‫الرئيسية‬ مقالات أخطار تواجه أنشطة تقديم الخدمات المدارة مجتمعياً
مقالات - 5 نوفمبر 2024, 21:17

أخطار تواجه أنشطة تقديم الخدمات المدارة مجتمعياً

مزن النيل
كتبت قبل أيام عن أهمية الانتباه للأخطار التي تواجه أنشطة تقديم الخدمات المدارة مجتمعياً في السودان، مثل المطابخ المشتركة ومبادرات الايواء وغرف الطوارئ الصحية وغيرها. وناقشت  الأهمية العملية للحفاظ على هذه الأنشطة والحفاظ على تصميمها القائم على المساندة المتبادلة من أفراد المجتمع لبعضهم البعض لأنه وفي  هذا الوقت تعلي هذه الأنشطة نتيجة لتصميمها من أولويات حياة الجماهير التي هي بمثابة خط الدفاع الأهم الذي يقلل الموت والشقاء على المجموعات التي تعاني من أوضاع سيئة للغاية داخل وخارج مناطق النزاع. وأضيف إلى ذلك أن المحتاجين لهذه الأنشطة ليسوا محصورين فقط في من يتعرضون لاثار الحرب بصورة مباشرة، سواء بوجودهم في مناطقها او نزوحهم لخارجها، بل تحتاجها ايضا المجتمعات التي لم تصل الحرب مناطقها  والتي تعاني نقص في الخدمات من قبل السلطات الرسمية التي اولويتها الحرب لا الحياة كما تعاني أيضاً من الغلاء والامراض  ومن المنطقي ان نتوقع تزايد  هذه  الأوضاع و استمرارها وتزايدها وبالتالي ستتزايد دائرة من هم بامكانهم الاستفادة من الإدارة المجتمعية للخدمات التي اثبتت نجاحها في الشهور الفائتة.
ولأهمية هذة الأنشطة كان الحديث عن الاخطار التي تواجهها لأنها أخطار تواجه قدرة المواطنين على الحياة، وكان الحديث عن أحد هذه الأخطار  هو نضوب الموارد المادية والبشرية وناقشت أحد الحلول الممكنة لهذه المشكلة. إلا أن هناك خطرا آخر بنفس درجة الأهمية يواجه أدوات الحياة هذه، ألا وهو خطر تقلص مساحات العمل المتوفرة لها.
في الأسابيع الماضية سعت محلية كرري لوضع نظام إشراف على دور الايواء والمطابخ في منطقة كرري والريف الشمالي. “علمت عن ذلك من بوست لأحد العاملين في احدى هذه المطابخ ” حيث ذكر أنه ضمن عملية الإشراف  وطلبوا منهم توفير المعلومات الشخصية للمستفيدين والعاملين في المطابخ وسبل تمويلها وغير ذلك.  ويبرز هنا ما تحاول ان تفعله محلية كرري كذراع للدولة وهو الوجه البيروقراطي الألطف لمحاولات السيطرة على الإدارة المجتمعية للخدمات،  ولكن ايضا لها أوجه اعنف رأيناها في اعتقال المتطوعين، واغلاق بعض الغرف والانتهاكات من قبل الجنجويد والجيش على مراكز هذه الخدمات. وعندما تقوم السلطات بهذه الأفعال يكون هناك رد فعل مستنكر ومستغرب من المواطنين فيما معناه “ليه بس الضر؟”، لماذا توجه السلطة أسلحتها العنيفة والبيروقراطية تجاه من يحاول  مساعدة المواطنين فقط ؟.
إن  من الضروري استبدال هذا الاستغراب بالاستيعاب والفهم  فهناك سؤال جوهري ومهم. وهو ان جزء كبير من قدرة أي سلطة نخبوية على الحفاظ على نظامها رغم انه يفيد الأقلية ويقهر الأغلبية هو الحفاظ على فكرة أنه لا يوجد نظام أفضل من ذلك، انه ممكن يتم تغيير من هم على رأس السلطة لكن في النهاية لابد أن تدار الأمور من أعلى. ولذلك نجد ان رغم منافسة المشاريع النخبوية بين بعضها البعض على من سيصعد إلى أعلى هرم النظام الا أن عداءهم الأعنف يكون نحو المشاريع المجتمعية اللانخبوية التي تعمل على تنظيم الناس لأنفسهم لأنها  تشكل خطر حقيقي على النظام النخبوي بأكمله بأنها  تكشف للجماهير ليس فقط إمكانية التنظيم والإدارة الغير نخبوية بل و تكشف ان الإدارة الغير نخبوية افضل واقدر على توفير الاحتياجات. ويمكننا النظر الى تاريخنا القريب لنرى كيف كانت العقبة الأكبر في وجه دعوات التنظيم الشعبي والإدارة المجتمعية للأحياء هي الأسطوانات المكررة عن استحالة ذلك وعن ان الفشل سيلازم الإدارة المجتمعية ويجب علينا وضع جهودنا في تقوية الهياكل النخبوية واصلاحها، بينما الواقع اثبت انه في لحظة الفاجعة والكارثة واشتعال الحروب نجحت الإدارة المجتمعية في توفير الخدمات للجماهير بينما ظلت السلطات النخبوية تتخبط بين تناسي احتياجات الناس وبين الفشل في توفيرها حتى عندما تصلهم الإعانات والمساعدات لنجدها تباع في الأسواق بعد أيام.
السلطة النخبوية تفهم تماما ان  تنظيم المدنيين لأنفسهم لتلبية احتياجاتهم هو مشروع سياسي مضاد لها وخطير عليها. بينما المساندة المتبادلة مشروع سياسي يطرح إدارة الموارد المتاحة للمجتمع، عبر أفراد المجتمع، لتوفير الاحتياجات الأساسية لأفراد هذا المجتمع. والسلطة النخبوية مشروعها السياسي إدارة الموارد المتاحة للمجتمع عبر مجموعة صغيرة منه او خارجه تحدد أولويات الصرف دون تقييد بالاحتياجات الأساسية لأفراد المجتمع. علما بأن أي مشروع سياسي هو في جوهره نظام إدارة موارد وتحديد أولويات الصرف.
وبالتالي اجتهاد السلطة النخبوية في السيطرة على “الناس البتحاول تساعد” ليس مجرد فعل (ضر) غير منطقي بل هو فعل بقاء لابد أن تقوم به السلطة النخبوية والا ستفنى وتنهار عندما يتبين للناس فشلها وتفوق المشروع اللانخبوي. ستواصل السلطات النخبوية عملها الجاد بهدف تقليص مساحات عمل الإدارة المجتمعية للخدمات إما بايقافها أو بضمها تحت أدوات الدولة. ويتطلب مواجهة ذلك أن نصبح واعين، ونعلم أن المساندة المتبادلة مشروع سياسي يجب الدفاع عنه،  مثل ما  تعلم السلطة النخبوية انه مشروع سياسي يجب عليها القضاء عليه. والا سنكون في معركة يفهمها العدو بينما نحن نتلقى ضرباتها ونحن جاهلين حتى بوجود المعركة.
فهم الإدارة المجتمعية للخدمات والمساندة المتبادلة كمشروع سياسي مقاوم للنخبة هو خط الدفاع الأهم من اجل حفظ بقاء هذه الأنظمة في وجه اخطار محاولات تحجيمها التي لن تتوقف.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *