْ
علي صَهوةٍ من الريحِ
وعنانِ السّحبِ الكاذبةْ.
هبطتُ النَجمةً ذاتَ
الذّنبِ البيضاء،
عَلَى وهْنِ الشّجيراتِ الصغيرةِ الهَيْفَاءْ
التي لمْ يَشْفعُ لها تاريخُ النّدى
في صَد الحَريقِ الأصفَرِ،
متوهّجَ الذّبولِ الشّاحبِِ.
أكَلْنا أطرافَ الأصابعِ الغارقةِ
في وَحْدتِهَا الجّبليّةِ،
قلنَا ما هكذا يُنتَظرُ صباحَ الجبلِ المُتوحشِ..
تَركنَا وردَه في المَخيلةِ
ونَزلْنَا إلى حيثُ يسكنُ الدّمُ الماءْ
شقوقَ الأرضِ الجَرْداءْ،
حَلَلْنا، فإذا بالبرقِ يرحلُ،
والطيورُ تَدكّ أعشَاشَها،
الزّنابيرُ كَفّتْ عنْ صَرِيرَها المتّسـخٌ
بتواريخٍ الصّمتِ،
وزَخّاتِ المطَرِ الحَارقِ
على تلكَ السّفوحِ الشّاذةْ.
خَلَعْنا عَنٍا رائحةِ التّقاربِِ
وَعَزَفْنَا عَنْ تلمّسِ العُطورِ الخُرافيّةِ
في ذاكرةِ المرارةْ
ومُؤخراتِ الماعزٍ الجبليِ.
نَظَرْنَا إلى بَعْضِنا،
لمْ تَكُنْ عُيونِنا مُستديرةً
ولمْ يَكنُ الفَضَاءُ بِلا لونِ.
دَمـعتْ أعينُ الثَعابِينِ تَحتَ أَرجلِ النِساءِ،
وسَالَ السائلُ الأصفرُ،
حادّ الرائحَةِ
مِنْ تَحتِ سَراويلِ الرجالِ الخَائِفينْ.
تَرَكْنَا مَنْزِلةِ الشجرِ
عَلى عرباتٍ بِلَا أَحصنةْ..
نَزَلْنَا إلى حيثُ تَموتُ الأشجارُ رَاكِضَةْ.
هيَ الأشْجارُ،
مَدِينَتُنا القديمةْ
لوحَةٌ بلٌلَهَا المَطرُ
حِينَ نام الطّيرُ وأسْتوحَشَ الحَجَرُ.
هِيَ في عتمةِ اللّحنِ الأسودِ قصيدةٌ أسْلَمَتْ خَدّهَا لحلمِ الظهيرةِ وصياحِ الضياءِ وصَدْر الذّبابِ المُلوّنِ.
الأشْجارُ إِمرأةَ القَمرِ
في بَهجِةِ السَحَرِ،
تَسَلّلت من فِضّةِ الضّياءِ وأَلقَتْْ سَوَادَهَا إلى رمْلِ الرّيحِ
وماءَ البِحَارِ
وإِبْنِ النّهْرِ.
الأشجارُ لَوْنِي،
ضَجّةُ الأصْدقاءِ الصغاِرِ،
أُمّنا التي ضاقَ بِها الحِجْرُ،
قِطّةُ النّخْلٍ تأْكلُ أَبْنَاءٰهَا،
حِكايَةً نَرْويها لصمتِ الفَضاءِ،
غُرفَاً نجْمعُها دافِئةً في الخيالِ
ثُمّ نَنَامُ على رائحةِ
الأخْضرِ المَخْبونْ
وشَكْلِ الهَراواتِ الخُرافِيّة.
الجَبلُ مدينةَ الصّباحِ،
لَونَ اللّا لونِ،
أحْمَرُ الدّمِ
وحِضْنَ التّسَكّعِ على الأْسْفلتِ الحَمِيمْ.
____________________________
شتاء 1992