‫الرئيسية‬ مقالات إعلان مباديء ام زواج كاثوليكي..؟
مقالات - 28 أكتوبر 2024, 12:55

إعلان مباديء ام زواج كاثوليكي..؟

محمد حيدر المشرف
اثار المقال السابق “أما آن لتقدم الإنسحاب من إعلان المباديء” ردود افعال عديدة في محيطي التواصلي الإجتماعي. بعضها جاء وهو يعرج متخبطا ذات اليمين وذات اليسار. وبعضها جاء مستقيما في كامل البهاء الذهني والوضوح والنقد الجاد والمسؤول.
اهم النقاط المثارة ذات المعقولية في الطرح والمنطق الداخلي المتماسك هو ضرورة إبقاء الدعم السريع تحت ضغط الإعلان وبنوده المختلفة سواء البنود الحمائية للمواطن السوداني أو تلك المتعلقة بالتعهدات حول الحلول السلمية وقبول مبدأ التفاوض وانهاء هذه الحرب كرؤية صحيحة و وحيدة وبحيث يكون من الحتمي وللمصلحة الوطنية العليا ان يتبناها الدعم السريع والجيش للخروج من هذا المازق الوطني التأريخي وحالة التهديد الوجودي التي تعصف بالدولة الوطنية والشعب السوداني.
وفي الرد على ذلك أقول أن الإعلان , وبعد الفهم التام للسياق السياسي والوطني الذي تم توقيعه فيه, قد فقد *الآن* الصلاحية الخارجية والداخلية معا Internal and external validity . لقد بنى هذا الاعلان على رؤية وطنية تعتمد مباديء لم يتم الالتزام بها. كما وتسبب الإعلان بذاته بخسائر سياسية كبيرة لتقدم. ثم تفاقت هذه الخسائر بسبب تقادم الحرب وفشل المنابر الاقليمية والدولية واتساع دائرة الحرب وزيادة الاستقطاب الوطني العنيف واستمرار الانتهاكات وجرائم الحرب ومعدلات اللجوء والنزوح مما قاد لارتفاع خطاب الكراهية و ظهور التمايزات الاثنية والجهوية ال.
واصل كلا من الدعم السريع والجيش في الانتهاكات الكبيرة وجرائم الحرب المروعة من ناحية. و رفض الجيش بصورة ملتوية لمبدأ التفاوض الحر النزية بارادة تحقيق السلام .. كما تنصل الدعم مؤخرا عن مبدأ التفاوض باعلان واضح وصريح من الجنرال حميدتي كقرار مرتبط بالواقع المتجدد الذي تنتجه هذه الحرب وفق منطقها الداخلي في التمدد والاتساع ونحو الحرب الاهلية و الفوضى المسلحة الشاملة.
تباعد الشقة الآن بين الجيش وتقدم لا يحتاج لشرح وينفي بصورة كاملة ادنى احتمال لتحقيق الرؤية العامة التي اشتملتها بنود الاعلان. ولا وجود في الواقع لقوة تاثير leverage او نفوذ تمارسه تقدم على الدعم السريع الآن والذي اصبح بدوره مسيرا تماما (كما الجيش) بواسطة واقع ومعطيات هذه الحرب. وهذه هي الوضعية التي اصفها بفقدان القدرة على السيطرة والتحكم بهذه الحرب عند طرفيها.
اعلاه من ناحية فقدان الصلاحية الداخلية للاعلان..
ماذا عن الصلاحية الخارجية اذن؟
كان من المؤمل انعكاس هذا الاعلان ايجابيا على فاعلية تنسيقية القوى الديمقراطية من حيث اكتساب ثقة القواعد الشعبية التي تدعم تقدم واستقطاب ثقة غيرهم. كما كان من المؤمل أن يتيح هذا الحراك الوطني العقلاني الراشد استقطاب كيانات سياسية اضافية تحقيقا لرؤية تقدم حول مفهوم العمل المدني الديمقراطي الجبهوي المضاد لحالة التشرزم السياسي المستمر لقوى الثورة منذ 11 ابريل 2019 .
فاذا نظرنا للنتائج نجدها أتت بعكس ذلك تماما, فالغالبية على المستوى الشعبي اعتبرت (وهم مخطئون) ان الاعلان بمثابة تحالف سياسي وانحيازا لاحد أطراف الصراع مما ينزع من تقدم موقفها الإساسي كتعبير عن تيار وموقف (لا للحرب). تمت تغذية هذا المفهوم الخاطيء بواسطة (حزب الحرب) الانقاذي بصورة كبيرة وبحيث ظلت تقدم وعلى الدوام في حالة نفي مستمر (واتهام مستمر) لكونها ظهيرا سياسيا للدعم السريع. ثم وبناء على سيادة المفهوم الخاطيء الأول وانتشاره شعبيا تولد مفهوم خاطيء ثاني واكتسب بعض الجماهيرية في اعتبار ان تقدم بدعمها للدعم السريع قد داست على شعارات وأهداف ثورة ديسمبر. ثم وبناء على المفهوم الخاطيء الأول والثاني تعزز مفهوم خاطيء ثالث حول ارتهان وعمالة تقدم للقوى الاقليمية والدولية .. هذه المفاهيم الخاطئة تعمل بفاعلية شديدة ونجاح في الواقع الملموس ولا يمكن تفنيد ذلك بمدخل الخطأ والصواب. فحتى لو كان قد تحقق بواسطة الخطأ فذلك لا ينفي صفة التحقق.
من المهم فهم وتحليل تفاصيل الظواهر التي صاحبت هذه الحرب وتحكمت في المزاج الشعبي العام. ويجب الاهتمام بذلك طالما كنا مقيدين بقوانين واعراف العمل السياسي ومعادلاته الواقعية ولا يمكن التحلل منها بخلفية كونها غير عادلة unfair )هذه قوانين اللعبة وهذا هو المجال الحيوي الاجتماعي الذي نلعب فيه)
بعض الخسائر السياسية بمثابة كارثة وطنية. تقدم لا تمثل مكوناتها وانما هي تعبير سياسي عن ثورة عظيمة وملهمة شاءت الاقدار أن ترتبط ب (تقدم سياسيا) في العقل الجمعي للشعب السوداني. لا يعقل أن تتحمل تقدم هذا القدر من الخسائر جراء هذا الاعلان ما افقدها ويفقدها وسيفقدها الفاعلية السياسية والوطنية التي يحتاج اليها هذا الوطن المنكوب. فالقضية ليست تقدم وانما ما تمثله تقدم. كما لا يمكن القبول ابدا بخسائر تقدم السياسية المفضية لخسران ثورة ديسمبر المجيدة وهذا هو الهدف الحقيقي وراء هذه الحرب والمتمثل في الغاء مرجعية وحاكمية ثورة ديسمبر عبر آلية واضحة ومعلنة وصريحة تتمثل في قتل الحرية والتغيير (تقدم لاحقا) سياسيا.
من اللامعقول حقيقة أن تموضع نفسك بعناد في موضع ملائم لخصمك أن ينتاشك ويؤبلسك ويشيطنك وينجح في ذلك ثم يستثمر في نجاحه بالنيل منك مثنى وثلاث ورباع. لماذا؟!.. أمن أجل رؤية وطنية عظيمة ولكنها وببساطة لن تتحقق؟! ام من اجل تسجيل موقف أخلاقي تهزمه جحافل الطرف الثاني بارتكاب المجازر وجرائم الحرب المتجددة ؟!
هو مجرد اعلان مباديء, اصدروا بيانا شاملا و .. انسحبوا !

ماهو رأيك في هذا المقال ؟

Average rating 5 / 5. Total : 1

كن أول من يقيم هذا المقال