“أطفال يفقدون الرغبة في الحياة” أفرازات الحرب: اغتصاب.. تعدٍّ.. وتفكير في الانتحار
تقرير : سهير عبد العزيز
يعتبر التاثير النفسي للحرب الدائرة في السودان منذ 15 ابريل 2023 بالغ الأهمية، حيث أثر تاثيرا مباشرا في الملايين من السودانيين / ت، مما أدى إلى معاناة اللاجئين والنازحين وتعرضهم إلى صدمات نفسية شديدة بسبب العنف الذى لازم الحرب، إلى جانب فقدان الأهل والتعرض إلى ضغوط النزوح واللجوء التي ضغطت على أعصابهم وعرضت معظمهم إلى قلق نفسي من جراء التشتت الاسري وتغيير واقعهم الاجتماعي الناجم عن تغيير أوضاعهم، بالاضافة لأعباء ومسؤوليات جديدة ليس فى مقدور معظمهم تحملها الأمر الذى يدفع إلى حالات جنون وتفكير البعض في الانتحار. ويتضح تأثير ذلك جليا وبصورة مباشرة على النساء والأطفال الذين أصبح بعضهم يعاني من الخوف والتوتر والإصابة بالرهاب الاجتماعي وتتحمل المرأة العبء الأكبر من الواقع الجديد بتغير نمط حياتها المستقرة، وتعرضها للانتهاكات والعنف المستخدم ضدها.
ضغوط ما بعد الصدمة.. النساء الأكثر معاناة
أظهرت دراسات علمية أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الحرب معرضون بشكل عام لخطر المعاناة من الاضطرابات النفسية والعصبية كما أشارت لذلك الاختصاصية النفسية ندى حليم وهي خبيرة في الإرشاد النفسي على مدى 15 عاماً وقد تعاملت في مجال الإدارة والتخطيط النفسي لمختلف المؤسسات الطبية ومنظمات المجتمع المدني في علاج الصدمات النفسية بالسودان وتعاملت مع العنف في مختلف مجالاته، وواصلت عملها بعد لجوئها إلى مصر، حيث كرست مساحة كبيرة لعلاج اللاجئات السودانيات ودعمهم النفسي, وتشير إلى أن من أكثر المشكلات اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة من خلال مشاهدتها اليومية ترى أن النساء يعانين بشكل كبير مقارنة بالرجال وذلك لأسباب بيولوجية مثل الحمل والولادة وغيرها من التغيرات الهرمونية بجانب الاعباء المنزلية المتصلة بحماية أولادها مما يؤثر بشكل أكبر على جهازها العصبي (ما يعرف باضطراب ضغوط ما بعد الصدمة) بجانب حالات موجات الهلع خاصة وسط الشابات ومشكلة اضطراب النوم والانتشار الواسع لحالات القلق العام مما يؤدي إلى الاصابة بالاكتئاب، خاصة وأن معظم النساء خرجن من مناطق حرب بعضهن دون سند مثل الزوج أو الأخ وتحملن وحدهن كافة الأعباء.
وحول كيفية العلاج أشارت إلى أن هذا النوع يحتاج إلى جلسات علاج لفترات طويلة وهي قد لا تتوفر للأغلبية لشح توفر الخدمة في مناطق اللجوء وعدم القدرة المادية ، لأن للعلاج شقين وهى جلسات وعقاقير، والأجدى أن تكون المتابعة بواسطة فريق متكامل من كل التخصصات الطبية مما يصعب الالتزام بذلك، كما أن العلاج النفسي يتطلب الاستمرارية على مدى طويل, تضيف أنها وبحكم تجربتها مع النساء اللاجئات أن الكثيرات استجبن للعلاج بالجلسات فقط، وأخيراً ذكرت أن اللجوء للعلاج النفسي ضروره لضمان التحسن المطلوب والمطمئن أن كثيرا من الحالات عاد اصحابها إلى حياتهم الطبيعيه.
وواصلت ندى حديثها فقال: هناك بعض المساعدات الإيجابية التي تقوم بها بعض المنظمات لتقديم الدعم النفسي للنساء السودانيات فأقيمت ورشة دعم نفسي للنساء السودانيات بتنظيم من المنظمة الفنلندية، المتخصصة في النساء والسلام في القاهرة ركزت على تقديم الدعم العاطفي والنفسي الضروري للنساء السودانيات المتأثرات بالنزوح ومن ثم اللجوء. تضمنت عدة جلسات هدفت إلى مساعدة المشاركات على التعامل مع الصدمات وبناء القدرة على التكيف وتعزيز روح التضامن والدعم .
