صورة الرعب الأشهر في تاريخ الحروب.. فتاة فيتنام الهاربة من قنابل النابالم
زار المصور نيك أوت وصديقته منذ القدم كيم فوك الملكة البريطانية الراحلة إليزابيث الثانية في عام 2020، وأخبرني أنهما أجريا معها محادثة ممتعة ومعمقة دامت 10 دقائق كاملة.
لماذا منحت ملكتنا الراحلة امتيازاً من هذا القبيل لهذين الشخصين؟ لأنه قبل نحو 50 عاماً، التقط أوت صورة للطفلة فوك، ربما أصبحت أشهر صورة في القرن الـ20.
لا شك في أن قليلين هم الذين لم يشاهدوا هذه الصورة الخالدة للمصور الفيتنامي الأميركي التي حملت عنوان “رعب الحرب” The Terror of War، أو “فتاة النابالم” Napalm Girl.
وتظهر الصورة التي اكتسبت شهرة عالمية، مجموعة من خمسة أطفال يصرخون من الألم، وهم يركضون على “الطريق 1” نزولاً من أحد المعابد في مدينة ترانغ بانغ جنوب شرقي فيتنام. وتم قصفهم عن طريق الخطأ بقنابل النابالم الحارقة من جانب القوات الفيتنامية الجنوبية التي كانت تدعمها الولايات المتحدة، التي اعتقدت أن المعبد كان مخبأ لمقاتلي “فييتكونغ” (التسمية أطلقها الأميركيون خلال حرب فيتنام على المقاومين لاحتلالهم للبلاد).
لكن في وسط تلك الصورة كان هناك مشهد يستحيل ألا يلفت الانتباه، الفتاة فوك التي كانت في حينه تبلغ من العمر تسعة أعوام، كانت تجهش بالبكاء والصدمة واضحة على وجهها وهي تفر من موقع انفجار القنبلة، فيما ملابسها احترقت بنيران النابالم.
وتعكس الصورة المقولة الشهيرة للمصور الفوتوغرافي إيرفينغ بن المعروف بأن “الصورة الجيدة هي تلك التي توصل الحقيقة، وتلمس القلب، وتحدث تغييراً لدى الفرد الذي يراها”. وبعد مشاهدة صورة “رعب الحرب” لا يبقى شعور أحد على ما كان عليه.
أوت الذي كان بلغ آنذاك من العمر 21 سنة، أدخل بلمح البصر تلك اللحظة المرعبة في سجل التاريخ. والصورة التي التقطها في حينه بالأبيض والأسود، لم تغير فقط مسار حياته وحياة كيم فوك، بل غيرت أيضاً مجرى التاريخ.
وينسب فضل كبير إلى تلك الصورة، لمساهمتها في تسريع نهاية حرب فيتنام. إذ بعد نحو ستة أشهر فقط، وعلى إثر تصاعد الاحتجاجات المحلية في الولايات المتحدة المناهضة للنزاع، وافقت واشنطن على سحب جميع القوات الأميركية من ذلك البلد في إطار “اتفاقات باريس للسلام” Paris Peace Accords.
بيتر آرنيت الصحافي الحائز “جائزة بوليتزر” Pulitzer Prize الذي عمل مع نيك أوت في فيتنام لـ “وكالة أسوشيتد برس”، وشاهد الصورة ما أن هرع بها زميله إلى مكتبهما في العاصمة سايغون، أوضح مدى التأثير لصورة “رعب الحرب” في مسألة إنهاء الصراع بالقول “نظرت إلى الصورة وعرفت على الفور أنها ستهز العالم. كانت لقطة فوتوغرافية رائعة ومعبرة، إذ تروي القصة كاملة. وقد ساعدت على نحو غير مسبوق، في إطلاق مسار إنهاء تلك الحرب بعد ستة أشهر”.
ديفيد بورنيت مصور شركة الإنتاج “لايف تايم” Time Life الذي كان هو الآخر في طريق عودته من مدينة “ترانغ بانغ” في ذلك اليوم المشؤوم، الموافق فيه الثامن من يونيو (حزيران) 1972، يلخص الصورة العالمية التي التقطها زميله أوت بالقول “كانت تلك لحظة وجد خلالها نيك في المكان المناسب، وكأن العالم كله كان حينذاك رهناً به وبعدسة كاميرته”.
اليوم، تنتقل العدسة لتسلط على نيك أوت نفسه الذي يبلغ من العمر 71 سنة، فقصة حياته غير العادية يرويها وثائقي بعنوان “من الجحيم إلى هوليوود” From Hell to Hollywood، وهو فيلم جديد تتفرد ببثه محطة “بي بي أس أميركا” PBS America .
بدأ أوت حياته المهنية عندما انضم إلى وكالة “أسوشيتد برس” وكان في سن الـ16 فقط. كان عاقداً العزم على أن يسير على خطى هوين تاين ماي شقيقه الأكبر الذي كان يشكل بالنسبة إليه مثاله الأعلى، إذ كان هو أيضاً مصور حرب في “وكالة أسوشيتد برس”، وقضى نحبه في عام 1965. ولم يسلم نيك أوت هو الآخر إذ أصيب ثلاث مرات أثناء النزاعات، وما زالت ندوب الجروح بادية على ركبته وذراعه وبطنه.
وخلال لقاء أجريته مع أوت في منزله الكائن في مدينة لوس أنجلوس، أشار إلى أنه يتم تذكيره على نحو شبه يومي تقريباً بالأهمية التاريخية لصورته التي تحمل تسمية “رعب الحرب”. ويقول “مضى أكثر من 50 عاماً حتى الآن، ردد لي خلالها عدد من قدامى المحاربين الأميركيين أقوالاً مثل، ’إن الصورة التي التقطتها ساهمت في وضع حد لتلك الحرب‘، أو ’لقد عدنا إلى بلادنا بفضل صورتك‘، أو ’إننا محظوظون للغاية بأننا لم نفقد حياتنا في فيتنام‘”.
سكوت تمبلتون المنتج التنفيذي لوثائقي “من الجحيم إلى هوليوود” الذي كان جالساً بالقرب من نيك أوت قال “ينظر قدامى المحاربين في فيتنام الذين يعيشون هنا في جنوب كاليفورنيا إلى نيك، وكأنه أحد نجوم الروك. فقد أصبح يشكل جزءاً مهماً من سردية حربهم، وهم جميعاً ينسبون إليه حقاً مساهمته في وضع حد لذلك الصراع. وبالنسبة إليهم، فإن نهاية الحرب تتمحور حول الصورة التي التقطها أوت”.
ويضيف تمبلتون “لقد أعطت صورة ’رعب الحرب‘ زخماً للتيار المعارض للحرب في فيتنام. ودقت مسماراً في نعش تلك المغامرة هنا في الولايات المتحدة. لقد أوصلت حقاً الرسالة إلى الناس في الولايات المتحدة، بأن ما كان يدور هو نزاع رهيب، ولا يمكن أن ينتهي في وقت قريب”.
مع ذلك، لم تنته القصة المذهلة لكل من أوت وفوك بالتقاط الصورة، فبعدما أخذ اللقطة مباشرة، هرعت فوك من أمامه وهي تصيح بينما كانت نيران قنبلة النابالم تحرق جلد ظهرها وذراعها، “إنها حارة للغاية”. وقد أدرك أوت على الفور أنه أمام حالة حياة أو موت، فسارع إلى صب الماء على حروق الفتاة قبل أن تسقط وتفقد وعيها.
أدرك المصور أنه لم تكن أمامه أية لحظة يضيعها، فحملها والأطفال الآخرين المصابين إلى شاحنته، وهرع بهم إلى أقرب مستشفى في مقاطعة “كو تشي” الفيتنامية. لكن هناك، أبلغته إحدى الممرضات بأنه ليس لديهم ما يكفي من الأدوية لعلاج الأطفال، وأنه يجب أن يأخذهم إلى مستشفى الأطفال في مدينة سايغون التي تبعد ساعات عدة. فاعتبر أوت على الفور أنه لو أصغى لها، فسيكون ذلك أشبه بحكم إعدام على هؤلاء الأطفال.
