خيار أخف الضررين في الانتخابات الأمريكية
حسام عثمان محجوب
صوت يوم الأربعاء في تكساس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وكتبت اسم كورنيل ويست كمرشح (write-in candidate). بسبب النظام الانتخابي العقيم الموروث من زمن العبودية، فصوتي ليس مهماً في ولاية محسومة للجمهوريين مثل تكساس، ولذلك كان قراري أسهل مقارنة بالناخبين في الولايات المتأرجحة مثل ميتشيغان وبنسلفانيا. السبب الرئيسي لعدم تصويتي لكمالا هو أنها مشاركة رئيسية في جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في فلسطين ولبنان وأماكن أخرى. لا أشك أن ترامب كان سيرتكب نفس الجرائم لو كان رئيساً، وإذا انتُخب مرة أخرى، فسيواصل ارتكابها بجرأة أكبر، إلا أن فداحة تلك الجرائم تجعل من غير الممكن تبرير عدم محاسبة مرتكبيها.
أعرف تماماً أن الفرق بين ترامب وكمالا ليس كبيراً في قضايا عديدة، وأن الديمقراطية في الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة، وأنها تنطلق بسرعة كبيرة منذ عقود في مسارات غير ديمقراطية، حتى خلال فترات الرؤساء الديمقراطيين. كما أرى أن الشعب الأمريكي بحاجة إلى إدراك أن النظام يتطلب تغييراً جذرياً لن يتحقق إلا عندما يقرر غالبيته ذلك وينتظم ليحققه. ومع ذلك، فإنني أعلم أيضاً أن هناك فروقات محلية مهمة بين ترامب وكمالا، حيث أن سياسات ترامب قد تضر بعدد أكبر من الناس في أمريكا في السنوات القليلة القادمة، في حين أن بعض سياسات كمالا كانت قد تساعدهم. ومع ذلك، يجب على الناخبين الأمريكيين الذين سيصوتون لكمالا أن يدركوا أن الشعب الأمريكي يتحمل مسؤولية جرائم بايدن وكمالا، وأنهم – شاؤوا أم أبوا – سيدفعون ثمن الجرائم التي ترتكبها حكومتهم في أنحاء العالم بما فيها فقدانهم للديمقراطية المحدودة التي يعتقدون أنهم يعيشون فيها.
أنا لم أصوت في انتخابات هيلاري كلينتون وترامب في 2016، وكتبت أنني أتمنى أن يفوز ترامب كي لا يعيش الشعب تحت أي أوهام بأن الأمور على ما يرام، وحتى يرى الواقع المرير ويدرك حاجته إلى تغيير جذري. لكن من الواضح أن نسبة كبيرة من الشعب لم تصل بعد إلى هذا الإدراك، ولذلك كانت الخيارات في عام 2020 بايدن، وفي 2024 كمالا.
بالنسبة للذين يقولون إن رئاسة ترامب لن تكون نهاية الديمقراطية كما يخشى البعض، الفارق الكبير بين ترامب 2024 وترامب 2016 هو أن نجاح ترامب في المرة السابقة كان مفاجئاً له وللحزب الجمهوري وللمحافظين عموماً. لكن هذه المرة هناك مشروع واضح ومتكامل لتغيير أمريكا ونظامها لعقود قادمة. ترامب نفسه ليس صاحب هذا المشروع ولا المنفذ الوحيد له، بل هناك مجموعة منظمة للغاية تمتلك رؤية واضحة لهذا المشروع، وإذا نظرنا فقط إلى تأثير قرار المحكمة العليا (Citizens United) على تأثير الأموال في الانتخابات وعلى المساواة بين الناخبين، وحاولنا تخيل تبعات مشروع 2025 (Project 2025) الذي سيبدأ منذ اليوم الأول في إنهاء استقلالية ومهنية السلطات القضائية على المستويات المحلية والفيدرالية، وإنهاء استقلالية الخدمة المدنية وأجهزة الرقابة والتنظيم، سنحصل على فكرة بسيطة عن مدى اختلاف رئاسة ترامب القادمة عن سابقتها.
بالطبع، هناك احتمال، وإن كان ضعيفاً كما أرى، أن تفوز كمالا في الانتخابات، لكن في حال حدوث ذلك، لن يكون انتصاراً حاسماً، وعلى الأغلب لن يتم حسمه بسرعة. في ذلك الوقت، سيكون لدى ترامب وأنصاره خيارات عجيبة تشبه أحداث مسلسل (House of Cards) يعملون عليها، وقد ظهرت مؤخراً تحت مسمى السر الصغير (Little Secret) إضافة إلى العنف المتوقع الذي ستكون أحداث 6 يناير 2021 بالنسبة له لعب أطفال.
وقد تحدث ترامب قبل أيام عن هذا السر بينه وبين رئيس مجلس النواب، الجمهوري مايك جونسون، ولم ينف جونسون وجوده. وقد فصل إيلي ميستال (Elie Mystal) في مجلة (The Nation) عدة سيناريوهات محتملة لهذا السر، تعتمد على تفسير للتعديل الثاني عشر للدستور الأمريكي يتحدث عن فوز الحاصل على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي بالرئاسة، وعلى التواريخ المقررة لاختيار المجمع الانتخابي ولتصويته. يمكن في هذه السيناريوهات أن تتأخر بعض الولايات في تحديد ناخبيها للمجمع الانتخابي، وحينها يمكن إذا حلت التواريخ المذكورة إهمال أصوات هذه الولايات، كما يمكن أن ينتهي الأمر عند مجلس النواب بحيث يصبح لكل ولاية صوتاً واحداً لانتخاب الرئيس، والجمهوريون يملكون أغلبية الولايات في المجلس، ولرئيس المجلس جونسون سلطة في عدد من هذه السيناريوهات المحتملة. وإذا قاومها الديمقراطيون قانونياً فقد ينتهي الأمر أمام المحكمة العليا، وهو المحكمة التي غالبية قضاتها جمهوريون بل عين ترامب شخصياً ثلاثة من قضاتها التسعة.