من بين النساء المشاركات هناك من أبدين الرغبة في تقديم تجاربهن للرأي العام حيث تقول ( ل.ع ) إنها استفادت بشكل كبير على عدة مستويات فقد “ساعدتني هذه الجلسات علي فهم الضغوط والصدمات التي تراكمت بسبب الأحداث الصعبة التي واجهتنا كنساء سودانيات في بيئة اللجوء كما ساهمت بشكل كبير على تعزيز مرونتي العاطفية وتحقيق الاستقرار النفسي بجانب فرصة مشاركة نساء غيري عانين وتشاركنا نفس التجربة مما خلق لدينا شعور قوي بالتضامن والدعم الجماعي”.
(هدى. د ) لها كانت لها تجربة مختلفة خاصة وأن معاناتها النفسية بدأت في النزوح داخل السودان حيث مكثت فترة طويلة فى البداية باعتبار أن الحرب ستستمر عدة أيام فقط وبعد طول المدة قرروا – كأسرة – النزوح برغم ضيق ذات اليد. (هدى) طوال الرحلة كان يشغل بالها النجاة بافراد اسرتها اإلى مصر وطوال الرحلة كانت تطاردهم اصوات الدانات والمدافع، بجانب الخوف من عمليات العنف التي كانت تحدث وقد ادخلها خوفها علي بناتها من الاغتصاب ورعب مما واجهته من حالات نهب وسرقه طوال الطريق مما جعلها فى حالة صحيان دائم وافقدها ذلك القدره على النوم حتى بعد وصولهم إلى بر الامان. وأضافت أنها وإن استطاعت النوم قليلا بالمنبهات تستيقظ وهي تصرخ على كوابيس من جراء ذلك لم تستطع هدى أن تتكيف مع العالم الجديد مما دفعها للبحث عن الدعم النفسي وقد ساعدها ذلك الى حد كبير.
الهام الأمين كانت تجربتها مختلفه قليلا خاصة وانها ناشطه في مجال العمل الإنساني ولم تترك السودان مباشرة بعد الحرب بل كانت داعمه للموجودين في منطقة سكنها وسط الدانات والقتل الممنهج الذي يتعرضون له وذلك اثر عليها كثير مما دعاهم للنزوح نتيجة للمرض وعدم القدره علي التحمل وبدأت فى تلقي الدعم النفسي من داخل السودان، تقول الهام” نحكي عن الدعم النفسي في حلفا اجمل ما فيهو انتي ما بتحسي أنك مريضه لأنو كنت بخدم في نازحين والاستماع لمشاكلهم ومحاولة ايجاد حلول وبالتالي تشوف مصيبة غيرك تهون عليك مصيبتك” وتضيف الاختلاف في الدعم النفسي وانا لاجئه في مصر مع مختلف الفئات العمريه من نساء وبنات بلدي في بلاد الشتات، الإحساس لأن المجتمع المضيف فيه مختلف عننا كسودانيين في عاداتنا وتقاليدنا وتربيتنا لأولادنا و أكتر حاجة (واجعاني) السلوك المشين المتمثل فى استخدام الألفاظ البذيئه التى كنت أسمعها عادي”. وتقول “ثقافتنا مختلفه في أي شي بس واجبنا نحترم قوانين البلد المضيف, الحمد لله تغلبت علي الإحساس والشعور بالخوف من المجتمع المضيف بالمعامله معهم في حدود “. وعن طبيعة الدعم النفسي الذي تلقته تقول الهام بأنه كان عبارة عن حكاوي باستخدام طريقة التفريغ وإخراج الأحداث من داخلك.