استشاط غضباً وقام بإبراز تصريحه الصحافي للممرضة قائلاً “إذا مات هؤلاء الأطفال، فستظهر هذه الصورة على الصفحات الأولى غداً”، عندها جرى على الفور إدخال جميع المصابين إلى المستشفى لمعالجتهم، وتم إنقاذ حياتهم.
ويقول المنتج التنفيذي للوثائقي في معرض الإشارة إلى الدور الحيوي الذي اضطلع به نيك أوت في إنقاذ هؤلاء الأطفال، “لقد كان فيتنامياً، وكان بإمكانه التحدث مباشرة مع أولياء الأطفال. لكن عندما نقلهم إلى المستشفى، لم يكن مستعداً لأن يواجه بأي رفض. كان يدرك تماماً أنه إذا لم يرفع الصوت، فلن يتمكن هؤلاء الأطفال من النجاة والبقاء على قيد الحياة”.
ويضيف سكوت تمبلتون أن “البطولة التي أظهرها أوت تنطوي على معان أوسع من الإنسانية، استطاع أن يؤكد من خلالها أنه يمكن للفرد الخروج من مثل المواقف الرهيبة وتجاوزها، واختيار الاتجاه الصائب من خلال مساعدة الآخرين”.
ديفيد بورنيت يرى هو أيضاً أن أفعال نيك أوت الشجاعة، ساهمت في إنقاذ حياة الأطفال. وقال إن “أكثر ما يثير الاهتمام في تلك الصورة والسر وراء شهرتها حتى اليوم، هو أن كيم فوك ما كانت لتبقى على قيد الحياة، لو لم يلتقطها أوت في تلك اللحظة”.
إلا أن الجانب المشرق لتلك القصة القاتمة، يتمثل في أن أوت وفوك أصبحا منذ تلك اللحظة صديقين مقربين. يعيش كل منهما في أميركا الشمالية مع شريك حياته وأطفاله، ويلتقيان كثيراً ويعتبران بعضهما عائلة واحدة. ولا يزال نيك يواظب على مرافقة كيم إلى جميع الجراحات التي ما زالت في حاجة إليها لمعالجة جروحها.
وتلقبه المرأة التي أصبحت الآن سفيرة للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، بـ “العم أوت”. وسيعودان معاً خلال أسابيع قليلة للمرة الأولى، إلى المكان المحدد على “الطريق 1″، حيث تم التقاط الصورة التي وحدتهما إلى الأبد.
مع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن تلك الصورة التي لقت صدى واسعاً كادت ألا تبصر النور إلى حد ما. فبعد التقاطها انطلق أوت الذي فاز بـ “جائزة بوليتزر” عنها، وتلقى الثناء والتقدير لها من جانب شخصيات بارزة متنوعة، كالبابا والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، من مستشفى “كو تشي” إلى مدينة سايغون لعرضها على رئيسه في وكالة “أسوشيتد برس” هورست فاس.
جاكسون إيسيزاكي وهو مصور آخر يعمل للوكالة كان موجوداً آنذاك نادى فاس قائلاً “إنها لقطات رائعة، لكن لا يمكننا استخدام مثل هذه الصور، لأنها تظهر أطفالاً عراة”. وكانت وكالة “أسوشيتد برس” تمتنع كلياً عن نشر صور تظهر أفراداً عراة بالكامل.
ويستذكر الصحافي بيتر آرنيت الحائز “جائزة بوليتزر” ما حصل في تلك الأثناء، وقال “دار نقاش طويل دام زهاء 30 دقيقة في شأن ما إذا كان يجوز لنا حتى إرسال الصورة إلى المقر الرئيس في نيويورك”، لكنه أشار إنه “لم يكن لدي شك في شأن إرسالها. كان بعضهم يقول ’قد يتم الاعتراض على ذلك‘. إلا أنني لم أشعر بذلك على الإطلاق. فالحرب مرفوضة، تماماً كما إطلاق قنابل النابالم الحارقة”.
