‫الرئيسية‬ ثقافة فنون عودة للعود – ٢ –
فنون - 31 أكتوبر 2024, 15:51

عودة للعود – ٢ –

عبدالله محمد عبدالله
وفَد الغزاة في أعقاب المهدية و استقروا و نشروا ثقافاتهم و أطعمتهم و أزياءهم بين الناس، و موسيقاهم، فكان من بين أعاجيب ما جاءوا به آلة العود الموسيقية، التي اجتذبت بعض شباب الخرطوم اليها فتعلموا عزفها ممن احتكوا بهم من المصريين و الشوّام الوافدين. و قد ذكر الفنان حسن عطية في إفادة لمحمود ابو العزائم إن اول من اتقن عزف العود من السودانيين آنذاك كان عبدالقادر سليمان شقيق الفنان حسن سليمان ( الهاوي)، و قد كان صديقاً لخليل فرح (1894-1932) و هو الذي علّم خليلاً العزف. و لا غرابة إن فاق الخليل هؤلاء الرواد شهرة فقد كان وطنياً صلداً و شاعراً ملحناً و مغنياً.
و قد كان على أولئك الأوائل ان يستنبطوا نهجهم الخماسي الخاص غير مقيدين بالمقامات الشرقية و القوالب الموسيقية التي نشأ عليها أساتذتهم الوافدون، ومن هنا بدأت (سودنة العود )! و من الغريب أن بيننا من يحتفون بأفرَقة آلة الجيتار التي تولّاها علي فاركة توري (1939- 2006) في مالي، ثم لا يعيرون انتباها لما حدث لآلة العود في بلادنا!
من الممكن تتبع تطور مهارة العزف على العود منذ تلك البدايات، على ندرة ما وصل الينا منها، منذ ما شابهَ الإنشاد من غناء خليل فرح و مجايليه، و مروراً بروّاد الأغنية الحديثة، تلك التي جاءت ثمرةً لتوطّن العود و إتقان عزفه من ناحية و إلي بروز شعرٍ غنائيٍ جديد.ٍ تخطّى أغنية الحقيبة التقليدية نسجاً و معنىً من ناحية أخرى. يتبدّى ذلك في مدى تمكّن حسن عطية ( أمير العود ) و احمد المصطفي و عثمان حسين، و تمايُز اساليبهم في العزف، سواء رافقوا الفرقة الموسيقية محدودة العدد أو ظهروا في أداء منفرد. كما يتبدي في شعر عبدالرحمن الريح و عتيق و قرشي محمد حسن و أضرابهم.
شكّلت الإذاعة السودانية التي افتُتحت مطلع الأربعينات حاضنةً للأغنية الحديثة و أسهمت في ان يكون فنانوها نجوماً في المجتمع العاصمي . فكان حسن عطية، ،احمد المصطفى، إبراهيم الكاشف و عثمان حسين ومن زاملهم أو أتى بعدهم بقليل، مثالاً يجسّد المطرب الجديد مظهراً و أسلوبا. و هكذا نهضت أعمدة المرحلةً الثانية في تأرختنا للعود فقد أنجز هؤلاء الأساتذة ألحانا خالدة تدل على سمو مواهبهم و على تمهّرهم في عزف الآلة التي أنشأوا بمساعدتها تلك الألحان. لقد وضع اولئك الرواد أغنيتنا في مسار الحداثة، بينما أشاعوا آلة العود في مدننا و اشعلوا إعجاب الكثيرين بها و حرّكوا سعيهم لاقتنائها و تعلُّم عزفها. وعلى مدى عشرات السنين تطور اسلوب العزف بالتدريب و الدراسة و برز فيه من عباقرة أفذاذ على مر العقود.
قال الموسيقار الرائد اسماعيل عبدالمعين إنه زار خليل فرح خلال رقدته الأخيرة بالمستشفى، و كان مما أوصاه به الخليل أن يسافر الى مصر لدراسة الموسيقى. و هذا ما فعله عبدالمعين الذي أنجز أناشيد مؤتمر الخريجين خلال طلابته بمصر.
أما سيد خليفة فقد استعاض بدرلسة الموسيقي عن دراسة الطب الذي بُعث به لدراسته في القاهرة فكان ثاني اثنين! و لم يكن ( زنجران) الموسيقار الباحث عبدالمعين ألا توسلاً بالعود لسبر اغوار ثقافاتنا الموسيقية و تقصي أصولها.
صار العود منذ الخمسينات آلةً لا غنى عنها لملحن سودانيٍ أو مغنٍ حديث، فتوفر للمستمعين رصيد ضخم من الأعمال الموسيقية و الغنائية التي لعب العود دوراً مشهوداً في إنشائها، و برز ملحنون على رأسهم عبدالرحمن الريح الذي اعتبره الكثيرون جسراً بين الحقيبة و ما اعقبها، و الموسيقار العبقري برعي محمد دفع الله الذي تنازعته الوظيفة و الموهبة زمناً، فأعانه التحاقه بمعهد الموسيقى العربية بالقاهرة، ثم ابتعاثٌ دراسيٌ قصير إلى بريطانيا، على شحذ أدواته، و الإستقرار بالاذاعة السودانية مبدعاً و موظفاً، فكان من أقطابها، وأهلته مواهبه ليصبح الملحن الأعلى صيتاً و عازف العود الأسمى قدراً لأمدٍ ليس بالقصير.
نواصل.
——————————————————————
* بورتريهات إسماعيل عبدالمعين، برعي دفع الله و حسن عطية من اعمال الأستاذ التشكيلي عماد عبدالله، له كثير الامتنان.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 5 / 5. Total : 2

كن أول من يقيم هذا المقال