الحرب خوف ورعب واطفال يفقدون الرغبة فى الحياة :
أشجان وهي أم لثلاثه اطفال عانوا من جراء الأحداث، تجربتها كانت تخص أبناءها وما حدث لهم من اضطرابات نفسيه بالتأكيد أثر عليها كأم تحكي أشجان ” تأثير الحرب علي الأطفال من أول يوم كان مؤلم، ابني يبلغ عمره 8 سنوات كان طوال الليل لاينام وبالنهار بيكون (كويس) وفي المساء يصاب بحمى شديدة وألم في البطن وقمنا بعرض حالته على أطباء من أصدقاء الأسرة بالتلفون وبينهم من استطاع منهم قام بمعاينته فى المنزل جميعهم اشاروا الى ان ذلك ناتج عن ردة فعل نفسية استمر الحال على ذلك إلى أن استطعنا الخروج من مناطق الاشتباك ووصلنا الولاية الشماليه بعدها لاحظنا أن حالته استقرت وتحسن بدون ما يأخذ أي دواء ولكن أصبح يعاني من القلق حتى وصولنا للقاهره” تشير أشجان إلى القلق النفسي الذي أصاب أولادها الآخرين بعد وصولهم القاهره” بعد وصولنا القاهره الآثار النفسيه بقت تظهر على ابنها الثاني وعمره 11 سنه لدرجة أنه الفترة الأولى كان يسقط على الأرض من السرير وهو يصرخ وتطور الامر وبقى يضرب راسه بالسرير ويصرخ ويتأذى ولمن نساله بيقول هو بيشوف صواريخ موجهة إلى منزلنا وستقتلنا جميعا ، وفى نفس الوقت له صديق في الشماليه ( ابن اخى ) وهى الأسرة التي كنا مستضافين فى منزلهم عند النزوح قبل لجوئنا إلى جمهورية مصر كان يصر على أنه قد مات لاعتقاده أن أي شخص في السودان سيموت وانه لايريد ان يعيش اذا صديقه مات (وبقى يجري علي البلكونه في محاولة يرمي نفسه راغبا فى الانتحار ويردد لا اريد أن أعيش إذا أصحابي ماتوا ) وتواصل اشجان قائلة :هذا الوضع سبب لنا أزمة نفسية حادة واصبحنا نشعر بالخوف الامر الذى اضطرنا ان ننام معه ونقوم باغلاق الغرفة خوفا من ان تتطور الحالة وقمنا بعرضه على اخصائيه نفسيه قامت بعمل جلسات علاج نفسي وفى الوقت نفسه اصبحت انا ايضا فى حالة احتاج معها إلى جلسات علاج نفسي، فقد أصبحت أخشى من أي شيء واشتد خوفي على أطفالي كلهم والحمد لله وبفضل الاختصاصيه النفسية وبعد جلسات كتيرة جدا ساهمت في استقرار ابني النفسي، ولها الفضل أيضا في إخراج أطفالي من الوضع الذي كانوا فيه لا استطيع أن أجزم بانه (اي ابني) قد تعافى نهائيا ولكن التطور واضح في قدرتهم كلهم على التعامل مع المجتمع حولهم” وعن الاثر النفسي عليها تقول “طبيعي الضرر البيقع علي طفلك ضرره أكبر عليك لأنه قد لا يكون مدرك للحدث وبقدر خوفنا أنا وابوه لخطورة ما يتعرض إليه تسبب ذلك في صدمة نفسية لكلينا، ولكن بفضل العلاج تحسنا كثيرا رغم أن الخوف لازال يكمن في دواخلنا بسبب ما يحدث في السودان .
الاغتصاب والتعدى أسلحة مدمرة للإنسان :
الدكتوره تهاني قاسم أخصائية نفسيه تتعامل مع اللاجئين من قبل الحرب في مصر تحدثت مشيرة إلى الاختلاف الذي تلمسته بين من أتوا بعد الحرب، إن الحرب غيرت الأعراض النفسيه لدى أغلب السودانيين، إذ تعرض أغلبهم لضغوط نفسية لا تنحصر في نوبات الهلع والتوتر الملازمة لاستخدام الأسلحة، بل لاستخدام أسلحة مدمرة للأعصاب كالاغتصاب والسرقات والتعدي، وعلمياً تعد من أخطر أسلحة دمار الإنسان، وتضيف أن معظم الاأشخاص أصيبوا بفقدان التوازن بسبب التغيير الإجباري في أواضاعهم الطبيعيه، وأن أكثر الفئات المتضرره كبار السن لارتباطهم الوثيق بحياتهم المعتاده والنساء منهم يتصاعد خوفهم على أسرهم بمستقبلهم المجهول بداعي الحرب..
الجدير بالذكر إلى أن هناك قوانين دوليه تدعو إلى اتخاذ تدابير خاصه لحماية المرأة من العنف القائم على النوع وغيره من أشكال إساءة المعامله الجنسيه ومن أشكال العنف الأخرى خاصة الاغتصاب في حالات الصراع المسلح كما جاء في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحده 1325 المتخذ بالاجماع في 31 أكتوبر 2000 والمصدق عليه من السودان ولكن للأسف لا يتخذ بتطبيقه ولا يسلط عليه الضوء لتمليك النساء المعلومة بحقوقهن. مما يؤثر سلبا في نفسيتهن.