في النهاية، تجاوز فاس في الواقع أي اعتراض، وقام بإرسال الصورة مباشرة إلى مقر وكالة “أسوشيتد برس” في نيويورك. وفي غضون 12 ساعة كانت تتصدر الصفحات الأولى لكل صحيفة في العالم تقريباً.
على خط مواز، وقعت حادثة أخرى. فلدى رؤية الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون الصورة على وسائل الإعلام، أدرك للتو مدى الضجة التي أشعلتها، لكنه ادعى في أحد أشرطة تسجيل مناقشاته مع رئيس أركانه آنذاك هاري روبنز هالدمان، أنه “جرى التلاعب بها”.
وقد استاءت كيم فوك للغاية من رد فعله ذلك، وقالت “زعم الرئيس نيكسون أن الصورة جرى التلاعب بها. لم أستطع أن أصدق ذلك. لم يكن في يدي حيلة لتغيير رأيهم، إذ كنت لا أزال صغيرة. لكنني أحمل جميع ندبات تلك الحروق التي ما زالت ترافقني”.
كان نيك أوت هو الآخر غاضباً للغاية من تشكيك نيكسون في صحة صورته، وقال “على رغم أنها أصبحت إحدى صور القرن الـ20 الأكثر رسوخاً في الذاكرة، إلا أن الرئيس نيكسون شكك في صحتها عندما شاهدها في الصحف”.
وأضاف “إن تلك اللقطة لا يمكن أن تكون أكثر واقعية من وجهة نظري، وبلا شك من وجهة نظر كثير من الأشخاص الآخرين. لقد كانت حقيقية ودامغة كما حرب فيتنام نفسها. لم يكن رعب حرب فيتنام الذي قمت بتسجيله بحاجة إلى تلاعب لإظهار هوله. فتلك الفتاة الصغيرة الخائفة لا تزال على قيد الحياة اليوم، وهي شهادة حية بليغة على صحة تلك الصورة. إن تلك اللحظة لا يمكن لكيم وأنا أن ننساها على الإطلاق. فقد غيرت حياتنا كلياً في نهاية المطاف”.
كثيرون نظروا إلى رد فعل الرئيس الأميركي الراحل نيكسون، على أنها بداية الاتجاه المنحرف لدى السياسيين الذين أخذوا يصفون التقارير الصحافية التي لا يحبذونها بأنها “أخبار مزيفة”، وهو الاتجاه الذي بلغ ذروته مع الرئيس السابق ترمب.
ويقول المنتج التنفيذي تمبلتون “كان نيكسون ومساعدوه يتساءلون عما إذا كان شخص ما سيذهب إلى حد اختلاق صورة في محاولة لجعل الحرب تبدو أكثر مأسوية مما كانت عليه”.
من الواضح أن معارضي الحرب في فيتنام لم يكونوا بحاجة إلى القيام بذلك. لكن موقف نيكسون كان بمثابة مؤشر في ذلك الوقت على الاعتقاد السائد بأن خصومه سيلجؤون فعلاً إلى ممارسة الضغوط اللازمة من أجل الترويج لنظريتهم من السردية. كان ذلك في الواقع موقفاً معبراً للغاية. وأعتقد أنه شكل أساساً لانطلاق ما نعرفه اليوم بالأخبار المزيفة بحيث يمكن لشخص واحد أن يأخذ رواية معينة ويحولها لمصلحته.
كان نيكسون محقاً في التعبير عن قلقه من التأثير الذي كان من المحتمل أن تخلفه الصورة. وبالفعل، منذ اللحظة التي نشرت فيها أحدثت ضجة دولية فورية. ويتذكر جورج تاكي وهو ممثل أميركي اشتهر في سلسلة أفلام “ستار تريك” وناشط في مجال السلام، أن “صورة تلك الفتاة الصغيرة العارية تماماً، كانت محركاً أساسياً حفز حركة السلام في الولايات المتحدة، وأحدثت تأثيراً عميقاً”.
لكن لماذا من بين الملايين من الصور الملتقطة في النصف الثاني من القرن الماضي، احتفظت هذه الصورة تحديداً بقدرتها الفريدة على التأثير؟ لأنها تلخص في ثناياها هول الحرب. فقد نقلت الصورة المنفردة فظائع الصراع البشري بقوة لا يمكن لمجرد كلمات مضاهاتها في التعبير عنها. وانطوت على قوة كامنة قادرة على التأثير في الناس وفي تحويل الرأي العام بشكل كبير. وهذا هو سبب قوتها واستمرار شهرتها إلى يومنا هذا.
وفي إطار تفسير استمرارية القوة المؤثرة لصورة “رعب الحرب”، يقول تمبلتون “لقد صورت بأصدق تصوير الحقيقة الشنيعة لفظائع الحرب والعنف ضد الأطفال، التي يبدو جزء منها واضحاً في احتراق ملابس كيم”.
وأضاف “استطاعت اللقطة الاحتفاظ أيضاً برواجها الواسع في الأخبار عبر بعض الطرق المثيرة للاهتمام. فقد كانت مثار جدل واسع أخيراً بعدما تعرضت للحظر على محرك ’فيسبوك‘، لتصنيفها على أنها مادة إباحية للأطفال، ما حدا ببعض الأشخاص مثل رئيس وزراء النرويج للتدخل، من أجل حمل ’فيسبوك‘ على تغيير سياساته في هذا الشأن”.
وفي هذا الصدد، يعلق مخرج الفيلم الوثائقي “من الجحيم إلى هوليوود” بالقول “إن صورة واحدة هي قادرة أيضاً على امتلاك قوة مطلقة لا يمكن للفيلم أن يفيها حقها بصوره المتحركة”، ويضيف “إن الصورة الواحدة تجبر مشاهدها على النظر. لا تحتاج حتى إلى النقر على رمز ’التشغيل‘. فهي تحدق بك وتتربص بك، بحيث لا مفر من النظر إليها، ولا يمكن بالتالي التغاضي عنها”.
ويتابع “أما الفيديو فما هو إلا عبارة عن مجموعة من الإطارات الموصولة بعضها بالبعض الآخر. لذا لعلك تجد نفسك غير قادر على اختبار اللحظة الآنية للحدث الذي وحدها الصورة الصحافية تستطيع التقاطه بشكل صحيح، لتصبح حالاً تظل مجمدة عبر الزمن على نحو يعجز الفيديو عن تصويره”.
ويشير تمبلتون إلى أن “الصور أصبحت الآن منتشرة في كل مكان. لكن حتى في يومنا هذا، ما زالت صورة ’رعب الحرب‘ تمتلك تأثيراً هائلاً. إنها تظهر أنه حتى في هذا العصر الذي يعج بالصور، لا يزال بإمكان صورة واحدة أن يكون لها هذا المقدار من القوة، وأن تثبت بأنها تستحق هذا الكم من الضجيج الذي يدور حولها”.
وربما من الأمور التي أسهمت في استمرارية شهرة صورة “رعب الحرب” هو أنه جرى التقاطها باللونين الأبيض والأسود. ويرى تمبلتون أن “من أفضل الصور الإخبارية هي تلك التي تلتقط بالأبيض والأسود، لأن غياب الألوان يحول دون طغيان التأثيرات البصرية في مشاهديها، فهي تجعلهم يتوقفون لبرهة للغوص في تلك اللحظة من الزمن، والقول ’إن ما حدث هو أمر مروع‘ أو ’إن تلك كانت فعلاً لحظة مهمة‘”.
بعد سقوط مدينة سايغون الفيتنامية، نبهت وكالة “أسوشيتد برس” نيك أوت إلى احتمال تعرضه للسجن من جانب الحكومة الجديدة إذا ما بقي في فيتنام. وعرض عليه اختيار وظيفة لديها، إما في واشنطن أو في لوس أنجلوس. فكان رد فعله الفوري والحماسي “أريد أن أذهب إلى هوليوود!”
