‫الرئيسية‬ ثقافة فنون رحيل عبد الله عربي.. انفصال القوس عن وتر الكمان
فنون - 31 أكتوبر 2024, 21:07

رحيل عبد الله عربي.. انفصال القوس عن وتر الكمان

بقلم السفير عبد المحمود عبد الحليم

…قال زواره في أيامه الأخيرة إنه عانى من نوستالجيا مفرطة وحنين دافق للبلد.. لعله كان في ذلك مثل ”موزارت ” عبقرى الدانوب الذي شرع ، وقد أحس بدنو أجله، في تأليف معزوفة الوداع ”قداس الموت”  تأبينا لنفسه، فمات قبل أن يكمله فقام بذلك صديقه الملحن الشهير ”سالييرى”. رحل عبد الله عربي فأحزننا ، وغادر وفي وجدانه أشجان الضفاف وأحلام العودة، وهو الذي جعل الوطن أكثر وسامة وحياتنا أقل وحشة. عندما أغمض الحمام جفون عربي انفصل القوس عن وتر الكمان  وتسللت نغمه ملتاعة لتعلن لبلاد النيلين في موسم أحزانها  الممتد موت دنيا وتوقف نبض “المصفى القانوني” لأحزاننا.. شكل عربي، وهو سليل أسرة مبدعة بدءا بوالده المنشد المعروف، وإخوته المطربين والعازفين، ضلعا رئيسيا في مدرسة الخرطوم جنوب والسجانة ذات البصمة البائنة والمبهرة  والمتفردة  في حركة تطور الأغنية والموسيقى السودانية بنبوغ عازفيها من لدن عبد الفتاح الله جابو وحسن بابكر وحمره سعيد وأحمد بريس وعوض رحمه ومحمد سراج الدين.. لم يكن عبّد الله عربى عازفا ماهرا مرافقا لعمالقة الغناء فحسب بل كان مؤلفاً وملحنا وموجها وهو من كان خلف فكرة الورش الفنية بحثا وتشريحا للأعمال الفنية قبل تقديمها على النحو الذى تعرضت له أغنية “شجن” لعثمان حسين، حيث كان عشاق فنه ومتابعيه  وزوار مكتبه وكان قد بلغ مرتبة كبير المراجعين يمازحونه ”يا عربي .. مراكب  ريدنا لسه ما وصلت؟” مشيرين بذلك  للكوبليه الأخير في أغنية شجن ”وتعود مراكب ريدنا لي بر الأمان” .. كانت (صولات) و (حليات) عبد الله عربي تتحدث عن نفسها ، بل كانت تتفوق على كامل اللحن أحيانا… وكان وجود عربى  علامه تميز  الأوركسترا، بنظارته السميكة ووجهه الصارم ماعدا شيء من ابتسامه عندما يستمع لتصفيق المعجبين بعد تنفيذ (الصولات)، وقد أضافت الفترة التي ابتعث فيها للنمسا الكثير لتجربته  لجهة  إجادة العزف والأداء الاوركسترالي عموما وغيرها من المدخلات.. زامل من الفنانين الكبار أحمد المصطفى  الذى كان أول من عمل معه من الفنانين إلى جانب الكاشف  وعثمان حسين والتاج مصطفي  وحسن عطية وحسن سليمان ومنى الخير ، وتظهر بصماته مع الأخيرة في  ” قمرية فوق الدوح” و” عيون المها” .. وقد قلت له أكثر من مرة  إن الصولو الذى نفذه فى أغنية ” ليتني زهر ” مع الفنان رمضان زايد فى جزئية “أنا ليتنى انتي في معبد الحس” يعادل  روعة الأغنية بكاملها.. تعاون عربي لحنيا مع العديد من الفنانين،  فلحن لمحمد ميرغنى وسيد خليفة وشرحبيل أحمد والتيجاني  مختار  وحسن درار، وكانت من أشهر ألحانه ”هبت الخرطوم في جنح الدجى” وقد أداها عبد الكريم الكابلي من كلمات السفير عبد المجيد حاج الأمين و” فيها إيه لو جيت فايت ” بأداء الفنان عثمان مصطفى وكلمات الجيلي محمد صالح.

عندما نعى الناعى الموسيقار  الشهير موزارت ودوى صوت مصرعه في المدينة تلفت الناس لمعزوفته  ”قداس الموت ” التي لم يكملها.. قالوا انها ستظل تذكرة بانه لايزال حيا في وجدان الناس وأنها ستظل احتفالا بالحياة.. مثلها سيكون إرث عبد الله عربي.

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 0 / 5. Total : 0

كن أول من يقيم هذا المقال