‫الرئيسية‬ ثقافة تداعيات يحيي فضل الله (خوجلى عثمان وذاك الخنجر)
ثقافة - 5 نوفمبر 2024, 21:36

تداعيات يحيي فضل الله (خوجلى عثمان وذاك الخنجر)

 يحيي فضل الله
———–
حمى الانتظار, لا بل , قل هذيان الانتظار , من هنا كان ينظر الى حيث متوقع ان تأتى , لا تحيد نظراته ابدا عن الطريق الذى يتوقع ان تأتى منه ,اخرج منديلا من جيبه, راح يمسح العرق من على جبينه،ادخل المنديل،اخرج منديلا اخر مسح به هذه المرة على الجزمة بعناية فائقة تؤكد استعداده التام لهذا اللقاء و ادمنت نظراته التجول حول ذلك الطريق هكذا كان……. ، اعذرونى , كنت اريد ان احكى عن ( ود فرج الله ) و لكن , ها هي ملامحه تضيع منى و الراديو يعلن فى صبيحة هذه الجمعة 11 نوفمبر من العام الرابع و التسعين، يعلن الراديو ان احدهم, مجرد احدهم, قد قتل الفنان المغنى( خوجلي عثمان) ليلة الخميس , بدار اتحاد الفنانين و الفنان (عبد القادر سالم ) يرقد بالحوادث متاثرا بطعنات خنجر القاتل و ها نذا لا استطيع الامساك
بتلابيب السرد, تتقاذفنى علاقات اللاجدوى، احس باننى مرتبك الى حد ما ,تسيطر على ذهنى صورة لا استطيع ان اتجاوزها ، صورة ذلك الصقر الذى حط على شجرة النبق التى فى منزلنا, حط ذلك الصقر فى هذا الصباح فطارت مرعوبة ازواج من القمارى , بمخلب رجله اليسرى تناول ذلك الصقر من احد الاعشاش فرخا صغيرا كان قبل قليل يستدفئ بامه, نظراته جشعة كان الصقر, لم يكتف بذلك بل , حمل معه فرخا اخر بمنقاره الحاد و طار، كنت اراقب ذلك و لا املك حتى القدرة على هشه من الشجرة , كنت اراقب ذلك بحياد، حياد من اصيب فى مقتل
(( يا روحيثى هاجرى
و فتشى
شوفى عاد كان تلقى شئ ))
عاد الكاتب الدرامى العظيم( صموئيل بيكيت ) صاحب مسرحية (فى انتظار جودو) الى ايرلنده موطنه فى اجازة قصيرة بعد انتهى من دراسته الجامعية بفرنسا ، جاء و فى باله ان يستمتع باجازته, لم يكن يتوقع ان يحدث له ما حدث و من حيث لا يدرى ضاعت اجازته على سرير المستشفى , شخص غريب لا صلة له مطلقا به لا تربطه به ادنى عداوة ، جاء هذا الشخص و طعن (صموئيل بيكيت) بخنجر, انغرز ذلك الخنجر فى جسد ذلك الكاتب الذى كان وقتها شاب يتحسس طريقه الادبى ,اهتم
( صموئيل بيكيت ) اهتماما شديدا بامر هذا الشخص الغريب و اصر ان يلتقى به, حين تم ذلك اللقاء سأل (بيكيت ) ذلك السؤال الذى عذبه طيلة ايام المستشفى
(لماذا فعلت بى ذلك؟)
رد ذلك الشخص الغريب على تساؤل (بيكيت) العميق و بحياد معلن
(لا لشئ )
و هنا اسمحوا لى ان اسودن هذا الرد الغريب ى( ساكت )
من هذه الحادثة الغريبة , احس (صموئيل بيكيت) بلا جدوى الحياة ,احس بالعبث الذى لون كل كتاباته الروائية و المسرحية و كان ذلك الخنجر الذى انغرز فى جسده ( ساكت) بمثابة تحول فلسفى عميق، يقول هذا الكاتب العظيم واصفا حياة الانسان
( حياة الانسان ثلاث ظلمات، ظلمة الرحم مرورا بظلمة الحياة وصولا الى