واستطاع أوت أن يشق طريقه إلى النجاح في لوس أنجلوس، عبر مسيرة مهنية مختلفة كمصور فوتوغرافي مشهور. وقام بتغطية محاكمات أو جي سيمبسون (اللاعب السابق في كرة القدم الأميركية)، و(المغني) مايكل جاكسون، وفيل سبيكتور (الكاتب ومنتج الأغاني)، و(عصابة) عائلة مانسون، و(المخرج) رومان بولانسكي، وباريس هيلتون (الممثلة والمغنية)، و(الممثل) تشارلي شين.
في عام 2017، تقاعد أوت بعد مسيرة حافلة بالإنجازات المذهلة في وكالة “أسوشيتد بريس” استمرت لأكثر من 50 عاماً. ومع أنه التقط أكثر من مليون صورة، إلا أن العالم سيظل يتذكره من خلال صورة واحدة.
أما تمبلتون فما زال يواصل مساعيه لتصنيف صورة “رعب الحرب” ضمن قائمة أعظم الصور في القرن الـ20. ولا يزال يصدر تعليقات مشرفة حول صورة “رفع العلم” التي التقطها جو روزينتال (عمل أيضاً مع “أسوشيتد بريس” وحاز أيضاً جائزة “بوليتزر”)، وكذلك صورة “لإعدام في سايغون” Saigon Execution التي هزت العالم والتقطها المصور إيدي آدامز للضابط الفيتنامي نودغوين نغوك لوان في مشهد عنيف وهو يطلق النار على رأس أحد أسرى “الفييتكونغ”.
لكنه يؤكد أن صورة “رعب الحرب” لا بد من أن تصنف ضمن الصور الثلاث الأولى في العالم، ويعتبر أنها بالنسبة إليه تحظى بالمرتبة الأولى لما تحمله من رموز ومعان في طياتها”.
ويؤيده في الرأي آرنيت، الذي يعزو الصدى المستمر الذي تحظى به “رعب الحرب” إلى أنها “أكثر من مجرد صورة رمزية. إنها تمثل فظاعة الحرب في أبشع جوانبها، وما يسفر عنها من قتل وتشويه للأطفال الأبرياء”. ويرى آرنيت أن صدى الصورة “سيظل يتردد إلى ما لا نهاية عبر الأزمان”.
أما الكلمة الأخيرة فنتركها لفوك، فهي تشعر على نحو مفهوم بامتنان عميق ودائم لأوت، وتعبر عن ذلك في قولها “شكراً لك أيها العم أوت. أنت بطلي ولن أنساك أبدا. أحبك”.
وتختم حديثها بالتأكيد على أنه على رغم الثمن الهائل الذي تكبدته شخصياً، إلا أنها سعيدة للغاية لالتقاط صورة معبرة تبقى في أذهان الأجيال المقبلة، وأضافت “أجد صعوبة كبيرة في كل مرة أنظر فيها إلى تلك الصورة، بحيث تعيد إلى ذاكرتي رائحة الدخان، وألسنة النيران التي حرقت جسدي، ما يجعلني أشعر بالرعب الذي انتابني في تلك اللحظة”.
لكنها أعربت عن امتنانها لأوت لالتقاطه تلك الصورة، مؤكدة عدم شعورها بالندم على ذلك، لأنها سجلت مدى الرعب الذي خلفته تلك الحرب وحقيقة ما حدث، والمعاناة الشديدة التي واجهها الأطفال”.
وثائقي From Hell to Hollywood عرض على محطة PBS America في الساعة 8.50 مساء يوم الثلاثاء.
© The Independent
ماهو رأيك في هذا المقال ؟
Average rating 0 / 5. Total : 0
كن أول من يقيم هذا المقال
لا يفوتكم
الحرب في السودان: شهادات مؤلمة من سكان الجنينة المنكوبة
دارفور: (BBC) لم يعد أحد يعيش في ضواحي بلدة الجنينة السودانية بعد أن هجرها …