ظلمة القبر )
(( يا روحى هاجرى
و فتشى
شوفى عاد كان تلقي شئ
مهما مهما عذبنيثى المشى
عندى زول
بقى كل شئ ))
يا ايها الاعزل الا من الشعر و الاغنيات
هل بالامكان ان نحلم باغنية جديدة؟
ما اقسى ان تحبس تلك الدندنة فى اوتار الصمت الابدية
آه لو كنت تملك قدرة ان تمنع دمك من مغبة فعل الاندلاق؟
(( اسمعنا مره
بس اسمعنا مره
الدنيا تبقى
ما فيها مره
و الكون يلالى
بهجة و مسره
حن فى عمرنا
عارفنو مرا
و ان قلت لا لا
هم و استمرا ))
قبل الروح تروح، لو كان ذلك الخنجر الذى انغرز فى عنق الكاتب العربى الروائي الكبير (نجيب محفوظ) لو كان لذلك الخنجر ذاكرة لعرف كيف يتفادى تلك القامة العالية التى هى (نجيب محفوظ)
آه لو كانت الاسلحة تمتلك ذاكرة
يبدو ان العالم يتجرد متخذا شكل الخناجر سكاكين، فؤوس، هراوات، قنابل،
بنادق، طوابير من القتلي، و زحام من القتلة، دماء وقنابل، قاذفات لهب ،كيماويات و وبائيات، وساوس و ممنوعات
(( فآجاتنى الخناجر
ذات قمر
ناري التى اشتعلت
صيرتنى رماد ))*
تري هل يمكن ان نتصور شكل قاتلنا الجديد؟
هل بالامكان ان نصف ذلك القاتل الذى يخطف الروح؟
هكذا بغتة تذهب التساؤلات نحو اجاباتها التى فقدت قدرتها على النطق ,على
الحركة ،على حيوية ان تصمد امام التساؤلات , لذلك يظل الموت قادرا تماما
عليثى تنويع المفأجات.
مزق عبد القادر الجريدة و انحرف مزاجه عن العمل , شتاء يتسرب خفيفا
فى تفاصيل يوم الجمعة ,11 نوفمبر من العام الرابع و التسعين, السوق الشعبى
امدرمان, الدلالة, كاد ان يفقد حيويته, لا زالت المايكرفونات تعلن عن اسعار
اللحوم ، انفعالات و ضجة تلتف حول معنى مقتل المغنى ( خوجلى عثمان )
مجموعات من البشر تتناثر هنا و هناك فى شكل حلقات نقاش حول الامر
احد اكشاك المرطبات حاول ان يستثمر الحدث فبحث صاحبه عن شريط
ل(خوجلى عثمان) فانساب ذلك الصوت المسالم من خلال جهاز التسجيل ليختلط
بكل ضجة السوق و اختلافاتها الحميمة حول مقتل المغنى
(( ما بنختلف
درسنى بس
قانون هواك
بحفظ حروفو
حرف حرف ))
وقف ( حمد ود ام برمبيطه) امام ذلك الكشك، لم يشتر شيئا و لكنه بدلا عن
ذلك انحدرت دموعه و اختلطت بعرق وجهه الطيب
((شفاف
زعلك بشفق
و شوفتك شفاء
و بعترف ))
هنا مسح ( ود ام برمبيطه) وجهه بطرف العراقى المتسخ و تهدج ببكاء حارق
و تحرك من امام الكشك لا يلوي على شئ.
يقول الشاعر (صلاح عبد الصبور) فى نهاية مسرحيته (مسافر ليل)
(( في يده خنجر
و انا مثلكم اعزل
لا املك الا كلماتى ))
و هانذا اخاف من حلمى بان تكون للاسلحة ذاكرة و ذلك حتى لا تتحقق رؤية الشاعر (ايمن ابو الشعر) حول محاكمة ذلك الخنجر
(( يبرأ خنجر القاتل
و تشنق جثة المقتول ))
———–
* مقطع شعري للشاعر والكاتب المسرحي محمد محيي الدين

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 5 / 5. Total : 1

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *